قصة قصيرة.  رأس الأفعى !!… بهزاد بامرني

جلس في ركن المقهى الذي اعتاد التواجد فيه عصراً مع أصدقائه بعد الإنتهاء من العمل.

لكنه، لم يكن هذه المرة كعادته يتمتع بروح الدعابة والمرح.

يمزح مع هذا، يعلق على ذاك و …

# لستَ كعادتك، ماذا حدث ؟

كان هذا أول رد فعل من صديقه الجالس على يساره.

# صحيح، أخبرنا ما الذي يُشغل بالك ؟

قالها صديقه الجالس أمامه.

## شكرا لاهتمامكم الرائع بي.

لا شئ أنا بخير، صدقوني.

قالها، وهو يضع كَمّامته جانباً، ويمد يده نحو فنجان القهوة الموجود على الطاولة، بشكل يوحي إلى القلق وعدم الراحة بعض الشيء.

# إذن، هنالك أمرٌ ما ؟

قالها صديقه الآخر الجالس على يمينه.

# لِيبادره صديقه الجالس أمامه ثانية بالقول :

قراءتي لشخصيتك اللطيفة طيلة كل هذه السنين التي تجمعنا.

تقول أن عالمك المفضل هو عبارة عن :

بعض أبيات من الشِعر، الغوص في موسيقى هادئة مع قراءة عدة صفحات من الأدب العالمي، وذلك بصحبة فنجان قهوة تتصاعد منه سحابة خجولة من البخار، تحاول جاهدة الصعود نحو الأعلى بصعوبة، حيث تتلاشى في الأفق.

بالإضافة إلى لقاءاتنا الرائعة هذه، بطبيعة الحال.

أليس كذلك ؟

## : بكل تأكيد، قالها وهو شارد الذهن.

# فأين الخلل يا صديقي ؟

سأله صديقه الآخر مستغرباً.

## بعد همهمة، وبينما هو يغير من شكل جلوسه على الكرسيّ بين أصدقائه، قال :

تعرفون جيدا أن الخوض في السياسة ليس من اهتماماتي.

لكن الهجوم الروسي على اوكرانيا قبل أكثر من عشرة أيام.

دفعني إلى التأمل في أنماط السياسات المؤدلجة والأنظمة  الشمولية.

تلك التي تُتقن صنع الديكتاتور، تضعه على رأس هرم السلطة وتمنحهُ صلاحيات الحزب المطلقة، لٍيحكم البلاد  بالحديد والنار.

مدعوماً بطبيعة الحال بماكنة الحزب الإعلامية لتلميع صورته، وإضفاء مِسحة من القداسة بنكهة الكاريزما المصطنعة عليه.

بحيث يُعد انتقاده، تشكيكاً في مصداقية مبادئ الحزب الحاكم.

وجريمة تستحق الحكم بالسجن وربما القتل، بتهمة خيانة الوطن والثورة.

بالضبط كما هي الحال مع بعض كهنة المعابد ورجال الدين، أولئك الذين يدّعون امتلاك مِسحة من القداسة وكأنهم وكلاء السماء على الأرض.

 مُعتبرين أن أي انتقاد يوجّه اليهم، إنما هو بمثابة التشكيك بعدالة وإرادة السماء.

وأنه يستوجب العقاب، وذلك بتهمة الكفر، والتشكيك في الذات الإلهية و …

وهكذا، يتم تصوير هذا الديكتاتور، وكأنه المنقذ الوحيد للبلاد والعباد من كل الدسائس التي تُحاك من خلف الحدود على حد زعمهم.

بعد توقف قصير، واصل صاحبنا حديثه بالقول :

## أرجو أن لا يساء فهمي من كلامي هذا، وكأنني أحاول تلميع صورة الرأسمالية على حساب الشيوعية.

فكِلا النظامين الرأسمالي والشيوعي بحسب اعتقادي، شر مطلق، وسرطانٌ خبيث اِبتليت به البشرية، وللأسف.

ولا يهمني هنا ما قاله أبو الرأسمالية آدم سميث، ولا حتى كيف فَكّر مؤسس الشيوعية كارل ماركس.

لكنني أشعر وكأن السؤال أدناه، يطرح نفسه هنا بقوة، وهو :

أولاً، أيهما أقل خطورة على البشرية، نظام القطب الواحد، أم القطبين ؟

وثانياً، في حالة ترجيح كفّة نظام القطب الواحد.

أيهما الأقل سوءاً، الرأسمالية أم الشيوعية ؟

##

بالنسبة للشطر الأول من السؤال، أقول :

التعددية مطلوبة في خوض مجال ما من مجالات الحياة، لأنها سوف تؤدي بالضرورة إلى خلق روح التنافس بين كل المعنيّين بذلك المجال.

ومن الطبيعي أن يؤدي هذا التنافس بدوره إلى سعي كل منهم  لتقديم الأفضل، وذلك بهدف كسب أكبر عدد من الزبائن.

