ولى عصر العنتريات الشرقية- جوتيار تمر/ كوردستان

 

ليس بغريب علينا نحن الشرقيين ان نسمع في كل يوم يمر علينا بعض الشعارات التي تعتمد على قوة التعبير، ومتانة اللغة، وعلى الفراسة والشهامة والشجاعة الظاهرية، وفي الوقت نفسه على اشكالية تعدد التأويل ، بحيث ما ان يقع صاحبها في اشكالية مع جهة معينة داخلية كانت ام خارجية حتى يخرج للاعلام مفصلاً ومفصحاً بأنهم لم يفهموا القصد من وراء خطابه الذي لايريد به سوى خدمة الوطن، ناسياً ان العنتريات التي كان يتباهى بها لن تمر على الواعين مرور الكرام، وانما ستكون مأخذ عليه وعلى كل من يواليه.

العنتريات تلك الصفة التي تشتهر بها الاقوام الشرقية، وذلك المصطلح الذي كان ولم يزل هناك من يتباهى به، اصبحت وليمة ساخنة معدة مسبقاً من قبل جهات واجندات خارجية متحكمة بالداخل ضمن جغرافيات دول الشرق الاوسط بصورة خاصة، ودول العالم الثالث بشكل عام، فكلما تحركت نزعة تحررية في مكان ما حتى نجد اذناب الاجندات تخرج للاعلام بخطاب ناري تحريضي لااساس له ولا مقومات له ولا تخطيط فيه سوى العبث بعقول الشارع المسلوب الارادة، والغارق في الحياة دون سبيل نجاة، ولا اعرف لماذا لم يتوقف يوما احد من هولاء المنصاعين لتلك العنتريات امام ماهية الكلمة ليدرك تماما بانها انما كشعرة معاوية لاتستخدم اصطلاحاً الا للتحريض ولكسبهم ولجعلهم وقودا لاغراضهم وافكارهم الهدامة الممتلئة بالحقد والكراهية واللاانسانية لكل من لاينتمي اليهم.

العنتريات في معاجم اللغة تتفق على كلمة الشجاعة، ففي لسان العرب العنتر الشجاع، والعنترة الشجاعة في الحرب، وفي معجم الغني عنتر البطل، شجُعَ في الحرب، المغامر، وفي معجم اللغة العربية المعاصرة تعنتر فلان تشبه بعنترة في الشجاعة والاقدام، وفي المعجم الوسيط، شجُعَ في الحرب وسلك الشدائد، واغلب المعاجم كما سبق وان نوهت تتفق على صفة الشجاعة، فعنترة كما هو معلوم هو اسم رجل ” عنترة بن معاوية بن شداد العبسي “، المهم في الامر ان غالبية الناس تنظر الى الامر من منظور الشجاعة والاقدام، وترى فيها الرجل القوي، وترى بان الساحة الشرق اوسطية تحتاج الى امثاله لاخراجها من ظلم الاجندات الخارجية، والتمزق الداخلي القبلي المذهبي الطائفي القومي اللاواعي، في حين لو وقف احدهم عند الكلمة بدقة وتمعن النظر فيها، لوجد ان الشجاعة التي تميز العنتريات هي في الاصل مرتبطة بشيء اخر وهو موجود في تلك المعاجم نفسها، فعنتر هو الذباب الازرق، كما في معجم الغني ومعجم الوسيط، وفي لسان العرب قيل العنتر الذباب الازرق، وقيل الاخضر، وتشبهه بالذباب جاء تصغيراً له وتحقيراً ، قيل في لسان العرب نفسه شبهه به لشدة اذاه، والغريب ان غالبية اصحاب العنتريات يتجاهلون هذا الامر اما تعمداً او اعتماداً على سذاجة الجماهير التي تتبع عنترياتهم، وبالتالي نجدهم سباقون في التحريض وسباقون في التهكم على الشارع ايضاً، حيث ان عنترياتهم لاتتعدى الخطابات الاعلامية ونزولهم للشارع لايكون الا بعد ان يتم تحصين الاماكن بالاسلحة والرجال، اما الشارع اللاواعي فانه يرمي بنفسه الى التهلكة ويقدم صدره للنار والرصاص لان عنترته قال له اخرج.

