شاهدت في قناة العهد، في برنامج برج مراقبة، مساجلة كلامية بين الشخص المذكور في عنوان المقال أعلاه، والشيخ المدعو سعد أبو ريشه، وكانت المساجلة عن أصل وفصل الدليم في الأنبار، التي قال عنهم نجاح محمد علي: إنهم من ديلم، وديلم من فارس!. حقيقة لا أدري، هل أن الذي يسمي نفسه الخبير بالشؤون الإيرانية يعلم أم لا أن فارس غير الفرس؟ يا أستاذ نجاح، الفرس قومية معروفة، بينما فارس هو البلد الذي فيه الفرس والكورد والعرب والأتراك والبلوج الخ. يا سيد نجاح، عندما نقلت حضرتك الحديث النبوي عن صحيح مسلم: لو كان الإيمان عند الثريا لتناوله رجال من فارس. لم يقل الحديث رجال من الفرس؟؟. وفارس كما ذكرت لك قبل قليل فيه شعوب وأمم عديدة. كما هو العراق بحدوده السياسية التي خطها (الكفار) بعد الحرب العالمية الأولى لا يجوز أن تصف شعبه بالعرب، لأن فيه العرب والكورد والأتراك والفرس والأرمن والسريان الخ. حتى أن الدستور الاتحادي العراقي في مادته الثالثة يقول: العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب… . وهذا يعني إنه متعدد الأطياف.
النقطة الأخرى، إلا وهي خلاف الشيخ سعد وأستاذ نجاح الذي قال: إن الدليم في الأنبار من ديلم التي موطنها كانت سواحل بحر قزوين. بينما الشيخ قال: إن الدليم من العرب جاءوا إلى العراق في القرن الثامن الهجري من نجد. الشيء الجيد في كلام الشيخ سعد، أنه بَيَّن للمشاهدين أن الدليم كسائر العرب جاءت من جزيرة العرب بعد الإسلام بقرون عديدة واستوطنت أرض العراق؟ كما أسلفنا، هذا يؤكد بأن الدليم كجميع العرب في العراق ليست عراقية، لقد جاءت من شبه جزيرتهم الجرداء التي تسمى الجزيرة العربية؟.
الشيء الآخر الذي لم يتطرق له الاثنان هو اسم الأنبار، الذي يعني باللغة الكوردية والفارسية المخزن. لقد شاهدت برنامجاً في قناة العربية قال المتحدث: إن أنبار اسم فارسي يعني المخزن. وهكذا تقول المعاجم العربية؟. لكني أرى أنه اسم كوردي وليس فارسي؟. لا أجزم ربما حتى اسم رمادي هو الآخر قد يعني الطريق المادي، أي الطريق الميدي الكوردي. لأن الميديين الكورد حكموا المنطقة ومن ضمنها بابل حدود ثلاثة قرون. وقريب من رمادي في بابل تحديداً يوجد الجدار الميدي الذي عمره آلاف السنين. إنه معروف في كتب التاريخ بهذا الاسم الجدار الميدي. إن أول من تكلم عن هذا الجدار هو القائد والمؤرخ اليوناني زينوفون أو كسينوفون الذي عاش بين أعوام 430- 354 ق.م. لكي أكون أميناً على الكلمة، أن المصادر التاريخية تقول: إن من بنا هذا الجدار خوفاً من الميديين هو نبوخذ نصر الثاني الذي عاش بين أعوام 627- 560 ق.م. فلذا حمل اسم الميديين الكورد، الذين يقول عنهم العلامة الدكتور المصري (لويس عوض) في كتابه الشهير (مقدمة في فقه اللغة العربية) طبع دار سينا للنشر الطبعة الثانية ص (44): ” قد دلت الأبحاث التاريخية والأثرية إلى أن حضارة سومر في جنوب العراق، وهي أقدم حضارة معروفة في بلاد بين النهرين، كانت حضارة هندية أوروبية. و يضيف الدكتور (لويس عوض) في ذات المصدر، فبتحليل نقوشها، وجد العلماء، أن اللغة السومرية لغة ميدية سكيذية” انتهى الاقتباس. من بقايا السكيذيين في كوردستان اليوم، مدينة “سه قز – Seqz” في شرقي كوردستان. وفيما يتعلق باسم ديلم تحديداً، هذا هو المنجد العربي في اللغة والإعلام الطبعة الحادية والعشرين في دار المشرق عام 1973 في لبنان، بيروت لقد شارك في تأليفه عدداً من ذوي الاختصاص اللغوي والفني والمهني. جاءت في المقدمة: أما القسط الأوفر المتن اللغوي فقد أداه الأستاذ كرم البستاني. وجاءت