إذن، فالتعدّدية مطلوبة، ما دامت تؤدي إلى التنافس فيما يخدم البشرية والنفع العام، ويخفف من ضغوطات الحياة بعض الشيء.

مثل التنافس على تقديم الأرخص، مع السعي للحفاظ على  الجودة والمتانة نوعاً ما و …

لكن، حينما تُوَلِّد التعددية لوناً من التنافس السلبي والخطير.

كما هي الحال مع سباق التسلح الذي أصبح موضة العصر، وذلك بعد ما بات يُعرف بالحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وإلى يومنا هذا.

حيث يسعى كل طرف مع حلفائه إلى تطوير وتعزيز آلة القتل والفتك والدمار أكثر فأكثر.

لِيتحول العالم – وعلى مدى عقود من تراكم السلاح – إلى ما يشبه مستودعاً مليئاً باسلحة الدمار الشامل، مُعرّضاً للانفجار وزوال العالم في أية لحظة.

وذلك بمجرد حصول خطأٍ ما من أحد الأطراف، بقصد أو بغير قصد.

أو وقوع تلك الاسلحة بيد شخص مُتهوّر، قد يفقد أعصابه في أية لحظة، ويضغط على زر منظومته النووية.

ومن هنا، فلا شك أن النظام اُحاديّ القطب، سيكون أقل خطراً على البشرية والحالة هذه.

حيث إنعدام هاجس الخوف، إذ لا وجود لما يسمى بالطفل  الآخر والحالة هذه، من جهة.

وغياب المبرر إلى السعي نحو سباق التسلح للدفاع عن النفس، من جهة أخرى.

##

أما بالنسبة للشطر الثاني من السؤال، فأقول :

لو خُيّرتُ بين النظامين الرأسمالي والشيوعي.

فلا شك أنني سوف أختار الرأسمالية، وذلك باعتبارها أقل سوءاً بحسب اعتقادي.

فهي والشيوعية، خياران أمام البشرية في الوقت الراهن لا ثالث لهما، أحلاهما مر كما يقال.

نعم، للرأسمالية سيئاتها وما أكثرها.

يتقدمها ذلك التفاوت الطبقي الفاحش بين الغني والفقير في المجتمع الواحد، احتمال ذوبان المجتمع في الفرد، غلبة المصلحة الشخصية على المصلحة العامة واستفحال روح الأنانية الفردية و …

لكنها بكل الأحوال، تضمن شيئاً من الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي.

فالمواطن في النظام الرأسمالي لا يرى نفسه مجرد رقم يضاف إلى الملايين في دائرة الإحصاء لتعداد السكان.

بل يشعر بدوره الفاعل في صنع القرار، حيث يمكنه ترك بصماته  في رسم ملامح المجتمع الذي ينتمي إليه في شتى مجالات الحياة.

وهذا ما لا يمكن توفره بأي حال من الأحوال في نظام الحزب الواحد، نظام الرعب الذي يحكم بالحديد والنار، ويحاسب حتى على ما يدور في ذهن المواطن.

حيث أن سياسة تكميم الأفواه ومصادرة الحريات، تقع على رأس أولويات الأحزاب الديكتاتورية التي تنفرد بالسلطة.

لِدرجة، أنك ترى المواطن يعيش طيلة حياته رُعبَ المُخبر السرّي [ مُتمثّلاً بالأخ الأكبر على حد تعبير الكاتب والصحفي الإنجليزي جورج أورويل في روايته 1984 ]، وكأنه يراقب المواطن عن كثب في كل حركاته وسكناته.

وباختصار، فلا شك أن كل الأنظمة الشمولية التي تُنتجُ ديكتاتورية الحزب الواحد.

هي أفعى سامّة بكل معنى الكلمة، ناعِمٌ لَمسها قاتل سمها.

يكمن الخطر فيها في رأسها الذي ينفث السم القاتل.

وبكلمة واحدة، فإنه وبمجرد أن يُمسك الحزب الواحد بزِمام الأمور، سوف تصبح حرية الفرد في خبر كان، ويتحول الإنسان إلى ميتٌ في عِداد الأحياء.

والحُقبة الستالينية المرعبة والعنيفة، التي حكمت الإتحاد السوفيتي بالحديد والنار، وحولت البلاد إلى سجن رهيب لكل صوت معارض، وذلك بحجة محاربة أعداء الشيوعية في الداخل والخارج.

هي نقطة سوداء على جبين فكرة الحزب الواحد وعبادة الفرد في كل زمان ومكان.

ونفس السيناريو، كان ولا يزال يتكرر بلا أدنى شك في كل الأنظمة الشمولية المتفرعة من فكرة الحزب الواحد والقائد الأوحد.

يقول الشاعر الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا قُبَيل لحظة إعدامه :

[ ما الإنسان، دون حرية يا ماريانا ؟!!… ].

 

:::::::::::::::

نهاية القصة.

========

بهزاد بامرني

2022-03-08