الدولة الكردية بين الممكن والمستحيل [ كردستان الكبرى ؛ هل هي ممكنة ..؟ ] –   الجزء الثاني-  مير عقراوي / كاتب بالشؤون الإسلامية والكردستانية

 

إن كردستان الكبرى المجزأة حالياً بين أربعة دول جارة لها ، هي : تركيا ، ايران ، العراق وسوريا غير ممكنة تحقيقها ، أي ؛ إن تحرير جميع أجزاء كردستان وضمها ببعضها في كردستان واحدة موحدة ، هو خارج بالكامل عن قوة وإمكانية وإرادة الأمة الكردستانية ، وذلك لمعوقات وأسباب كبيرة جداً داخليا وخارجياً . مع إن كردستان لم تكن خلال القرون الماضية أيضاً موحدة . ففي العصر العثماني – الصفوي كانت كردستان مجزأة بينهما ، بخاصة بعد إتفاقية عام [ 1514 ] حيث معركة ( جالديران ) المعروفة وفيها إنتصار العثمانيين على الصفويين بعد آنحياز الكرد بغالبية ساحقة الى جانب العثمانيين  ، وكذلك كانت كردستان مسرحاً لحروبهما وصراعاتهما ومنافساتهما السياسية والمذهبية والإقتصادية . بعدها تم إتفاقية ( أماسيا ) عام [ 1555 ] بين الدولتين العثمانية والصفوية التي كرَّست تقسيم كردستان بينهما ، ثم عقبتها إتفاقية ( زهاو ) ، أو ( قصر شيرين ) عام [ 1639 ] بين العثمانيين والصفويين لتنظيم الحدود والنفوذ بينهم في المنطقة ، وكانت هي أيضا لتكريس تقسيم كردستان بينهم . هكذا توالت الصراعات والإتفاقيات العثمانية والصفوية على كردستان ، وعلى حساب الكرد وكردستان وتقسيمهم فيما بينهم وآستمرت حتى نهاية الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى [ 1914 – 1918 ] ، حيث دخلت كردستان بعدها في منعطف تاريخي شديد الخطورة والتعقيد ، وفي مرحلة تقسيمية وتجزيئية أخرى أشد تعقيداً وخطورة من سابقاتها ، وهي تقسيمها على الدول الجارة للكرد ، وهو أي التقسيم الدولي مازال حتى اليوم قائماً ومفروضاً على الكرد .
ثم إن وقوع كردستان في الماضي والحاضر بين دولتين قويتين كبيرتين ؛ تركيا – ايران ، وفقدان الكرد لكيان سياسي مستقل قوي ومقابل لهما كان العامل الأهم والمركزي في التعثر المستمر للثورات والحركات الكردية وعدم تحقق الدولة الكردية فيما بعد ، أي بعد إنهيار الدولة العثمانية التركية وإلغائها عام [ 1923 ] ، ونشوء النظام السياسي العالمي الجديد وترسيم الحدود الدولية للبلدان في منطقة الشرق الأوسط خلال وبعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى .

فعلى الصعيد الداخلي يمكن آعتبار الأحزاب والقيادات الكردية بتنازعاتها وخلافاتها وآحترابها الدموي الكثير ، بل المستمر في أغلب الأحايين مع بعضها وتطرفها الحزبي ، هي عامل العثرة والمعوق في توحيد الصفوف الكردية . أما على الصعيد الخارجي ، وهو العامل والمعوق الأكبر والأهم ، هو إن السياسة الدولية لا تقبل وحسب ، بل ترفض رفضاً قاطعاً توحيد أجزاء كردستان الأربعة في كيان سياسي وجغرافي واحد موحد بسبب مصالحها السياسية والإقتصادية وغيرها بطبيعة الحال . أضف الى ذلك الرفض القاطع للدول المتقاسمة لأجزاء كردستان ، فهي ترى وتعتقد جازما إن كل جزء من كردستان الذي ألحق بها ، هو جزء لا يتجزأ من أراضيها وبلادها وسيادتها وأمنها الوطني .

