حفظ الأمن  الاستقرار وحماية المكتسبات الوطنية – د.ماجد احمد الزاملي 

 

أن بعض أفراد المجتمع وللأسف الشديد لازال يأخذ فكرة خاطئة عن بعض المؤسسات الأمنية – وخاصة الشرطة – على أنها أداة قمع وإرهاب للمجتمع، وهذه الفكرة تتوارثها الأجيال، فتسببت بشكل كبير في توسيع الهوة وتعميقها بين أفراد المجتمع و مختلف المؤسسات الأمنية وفي مقدمتها مؤسسة الشرطة. إذ هناك من يُفسر ذلك بوجود تعارض مصالح بعض المواطنين مع مقتضيات الواجب للشرطة، فرجل الشرطة كثيرا ما يكون سداً نفسياً أمام رغبات بعض المواطنين التي قد تتعارض مع مصالح المجتمع، لذلك يشعر المواطن أن الشرطة تقف سداً أو حاجزا ضد تحقيق رغباته غير المشروعة، وهذا يُشكل حاجزاً نفسياً بينه وبين الشرطة. وهناك المجالات الخيرية المتعددة ، إذ يمكن أن يكون لها دور في التدخل في حالة الكوارث والنكبات ليس بالمساعدة فقط ولكن بالإسعاف وتقديم الخدمات والعون ، زيادة على ذلك إقامة دورات دراسية و أبواب مفتوحة وتقديم الدور التوعوي وكسر الحاجز بين المواطنين ورجال الأمن ، دون أن ننسى المساهمة بإدارة دوريات الأمن بمختلف مناطق الوطن و المشاركة في الحملات الأمنية التي تجعل المواطن أكثر شعورا بالأمن و الاستقرار و الطمأنينة و راحة البال ، فنشاهد اليوم الحملات الأمنية التوعوية الشاملة، من أسبوع المرور ويوم الشرطة العربية، واليوم العالمي لمكافحة تعاطي المخدرات، كل هذه الحملات الإعلامية الهادفة تصب إلى توعية وتبصير المجتمع ومؤسساته إلى الخدمات التي تقدمها المؤسسات الأمنية، وبالتالي تخرج هذه المؤسسات الأمنية عن نطاقها التقليدي وتدخل في دائرة الضوء التي تقربها إلى كافة أفراد المجتمع. الوظيفة الأمنية للشرطة خدمة المواطن كما أن الشعور بالمسؤولية والوعي بأهمية دور المواطن في استقرار المجتمع هما الخطوة الهامة المتصلة بالعمل الأمني لسلامة المجتمع، فعلى المواطن دور كبير وهام في دعم ومساندة جهود الدولة ورجال الأمن للوقوف جنباً إلى جنب مع الذين ضحوا بأنفسهم وأرواحهم فداء لهذا الوطن وعليه فإن قمة نجاح هذا التعاون تكون بتخطي هذه المعوقات ، و تتم كذلك حين يدرب المواطنون المتعاونون مع رجال الشرطة والأمن بوجه عام ، تدريباً مشتركاً على إجراءات أمنية محددة، تضمن وحدة المفاهيم، وتمكن الجميع من القدرة على الوصف والتخاطب بأساليب اتصال معتمدة ومحددة.

يُعتبر قطاع الأمن عصب العمل الفني المتخصص في جهاز الشرطة الذي ينهض بالعمل في شتى المجالات المباشرة وغير المباشرة لدعم رسالة وزارة الداخلية وتحقيق أهدافها في نشر المظلة الأمنية بالمجتمع لحفظ الأمن والاستقرار وحماية المكتسبات الوطنية. إن نشاط أجهزة الأمن في المجال الاجتماعي، لم يكن وليد مقتضيات العصر الحديث، بل كان هذا النشاط مطلوبا في المجتمعات القديمة كما هو مطلوب في المجتمعات الحديثة، ولكن الجديد في هذا المضمار، هو أن أجهزة الأمن حاليا أدخلت إلى صميم رسالتها الاجتماعية، مسؤولية الإسهام في توفير الحياة الرغيدة، والمعيشة المستقرة لأفراد المجتمع، وهي في سبيل ذلك تعمل على حماية أخلاق الفرد، ورعاية سلوكه ٕ الاجتماعي، واحترام قيمته وإعلاء مباديء الإنسانية والخلقية، الحرية والعدالة حتى تتحقق له الحياة الهانئة. ولا تدع أجهزة الأمن وسيلة قانونية مشروعة، إلا وتتبعها من أجل دفع المجتمع إلى السير وفق الأنماط السلوكية المتعارف عليها والمقبولة فيما بين أفراده قبولا عاما، كما أن أجهزة الأمن في كثير من الدول المعاصرة غيرت من زَيِّها فاتخذت الزي المدني بدلا من الزي العسكري الذي كان سائدا فيما مضى، وتحاول الآن أيضا في هذا السياق، القيام بأعمال تبدو أكثر اندماجا في المجتمع، وأكثر اقترابا من الهيئات والأجهزة التي تحملها الدولة الحديثة مسؤولية خدمة أفراد المجتمع تحقيقا للرفاهية العامة لهم، مثل مؤسسات رعاية الشباب، دور رعاية الأحداث، ووزارات التنمية والإعلام، ومراكز الإصلاح والتأهيل المهني.

