حدث بعد بضعة سنين من انهيار ثورة الشيخ سعيد بيران: سيف دين عرفات

 

صفحة من تاريخ الكورد ضد الدولة التركية حول الجانكورييَن محمايي ايلو وأخيه ابراهيم عرفات:

بعد انهيار ثورة الشيخ سعيد بيران واعدامه مع رفاق نضاله بدأت الدولة التركية بعدها بملاحقة الكورد وخاصة الآغوات وزعماء العشائر كلهم بدون استثناء بغض النظر عن اشتراكهم في ثورة الشيخ سعيد ام لا بل ان الملاحقة طالت ايضا من حاربوا مع الدولة التركية ضد الجانكوري الشيخ سعيد وثورته.

بعد انهيار الثورة المذكورة كان التوتر ما زال موجودا بين عشيرة (ديرا ودومانا) والجيش التركي لأن تلك العشيرة الهفيركية كانت تقف دوما بالضد من الجيش التركي ضمن جبهة حاجو آغا حيث ان قسما منها لم تهاجر الى بنختي أو روزئافا الحالية ووقتها ( الجانب الفرنسي ) والحادثة التالية أدت الى اشتعال التوتر الذي كان موجودا اصلا.

وحدث ما يلي:

ذهب شاب صغير ذو عشرة ربيعا وهو ابن خلف حاوي من عشيرة (ديرا) في قرية زنارخ الى بساتين الكروم عصرا ممتطيا ظهر حماره وذلك لجلب العنب وكان الطريق يمر بجانب ثكنة الجيش التركي، وبدون أية سبب قام أحد أفراد الجيش باطلاق رصاصة عليه واصابت الطفل في جبينه وبين عينيه ويبدو بان المجرم كان قناصا ويجرب سلاحه على ذلك الطفل البريء وبالنتيجة رحل ذلك الطفل الى الخلود وفقد حياته.

سمع سكان القرية صوت الرصاصة ولاحظوا عودة حمار الطفل الى القرية بدون الطفل، تسارع سكان القرية بحثا عن الطفل فوجوده مقتولا وكان من بين الجموع والد الطفل فحمل طفله المضرج بالدماء والمتوفي وتوجه الى مركز الجيش القريب وهو يبكي ويدعو الخودي بأن ينتقم منهم وقال بالحرف الواحد للضابط التركي ( الخودي ينتقم منكم ويحرق قلبكم بمثل ما أحرقتم قلبي)، وتم دفن الطفل بنفس اليوم وازداد التوتر بين الطرفين ووصل الى الذروة والتفكير بالانتقام. وبعد يومين والعزاء كان ولا يزال جاريا تجولت مفرزة من الجيش التركي بالقرية نفسها (زنارخ) فقام بعض شباب عشيرة ديرا باطلاق الرصاص عليهم فقُتل نفس الضابط المجرم وقُتل جندي وجُرح جندي آخر وكان ذلك ثأرا لمقتل الطفل البريء.

ومن المفارقات التي حدثت اثناء اطلاق النار من قبل هؤلاء الشباب هو أن الرصاصة التي اصابت الضابط كانت في جبينه وبين عينينه تماما مثل اصابة الطفل.

واستقدم الجيش التركي اعدادا كبيرة من الجيش التركي من مناطق اخرى وهجموا على القرية وكان المتهمون المطلوبين حيا او ميتا هم من عشيرة (ديرا)، وهم محمايي ايلو واخيه ابراهيم عرفات ومحمد خليل الذين ذهبوا الى الجبال وسط رجاء واصرار عشيرتهم على ذلك.

وبعد عدة أشهر من الاختباء بالجبال وحيث انهم كانوا يزورون اهلهم احيانا سرا ارسل اليهم احد ابناء عمومتهم من عشيرة ديرا ومن السريان والذي كان يعمل في محكمة ماردين، ارسل اليهم لتسليم أنفسهم لينتهوا من معاناتهم وتعهد بتأمين البراءة لهم من المحكمة وذلك لكونه ابن عمهم وكذلك لمحبته الشديدة لهم نتيجة لمواقفهم البطولية تجاه عشيرتهم وتجاه السريان والارمن اثناء مجازر سيفو السيئة الصيت. من الجدير بالذكر ان عشيرة الهفيركان كانوا قد حموا السريان والارمن في مناطقهم بالاحرى خبأوهم في قراهم لحين انتهاء تلك الابادات وللتذكير كان مرادي اوسو الذي عاش وتوفي في تربسبيي وقتها طفلا صغيرا مع العشرات من الآخرين كانوا مختبأين عند جدي ابراهيم عرفات في سرختي حيث ان ابراهيم عرفات ومحمايي ايلو وموسايي غاطمي انقذوا حينها حياة اربعين عائلة سريانية وأرمنية من مجازر العثمانيين.