فالدول التركية والإيرانية والعراقية والسورية سوف تعمل المستحيل ، بخاصة تركيا وايران لعدم تطور القضية الكردية نحو الإستقلال السياسي وقيام الدولة الكردستانية ، وذلك حرصا على سلامة أراضيها وأمنها الوطني كما تعتقد . إن الإشكال الأساسي في عدم قيام الدولة الكردية في كردستان ، هو حينما نشأ النظام العالمي الجديد عقب سقوط الدولة العثمانية لم يكن للشعب الكردي يومها كيانا سياسيا قويا مستقلا مثل الترك والفرس وغيرهم ليكون مانعاً لتقسيم كردستان ورادعاً كي لا تغمط حقوقه المتمثلة في الإستقلال السياسي ، بل إنه كان مقسماً بين الدولتين المعروفتين العثمانية والصفوية وتحت سيادتهما وسيطرتهما كما قلنا ، والسبب الفاعل الآخر هو إن الدول الكبرى يومها ، بخاصة بريطانيا وفرنسا كانتا بالضد من تأسيس دولة كردية في كردستان ، بل إنهما أقامتا حظرا رسميا في تحرير وتوحيد كردستان وتأسيس دولة كردية ، فعليه يمكن الإستنتاج للقول بأن الشعب الكردي خلال الحرب العالمية الأولى وما بعدها كان النقطة الأضعف بالمنطقة ، وفي السياسة الدولية للقوى العالمية التي كانت المتحكمة والفاعلة فيها يومذاك في لعبة الأمم .

بعد قيام النظام العالمي الجديد عقب إنتهاء الحرب العالمية الثانية [ 1939 – 1945 ] لم يطرأ ايَّ تغيير على السياسة العالمية إزاء القضية الكردية ، بل إنها أصَّلت التقسيمات الإدارية والجغرافية والسياسية لمنطقة الشرق الأوسط التي تم رسمها وتخطيطها في بدايات القرن العشرين المنصرم ، مثل إتفاقية سايكس – بيكو البريطانية – الفرنسية لعام [ 1916 ] وغيرها أيضاً . طبعا مع آستثناء محاولات كردية كبيرة وتضحيات عظيمة لإستقلال كردستان ، مثل محاولات الشيخ محمود الحفيد البرزنجي [ 1881 – 1956 ] ، والعسكري الكردي المعروف بكر صدقي [ 1886 – 1937 ] . أما الشيخ عبدالسلام البارزاني [ 1887 – 1914 ] فقد كانت إنتفاضته وحركته تناشد بالحقوق الثقافية والإدارية للشعب الكردي في إقليم جنوب كردستان ، أو مثل محاولة الدبلوماسي الكردي المعروف يومها شريف سعيد خندان باشا [ 1865 – 1951 ]

في عام [ 1919 ] أسس ملك كردستان وزعيم الثورة الكردية في إقليم جنوب كردستان ، أي كردستان الملحق بالعراق الشيخ محمود الحفيد البرزنجي المملكة الكردية وعين نفسه ملكاً عليها ، وشكل مجلس الوزراء للمملكة ، ثم ناشد العالم ، بخاصة عصبة الأمم المتحدة الإعتراف الرسمي بالمملكة الكردية . في عام [ 1922 ] أسس الشيخ محمود ثانية الحكومة الكردية وجعل مدينة السليمانية عاصمة لها ، لكنها أسقطت بعد معارك ضارية مع القوات البريطانية  . لهذا يُعتبر الشيخ محمود الحفيد البرزنجي بمثابة جورج واشنطن لإقليم جنوب كردستان .

أما القائد العسكري بكر صدقي فإنه بعد الإنقلاب العسكري الذي قاده في العراق عام [ 1936 ] كان يهدف الى تأسيس دولة كردستانية لا في إقليم جنوب كردستان وحسب ، بل في الأجزاء الأخرى من كردستان أيضا . ولهذا السبب سعى بكر صدقي الى تعزيز علاقته مع ألمانيا ، وفي هذا الشأن آجتمع مع السفير الألماني يومها [ فريتز غروبا ] في بغداد وتباحثا حول إمكانية تحرير وآستقلال كردستان وتاسيس دولة كردستانية فيها ، مضافا فإنه سلَّم السفير الألماني المذكور مشروعاً سياسياً وجغرافياً عن كردستان والدولة الكردستانية المرتقبة ، لكن بآغتياله عام [ 1937 ] في مطار الموصل من قبل القوميين العرب فشل المشروع برمَّته .

One Comment on “الدولة الكردية بين الممكن والمستحيل [ كردستان الكبرى ؛ هل هي ممكنة ..؟ ] –   الجزء الثاني-  مير عقراوي / كاتب بالشؤون الإسلامية والكردستانية”

  1. كوردستان الكبرى ليست خارجة عن الممكن , لكن الذي طيّر أرمينيا الكبرى في سيفر في 1919, واقف لها بالمرصاد , فلم ترَ ولن ترى النور أبداً , إذهب نام وإطمئن لن تكون الكبرى ولا الصغرى

Comments are closed.