يقول علي الصراف في مقال له بعنوان ” عنتريات لا عنتر فيها ” ان مسألة العنتريات الحديثة هي انها لاتجافي الواقع من اجل البلاغة، بل من اجل السخافة، وهذه بحد ذاتها معترك هوائي ظلت بعض الدول تخوضه مع نفسها حتى انتهى بها الحال على انها لم تعد تعرف من الواقع واقعاً، ولم تعد تأبه للحقائق المادية بأي شيء، فبحسب ” العنتريون الجدد ” انهم اذا ما بالغوا في قدراتهم، فانهم يستطيعون ان يكسبوا دعم الجماهير المخدوعة بالشعارات، الا ان العالم الذي غدا قرية صغيرة لم يترك الا القليل من الفراغ للجهل، فالمعلومات متداولة على اوسع نطاق، والكل يعرف ما عي حقاً حدود الدعاية التي كلما بالغت في الادعاء اظهرت ضحالتها وضحالة الذي يقفون وراءها، وهذا ما يحدث في واقعنا الذي نراه احيانا كمحاكاة لعوالم الخيال العلمي جراء غموض الاحداث وسوداويتها، حيث اصحبت الجماهير تنقسم على نفسها، فهناك من يعي الامر ولاينقاد كالاعمى وراء تلك العنتريات الشعاراتية، ويحاول الصمود امام الاغراءات البلاغية، ويعلم بان العنتريات تلك ليست الا كطنين الذباب الازرق، وهناك من ينصاع اليها ويرى في الطنين طبول الحرب ضد اعداء الامة والدولة والدين والمذهب، فتتحول العنتريات تلك الى مجزرة تحدث على ارض الواقع، لان من يتبع العنتريات لايتوقف عند حدود القانون ولا التشريعات التي تبيح لهم في خروجهم للشارع امور وتحرم امور اخرى، امور تجعل من خروجه ظاهرة طبيعية سلمية واخرى تجعل من خروجه تهديداً على الامن القومي للدولة، حيث وقتها يرتفع دوي الرصاص ويسقط الالاف كما يحدث الان في اماكن متفرقة من الشرق الاوسط.

الحقائق حين تغلف بالعنتريات قد تجد الكثيرين ينخدعون بها، فيرون فيها طوق النجاة، لكنها في صورتها الاجمالية ليست الا ممراً لتلك الاجندات المتحكمة بعقول اصحابها، حيث يتحولون الى ممرات سلسلة سهلة لتمريرها لدولهم ولواقعهم العياني، وتدفع شعوبهم اللاواعية ثمن صفقاتهم مع تلك الاجندات، في حين البعض يتماسك ويراها بصورتها الاجمالية لكنه في الوقت نفسه يجد نفسه عاجزاً امام سطوة هولاء وعنتريتهم ” أذاهم الشديد ” صوت عنصريتهم، وعنجهيتهم، صوت حقدهم المذهبي الطائفي، صوت عصبيتهم القومية، فبذلك يحدث الخلل في موازين القوى داخل البلد الواحد، وتتجزأ المقدرات الداخلية وتنحاز في الغالب للاقوى سلاحاً وهدماً وتخريباً وتفريقاً وقتلاً، فتتحول البلاد الى ساحة فوضى ودخان اسود يلبس سماءها من كل صوب .

يقول محمد الشواهين في مقال له منشور في صحيفة الرأي بعنوان ” العنتريات التي ولت ” تعلمنا من التاريخ ان هناك ابطالاً ظل العرب يفتخرون بهم، في وقتنا الحاضر حتى لو ظهرت شخصية اسطورية كعنترة، فان الهزائم المتكررة التي منيت بها امة العرب خلال القرن الماضي، طمست كل المعاني الجميلة التي توصف البطولات والابطال، بيد ان ثمة اشخاصاً لاهم ابطال ولايحزنون ولايعرفون عن البطولات سوى الكلام الفارغ الخالي من اي مضمون، يريدون ان يكونوا في موقع الصدارة للتنظير على الاخرين فافكارهم السخيفة…”، وهذا بالطبع هو المفصل من الكلام، وبالطبع هنا ليس الغرض ان نخص العرب دون غيرهم من الاقوام الاخرى التي تسكن الشرق الاوسط، انما الرسالة موجهة للكل، لاسيما ان الاحداث التي تعصف بالمنطقة تعدت حدود الاعراب – العرب –  و الاتراك – الترك –  والفرس –ايران الحالية –  وحتى الكورد في بعض الاجزاء المحتلة من كوردستان – قمست كوردستان الى اربعة اجزاء بعد معاهدة لوزان 1923 بين كل من تركيا وايران والعراق وسوريا – .

ويبقى النداء الاسمى للواعين يجوب الازقة والاماكن المحترقة، والمكسوة بالدماء الزكية، الى متى ستبقون عبيداً للعنتريات التي يطلقها هولاء الذي لم يبيعوا اوطانكم فحسب، بل باعوكم انتم وباعوا قضاياكم وحياتكم لتلك الاجندات المتحكمة بهم، أ ليس الوقت قد آن لتؤمنوا بأن القضايا لم تعد تُحل بالولاء الاعمى، والانصياع الاعمى، ولا باتباع العنتريات، أ ليس الوقت قد آن لتعرفوا بأن عصر العنتريات قد ولى من غير رجعة..؟.