غيرة- فرياد ابراهيم – (قصة عن علاقة الحماة والعروس -بووك و خه سوو- في مجتمعاتنا)

 

 

من روايتي بالهولندية: (بيت بثلاثة جدران)

Het Huis Met Drie Muren

*****

في الصيف الطويل شعرت لوليتا بالملل فسجلت نفسها في دورة موسيقية اقيمت في نفس المدرسة التي درست فيها مع بعض زميلاتها. كان شغفها بالموسيقى عظيما. لم يمانع الاب بل ابدى وبتحفظ موافقته بشرط ان تلازم زميلاتها  ذهابا وايابا وبعد ان تأكد له وعن طريق مريم بأن رفيقاتها ذوات اخلاق لا غبار عليه، نظيفات ومؤدبات، كما قالت له.

اما العروسان فكانا يقضيان النهار في جولات سياحية باطراف وضواحي المدينة حيث الجبل والسواقي. ثم يعودان في وقت متزامن تقريبا لعودة لوليتا.

في يوم من الايام وبعد خروج لوليتا تمارضت مريم، تظاهرت بالمرض. لقد بدأت تنظر بعين الحسد والغيرة الى العروسة وهي تخرج يد في يد ابنها. رآها حمكو هكذا فطلبت من عائشة ان تبقى في البيت للقيام بالعمل بدلا منها فقبلت وبسرور. اما هو فمضى الى الخارج لوحده.

حينها قامت مريم من رقادها واستوقفت عائشة وقالت لها بنبرة عالية:

– انتِ، يا ضيفتنا، انتبهي لابني ولا تجهديه بما لا يطيق.

تسمرت عائشة لهذا التبدل المفاجئ من حماتها. هل هي ضيفة؟ هذا السؤال حيرها. تغلبت على حيرتها ومضت الى المطبخ للشروع في الغسل والتنظيف.

وإذا بصوت مريم وراءها.

” كوني متقشفة معه انا اعرف ابني انه يتعب بسرعة ، دعيها بسلام افهمت؟

لم تفهم. مع ذلك سمعت نفسها تقول:”نعم داده فهمت.”

قامت عائشة بالاعمال المنزلية التي طلبت منها ” داده مريم”  حتى ما كانت دون اختصاصها ، اما مريم قامت باعمال الخياطة والترقيع . ومن خلال النافذة وضعت مريم عائشة تحت المراقبة الشديدة . وكلما تذكرت شيئا نادتها ودعتها اليها:

عائشة لا تنسي البيوض،  عائشة ثم لا تنسي ان تعصري وتجففي الملابس جيدا ،لا تنسي سقي شجرة التوت ، عائشة احلبي المعزة ،  عائشة نظفي واكنسي الغرف، رتبي الفرش،  وارمي الفضلات هناك في البرميل الصدئ بجوار قن الدجاج ، ولا تنسي تبديل القش، ولاتنسي صبغ الاحذية وترصيفها جميعا على الالواح الخشبية  كل امام غرفته، عائشة  لا تنسي سقي الزهور في المزهريات ، ولا تنسي ازالة الغبار عن الحيطان والمناضد، واياك ان يضيع اي شئ او تكسري اي شئ وخذي الافرشة وعلقيها على السياج انه يوم مشمس هناك مطرقة قرب التنور ، اضربي بها ليزول الغبار عنها، عائشة لولا علمي انك متينة كالبغل لما كلفتك بهذه المهمة انه خاص بالرجال : خذي الفاس هناك مسندة الى جدار الحمام واقطعي بها الاغصان الجافة هناك ، ارايت تحت السياج هناك خشبة عريضة مغروسة في الارض قطعي الاخشاب هناك للمدفاة والتنور،  واعتبارا من يوم غد ستقومين انت بالتخبيز ، فأنا لم اعد اقوى على  الانحناء طويلا على طست العجين، ايا بنية اريني من اية طينة انت وماذا علمتك والدتك من اعمال البيت؟ لنرى هل علمك شيئا اكثر من النوم  واكل وصبغ الاضافر والرقود تحت رجلك؟

وبعد ان انجزت ما امرت بها تهالكت عائشة تحت السقيفة في الممر مستندة ظهرها للحائط و مسحت عرقها ومدت ساقيها الدقيقتين الى امامها للاسترخاء واغلقت عينيها في شبه غيبوبة . لم تمض دقيقة حتى انجفلت على صياح مريم، كانت تقف فوقها بوجه متغضن وتكشر عن اسنانها. ولم تقو عائشة على الحركة فضربتها مريم بمقدمة نعالها على ركبتها فتأوهت عائشة. “هيا قومي، لم ننته بعد، فهناك  الكثير من الاعمال في إنتظارك، لست ملكة ولا أميرة، انا الملكة.”