قام اثنان من المتهمين بناء على ذلك الوعد بتسليم أنفسهم للدولة التركية وهما محمايي ايلو وابراهيم عرفات واما محمد خليل فبقي في الجبل ولم يسلم نفسه.

بعد التسليم تم نقلهما الى سجن ئامد (ديار بكر) وفي نفس اليوم قام أميني أحمد ( لاوي بريخاني) المسجون بنفس السجن بشراء خروف واطعام السجناء اكراما للشخصين ( زعماء ديرا)، وبعدها اوصى للاثنان بشراء خروف لرد العزيمة ولكن للاسف وبنفس الليلة تم ارسال امين احمد للاعدام.

قام ابن عمهم السرياني في ماردين بجهود جبارة لتأمين البراءة لهم وتم نقلهم ولعدة مرات الى ماردين للمحاكمة وفي الجلسة ما قبل الأخيرة التي كان سيُحكم عليهم بالبراءة حدث ما يلي:

مل الاثنان من السجن والذهاب لمرات عديدة سيرا على الاقدام من والى ئامد وماردين فقررا سرا بينهما الهروب من السجن وخططوا لذلك وللاسف لم يكن يعلم الاثنان بأنهما سيحصلان على البراءة.

اثناء نقلهما ليلا من سجن ئامد الى محكمة ماردين اتفق الاثنان على فك قيودهم واسر الجنديين والهروب بسلاحهما، وفعلا قاما بفك قيودهما وهجما بنفس اللحظة على الجنديين وتم الاستيلاء على سلاحمها. واثناء تقييد ارجل وايدي الاثنين تمكن احدهما من الهروب وتم تقييد الآخر وتركه بالارض وتوجها مشرقا، وبعد شروق الشمس في ذلك اليوم الربيعي تمكن الجندي الهارب الى التوجه الى مركز للجيش قرب قرية اف كوري ولا زالت تلك النقطة العسكرية موجودة حتى الآن ورأيتها بنفسي اثناء زيارتي لمزار الجانكورين في عام 2012 م .

بعد ذلك بدأ الجيش بالبحث عن الزعيمين وكان الجو ضبابا وبعد شروق الشمس وانقشاع الضباب تبين بأنهما كانا قريبين من الجيش، وبدأت المعركة بين هذين البطلين وعلى أثرها جُرح محمايي ايلو الذي كان ضخم الجثة وطويلا وأمر أخوه ابراهيم بالهرب لانه بات مجروحا ولا يستطيع الهرب او المشي ولكن ابراهيم رفض ذلك رفضا قاطعا وقال لمحما كيف سأرجع للقرية وأقول بأنني تركت أخي بيد الجيش التركي  وهكذا كانت المقاومة حتى آخر طلقة ووداعهما للحياة بوداع بطولي لا مثيل له قرب تلك القرية، واصبحا خالدين مثل بقية الجانكوريين الكورد الخالدين، وزرت قبرهما القريب من القرية المذكورة على الطريق بين مدياد وئامد قبل حوالي ثمانية سنين.

بعد ذلك تم استدعاء اهل القرية لدفن الجثتين وعندما تنظر من الطريق العام سترى القبرين وفوقها المخفر التركي الذي لا زال موجودا والقبر اليميني هو لابراهيم والثانية بجانبه هو لمحما.

وقال محمد صديق تتر الذي كان من سكان تلك القرية، الذي توفي  رحمه الخودي قبل عدة سنوات في تربسبيي وهو من سكان تربسبيي، قال بأن عمره كان حينئذ بحدود 12 سنة عندما حدث ذلك وكان شاهدا على دفن الزعيمين، ولم يكن سكان القرية يعلمون سبب حدوث المعركة حيث عُلموا بذلك فيما بعد.

أفاد المرحوم محمد صديق تتر بأنه بعد أن تم دفن الشخصين قام أحد شباب القرية ( وكلهم كانوا مؤيدين لثورة السيخ سعيد ) بالقاء خطاب قومي حيث قال: نحن لا نعلم مَن هما هذان الشخصان ولكننا نعلم بأنهما مقاتلين ضد الاحتلال التركي لبلادنا، وهما ليسا بمهربين لأنهما لا يحملان مواد مهربة، وسيأتي يوم ويقوم شباب كوردستان بانشاء قبب من ذهب على هذين القبرين الذين هما أمامنا الآن … لجميع جانكوريي كوردستان المجد والخلود.

سيف دين عرفات – ألمانيا في 24 / 5 / 2020 م.