في باب الدال: الدَيْلَم: قوم من العجم كانوا في الأصل صنفاً من الأكراد. وجاءت في إحدى المعاجم العربية الموجودة على النيت باسم المعاني الوصف التالي: الديلم جيل من العجم كانوا يسكنون نواحي آذربايجان. كما هو معروف للجميع العجمي هو غير العربي؟. للعلم، لا يوجد فرس لا قديماً ولا حديثاً في نواحي آذربايجان سوى الكورد، وفي القرون الأخيرة احتلها الأتراك الذين قدموا من طوران واختلطت لغتهم بالغة الكوردية وابتكروا لغة تسمى الآذرية. وعلى بحر الخليج (الفارسي) يوجد ميناء (بندر) تسمى بندر ديلم سكنته من الكورد والكورد اللور، وبجوارها، قريب منها نسبياً مدن وقرى كوردية، كمدينة بهبهان الكوردية، ومدينة كوردستان التابعة لها. وجنبها ميناء إمام حسن هي الأخرى سكنتها من الكورد. وأنت تتجه نحو مضيق هرمز تمر قرب مدن كُردوان وكُردلان الخ. التأكيد الآخر على كوردية الديلم. إن العلامة العراقي الدكتور(مصطفى جواد) ذكر في كتابه “أصول التاريخ والأدب” الذي يقع في 24 مجلداً ثلاث شخصيات كوردية قائلاً:”إن من أهم الشخصيات الإسلامية الكوردية الإمام عبد القادر الگيلاني (الجيلاني) المولود في قرية الجيل (گيل) بين جلولاء وخانقين، وصلاح الدين الأيوبي المولود شمال تكريت، والإمام ابن تيمية المولود شمال سورية”. إن عبد القادر ذكر اسمه في المصادر بهذه الصيغة: (عبد القادر الجيلاني الديلمي)، من مشاهير علماء المسلمين في العهد العباسي ببغداد. إنه صاحب الطريقة القادرية المشهورة في عموم كوردستان وفي مقدمتهم البرزنجة والطالبانية والكسنزانية والسوليه والجويسه (چویسە). إن هؤلاء مريدي عبد القادر يقرؤون إبان تأدية طقوسهم العقدية بالشكر والثناء للخالق العزيز:
لە گشت وڵاتی بەندی تۆ زۆرن منیش بەندەکەی کوردستانی تۆم.
الترجمة:
في كل بلدان العالم يوجد عبيد لك ونحن عبادك في وطننا كوردستان.
بما أن السيد نجاح ذكر الديلم في اليمن،نحن أيضاً نذكر له أحد من أهل اليمن يحمل اسم الديلم. أن من بقايا الكورد الديلم في اليمن اليوم هو الدكتور (عبد الوهاب بن لطف الديلمي) وزير العدل اليمني السابق؟، إنه من محافظة ذمار؟. بالمناسبة، أن الكورد حين ينتقلوا من مدنهم وقراهم في كوردستان إلى بلدان أخرى، غالباً ما يطلقوا أسماء مدنهم وقراهم على تلك المدن والقرى التي يستحدثوها. مثلاً: مدينة الدكتور عبد الوهاب في اليمن اسمها ذمار، توجد في جنوب كوردستان مدينة زمار. نسرين منطقة قرب صعدة في اليمن، ونسرين منطقة في شمال كوردستان. سامان سهل في الجوف في وسط اليمن، وسامان سهل في جبال زاجروس في جنوب كوردستان. وفي اليمن بلدة السوارية، أي مدينة الخيالة. وبخال في جنوب اليمن، وبيخال منطقة وجبل وشلال في جنوب كوردستان الخ. وفي اليمن هناك من لا زال يحمل لقب الكرد، كالباحث اليمني (هاني كُرد) ورئيس اتحاد نقابة العمال في محافظة لحج الأستاذ (منصور كُرد) الخ. بما أننا لا زلنا في اليمن ليس من الضير أن نعرج على مقال قيم كان قد نشره القاضي اليمني (أنيس جمعان) يقول فيه: يرى قسماً من الباحثين إنهم – ديلم- استعربوا وأصبحوا ما يسمى بقبائل الدليم في العراق. ويقول القاضي أيضاً: كانت – ديلم- في القديم إحدى الأيالات الفارسية، إلا أن أهلها لم يكونوا من العنصر الفارسي، بل من عنصر ممتاز يطلق عليه اسم الديالمة أو الجيل.
أخيراً، نسأل الشيخ سعد أبو ريشه عن اسم جد شيخ مشايخ الدليم الذي اغتالته القاعدة، إلا وهو عبد الستار بزيع فتيخان أبو ريشة. لو نتجاوز كلمة ريشه، هل أن فتيخان اسم عربي؟ أم كوردي؟.
شكراً على القراءة
19 11 2021