قبل عودة حمكو هددتها مريم ان لا تبوح لأحد ما جرى بينهما من حديث وان لا تشتكي وان لا تنبس بكلمة. ” والا ساجعلك حطبا للتنور ..هيا هيا اخلعي هذه الملابس القذرة والبسي اجمل ما عندك.” قالت كذلك وصرفت على اسنانها فارتاعت العروسة واقشعرت.

عاد حمكو فتظاهرت بالالم وهي تشكو وتدلك مفاصلها :”أواه ربي كم انا متعبة كم انا مريضة، والله ابني ليس هناك من يرحمني ، وحيدة والاعمال كثيرة.”

امسك حمكو بالعروسة وجذبها نحوه صائحا في وجهها: ” الويل لك ان شكت امي مرة أخرى.” وسحبها الى داخل غرفتهما.

وفي الليل وبعد ان انتهت اخر جولة من الغسل والترتيب والتنظيف ورمي الفضلات والاطباق وغسل وتجفيف وما الى ذلك ، آوت  عائشة الى غرفتها حيث حمكو في انتظارها بلهفة وتسللت  الى داخل الفراش الدافئ بفضل حمكو الذي اعتاد ان يظل طويلا في الفراش منذ زواجه . احتضنها وقال لها بصوت خفيض: ” حبيبتي لا تسمعي كلام امي كثيرا، كوني اكثر حكمة وصبرا،  امي تعلمت من ابي بان الرجال اقوى وافضل وقوامون على النساء في كل شئ ، للرجل السلطة الكاملة هنا في مجتمعنا كما تعلمين فكل السلطات بيد الرجل عدا السلطة التنفيذية فهي بيد المراة ، هذا ما سمعته من معلم الاجتماع . ثم ضمها اليه بشوق.

ومرت الايام هكذا بنهارها وليلها.

وفي ليلة من الليالي وصل صوت العروسان مسامع مريم من وراء الحيطان والتي خرجت من الغرفة في وقت كان زوجها يقوم بترتيب الكتب في الركن البعيد من الغرفة. اهتاجت كثيرا.

لكن القلق خفض من هياجها. قلق لازمها طوال الايام السابقة. في الحقيقة منذ ان حلت العروسة نفرا من الاسرة.

مرت بنافذة العروسان فاذا النافذة مغلقة والستائر مسدلة . ولا أثر لأي نور. رثت لحالهما. كانت ليلة حارة ارتفعت درجة الحرارة درجتان عن اليوم الفائت. هل يستحمون في الداخل بكامل ملابسهما؟ تساءلت. وقفت هناك للحظات تنصت. وسمعت همسات وحركات حفيفة . ماذا يفعلان؟ الولد هذا مغرم بها الى اذنيه. يا لحظ الغجرية التافهة النجسة. محظوظة كل من لا اصل له ولا فصل. الحاقدة الجائعة سلبت مني ابني. تمتمت في نفسها تصرف على اسنانها وتلوي شفتيها في سخرية بائنة. الويل لها ، عادت تغمغم في حنق، وقد احتقن وجهها من فرط الغيرة ومن فرط الرغبة التي اهتاجت في دخيلتها. سمعت صوتها ، انينها ثم صوته يحذرها: سسس انهم يسمعون…

” نعم اننا نسمع يا هايشة،”  عادت تسميها باسمها الاصلي -اي البقرة- استهزاء واستعلاء. نظرت حولها للحظة، السكون مطبق عدا عن قرقرة الدجاجات التي آوت الى مجثمها  منذ ساعات المساء المبكرة. انها كالساعة السويسرية دقيقات في المواعيد والحساب. “أخ علامة لو كنت بمثل رغبتك يوم حملتني بين ذراعيك والقيتني على الارض. ثم اطبقت بكفك على فمي: هسسس ستسمعك الجارة، وستبلغ كل أولاد الحارة. آخ يا للذكريات التي لن تعود ابدا ابدا. ياليتنا منحنا الله مرة واحدة في الحياة نعود فيها  الى الوراء، الى تلك اللحظة التي كنا فيها عرسانا.

خفتت الاصوات فجأة، القت نظرة على الارجاء والى السماء التي زينها البدر ولآلئ النجوم وكواكب المرجان. الجو الرومانسي الهب مشاعرها.

فجأة جائتها فكرة حديث مع ابنتها فتوجهت الى غرفتها.

&&

فرياد

فصل من رواية (بيت بثلاثة جدران)

2 Comments on “غيرة- فرياد ابراهيم – (قصة عن علاقة الحماة والعروس -بووك و خه سوو- في مجتمعاتنا)”

  1. اخي فرياد…شكرا على هذه الفكره واستمتعنا مثلما استمتعنا بروايات البرتو مورافيا (ايام زمان) بل اكثر …. عزيزا فرياد

  2. العزيز خدر كلماتك ذهب وانت من ذهب
    نعم وانا من عشاق الكلاسيك كمورافيا مع نزعة الى التجديد والحوار المستديم
    اهديك باقة ورد بعطر الاقحوان وال(كنير ) الكوردى
    لك كل المحبة والتقدير

    فرياد

Comments are closed.