ومن اهم واجبات الاجهزة الامنية هي منع الجريمة، واكتشافها، والقبض على مرتكبيها ، و تنفيذ العقوبة الصادرة بحقهم، و المحافظة على الأمن العام والآداب ، لذلك فإن أهم الواجبات الوظيفية للشرطة هي تحقيق الأمن والاستقرار لأفراد المجتمع، و لكي تؤدي هذه المؤسسة الأمنية واجباتها المهنية لا بد أن تكون مقبولة لدى المجتمع حتى تظفر بمساعدته ، لأنه ربما لن تكون مقبولة وهي تنفذ القوانين التي تتعارض مع بعض أهواء ورغبات أفراد المجتمع، ولكن ستتغير الصورة إذا أدخلت هذه المؤسسة الأمنية بعض الإصلاحات على الساحة التقليدية التي تؤدي فيها واجباتها ولعل الدور الذي دخلت من خلالة الشرطة دائرة الضوء من خلال مكافحة الجرائم بكافة اشكالها من قتل وسرقة ومكافحة مخدرات وتقديم المساعدات العينية والنقدية وقت الكوارث واستخدام الاساليب المتطورة في الكشف عن هذة الجرائم وتأهيل الكوادر البشرية بالعلم والمعرفة وفتح قنوات مباشرة مع المواطنين من خلال الشرطة المجتمعية وتفعيل دور المواطن. إن أهم الواجبات الوظيفية المناطة بالأجهزة الأمنية إزاء المجتمع هي تحقيق الأمن والاستقرار لأفراد المجتمع من خلال قيامها بواجباتها الأساسية المتمثلة بإنفاذ القانون وحماية المجتمع من الجريمة ومخاطرها بمنعها قبل وقوعها، والكشف عنها والقبض على مرتكبيها وتنفيذ العقوبة الصادرة بحقهم، والمحافظة على الأمن العام، وحماية الأرواح والممتلكات، والإشراف على تنفيذ قوانين الدولة، وإلى جانب الدور التقليدي للأجهزة الأمنية هناك بعض البرامج والخدمات الاجتماعية التي ترتبط بالمجتمع ارتباطًا وثيقًا والتي يتوجب على الأجهزة الأمنية القيام بها، ومنها أعمال الدفاع المدني(أعمال إطفاء الحريق، وعمليات الإنقاذ، ومباشرة الكوارث الطبيعية، وتوفير الملاجئ الآمنة التي تزداد الحاجة إليها أثناء الحروب والأزمات، والقيام بأعمال النجدة كاستجابة لنداء أفراد المجتمع عند أي طاريء، وتنفيذ برامج الإصلاح الاجتماعي داخل السجون، والتصدي للجرائم المخلة بأمن الدولة، والمشاركة في حماية الآداب العامة، وحماية الأحداث من الانحراف، وإصدار البطاقات الشخصية للمواطنين عن طريق دوائر الأحوال المدنية، وتنظيم المعلومات حول المواطنين، وفهرستها بشكلٍ يسهل الرجوع إليها عند الحاجة، وتُعد هذه الأخيرة من أهم أعمال الأجهزة الأمنية في الدولة؛ لما له من دور يمس أهم أركان الدولة وهو ركن الشعب وبخاصة المواطنين، وغير ذلك من الخدمات الإنسانية الأخرى المتعددة، كالتدخل في حالة الكوارث والنكبات لا بالمساعدة فحسب، ولكن بالإسعاف وتقديم الخدمات الأخرى.

