عيد العمال … مناسبة لإحتفاء الفقراء بفقرهم – الكاتب/سمير داود حنوش

بأي حال عُدت يا عيدُ، يوم العمال العالمي التي تجدها السلطة مناسبة لا تُفوّت في تهنئة المسحوقين والمعدمين الذين سرقت أحلامهم من تُهنئهم.

بأي حال عُدت يا عيدُ، مادام في الوطن من يعيش باحثاً عن لقمة الخبز بين أكوام النفايات ومواقع الطمر الصحي، تسلطت عليه سلطة مترفة تعيش ليالي ألف ليلة وليلة وفي قصور المهراجا، تعتاش من دماء المنكوبين في بلد لاحول لهم ولاقوة، حكام لايعرفون لدمعة اليتيم معنى ولا لدعوة الأرملة إستجابة.

في مناسبة العمال يجد كل من يتوفر له نصيب بالنفاق ويتبارى في الرياء أن يُهنئ أو يُذكّر أنه ناصرهم أو مُغيثهم.

في أيام كهذه تتكاثر التهاني وتتناسل التبريكات، تتعالى الأصوات المؤيدة والمطالبة بحقوق العمال لكنها أصوات زائفة وخادعة وصدى يتردد لا نفع منه لا يعدو كونه ذر الرماد في عيون الجياع.

سرقوا أحلام البؤساء فلم يتركوا لهم شيئاً، وصلت بهم إلى الهواء الذي يستنشقه الشعب ولو كان قابلاً للتخزين لمنعوه عنهم.

عاتبني صديقي الصحفي عندما ذكرت له معلومة عن أحد الزعامات الذي إستعمل جواز مزور للدخول إلى بلد ثان بقوله “أن هذا السياسي مشهور ولا يمكن أن تصل به إلى هذه الحدود الدنيا من الأفاعيل” ويبدو أن صديقي لم يكن حاضراً بالعراق في سنواته الأخيرة حيث غابت عنه قصص وحكايات لسياسيين وزعامات دينية إدّعوا الفقر والمديونية، في حين أنهم يمتلكون نصف الأحياء الراقية في بغداد، وزعامات لازالت تتسوّل من الخارج ومن دول المهجر رواتب الإعانات في حين تسكن عوائلهم القصور المرفّهة، تحيط بهم الحاشية والخدم وجيوش من الحمايات.

في عراقنا الجريح لا يعلم صديقي أن هناك زعامات تسرق أموال الفقراء واليتامى والأرامل لتستقر في جيوب السُحت، لايُدرك أن هناك من إستكثر عليهم تناول فاكهة التفاح.

عن أي عيد للعمال نتحدث، وأولئك المحرومين الذين ينتظرون فرجاً من السماء، أو الذين سرقت السلطة أحلى سنوات حياتهم برواتب تقاعدية لا تكفي مناديل ورقية لإبن أصغر مسؤول في الوطن.

الجميع يُهنئ بيوم العمال العالمي والجميع سارق لقوت العمال، فأي معادلة يمكنها أن تنجح في توصيف القاتل والمقتول، وأي مشهد يجمع السارق والمسروق في كفة واحدة.

السلطة التي تهنئ العمال بعيدهم هي من قتلت الصناعة والزراعة في بلدهم، وذاتها التي أوقفت حركة الإنتاج والتطور في بلد كان يعتبر من البلدان المنتجة. 

التي تبارك للعمال عيدهم هي من قامت بتسريح الآلاف منهم وتشريدهم  بعد أن أغلقت مصانعهم وقامت بإستيراد  الطماطم والخيار والبصل من دول الجوار.

بأي حال يعود عيد العمال على العراقيين حين تراهم بمرثية المشهد المُبكي لعوائلهم وهم  يبحثون بين النفايات عن شيء يستر جوعهم أو حتى عورتهم.

حاولت السلطة أن تحذف صورة من عيون المشاهدين لأطفال محرومين في الموصل تسارعوا إلى وليمة تضم أنواع الطعام وألوانه وملذاته في مناسبة ربيعية تركها أصحاب المعالي والسيادة والفخامة بعد أن تناولوا منه القليل لأنهم يعيشون في شبع دائم وتخمة الكروش والأوداج المنتفخة، فتداعى لهذه القصعة أولئك الأطفال الحفاة شبه العرايا يأكلون من بقايا الطعام على المائدة التي تركها لهم جبابرة السلطة، فأي عيد عنه نتحدث؟.

لا تقترب السلطة من القوانين التي تُنصف العمال، ربما لإعتقاد سائد أن هذه الشريحة هي من تقود التغيير، أو ربما تتذكّر فيهم فشلها، هو الخوف الدائم الذي يجعلها  تتنكّر لهم وتلك هي حكاية العمال في عيدهم.