ويمكن أن يحدد مفهوم الوظيفة الاجتماعية في نطاق الوظيفة الأمنية بأنها:” مجموعة من المهام والواجبات الجديدة انيطت بجهاز الأمن العام في المجتمعات الحديثة وتعنى بتقديم خدمات اجتماعية عديدة منها “حماية المواطن، ورعاية السلوك الاجتماعي، التوجيه والإرشاد، رعاية الأحداث، تنظيم البرامج للتو عية، والتثقيف الأمني، والرعاية اللاحقة السجناء عند خروجهم من السجن بعد إنتهاء مدة محكوميتهم , وغيرها من الإسهامات ، والتي تضطلع بها أجهزة الأمن، لخدمة أعضاء المجتمع وفقا للقوانين والأنظمة المرعية. ويبرر هذه الواجبات الأمنية أن رجال الأمن بحكم انتشارهم في أرجاء الوطن، وصلاتهم الوثيقة بكافة فئات المجتمع، وارتباطهم مع هذه الفئات بعلاقات يومية، لكل ذلك، فهم الأقدر على أن يكون لهم الإسهام في مجال الخدمة الاجتماعية والعمل الاجتماعي، ومن مصلحة المجتمع أن يُشجِّع هذا الاتجاه مع وضع ضوابط له تكفل عدم التدخل أو تجاوز الحدود التي ينبغي الالتزام به. وحتى الاجهزة المتخصصة في الأصل بتقديم الخدمات الاجتماعية لا تستطيع الاستغناء عن خدمات الأجهزة الأمنية لخبراتها وامكانياتها وما يتوافر لها من معلومات، كل ذلك يساعد الأجهزة على أن يكون اسهامها أكثر إيجابية، وأكثر تحقيقاً لمصلحة المجتمع من خلال تعاونها وتضافر جهودها مع جهود الأجهزة الأمنية. ولسنا في حاجة إلى الاستشهاد بما يجري من حولنا في العالم العربي حيث يشيع الاضطراب والحروب الأهلية والإرهاب والعنف الذي تقوم به الجماعات التكفيرية في بلدنا العراق وسوريا، ومصر، وتتسع ظاهرة الجريمة، والعنف المجتمعي وما يترتب علي ذلك من تفكك اجتماعي يمس الحالة الأمنية بشكل او بآخر. ويبدو أن أي مجتمع ينطوي على صراعات تؤدي إلى تغيرات معينة، كما انه ينطوي على نظام اجتماعي يضمن منع التوترات، ويحول دون استمرارها، وبديهي أن لكل مجتمع إنساني وسائله الخاصة في الحفاظ على أمن أفراده والجماعات الأخرى التي تعيش فيه، وهي وسائل تتوقف إلى حد كبير على طبيعة ذلك المجتمع وظروفه السائدة فيه، وما إلى ذلك. أن البعد المجتمعي لظاهرة الأمن كان وما زال يتبدى ضمن فعاليات عديدة، ترمي لتعزيز الوجود الحيوي للأفراد والجماعات، بهدف تمكين المجتمع بأسره من مواصلة تطوره الحضاري، ولعل ذلك ما حدا بالبعض إلى اعتبار الأمن بمفهومه الشامل عملية اجتماعية واعيه وموجهة، وأنها مستمرة ومتجددة، لأنها تُعبِّر عن احتياجات المجتمع المتزايدة التي تسهم فيها كل قطاعاته، أو كونها موجهه فيعني أنها ترمي لتحقيق أهداف حفظ التوازن الاجتماعي لضمان مسار عملية التطور الحضاري في درب الرقي الإنساني.

ويعتبر الأمن الاجتماعى الركيزة الأساسية لبناء اﻟﻤﺠتمعات الحديثة وعاملاً رئيساً فى حماية منجزاتها والسبيل إلى رقيهّا وتقدمها؛ لأنه يوفر البيئة الآمنة للعمل والبناء ويبعث الطمأنينة فى النفوس ويُشكل حافزاً للإبداع والانطلاق إلى آفاق المستقبل، ويتحقق الأمن بالتوافق والإيمان بالثوابت الوطنية التى توحّد النسيج الاجتماعى والثقافى الذى يبرز الهوية الوطنية ويحدد ملامحها ، حيث يكون من السهل توجيه الطاقات للوصول إلى الأهداف والغايات التى تندرج فى إطار القيم والمثل العليا لتعزيز الروح الوطنية وتحقيق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وتكامل الأدوار . والذى يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذى يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء ، والعمل على زيادة قدرة مؤسسات التوجيه الوطنى لبث الروح المعنوية ، وزيادة الإحساس الوطنى بإنجازات الوطن واحترام تراثه الذى يمثل هويته وانتماءه الحضارى واستغلال المناسبات الوطنية التى تساهم فى تعميق الانتماء ، والعمل على تشجيع إنشاء مؤسسات اﻟﻤﺠتمع المدنى لتمارس دورها فى اكتشاف المواهب ، وتوجيه الطاقات ، وتعزيز فكرة العمل الطوعي لتكون هذه المؤسسات قادرة على النهوض بواجبها كرديف وداعم ومساند للجهد الرسمى فى شتى اﻟﻤﺠالات.