حول بدايات حزب البعث في العراق – صباح كنجي

 

ورد في مقال تحت عنوان (بمناسبة مرور 35 عاماً على استشهاده.. عبد الرحيم شريف 1) من مجلة رسالة العراق العدد 39.. الصادرة بتاريخ آذار 1988.. وبتوقيع أبو بشرى.. معلومات مهمة ونادرة عن تشكيل حزب.. حمل اسم حزب البعث القومي في العراق.. سابق لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي ينسب تأسيسه الى ميشيل عفلق في سوريا في 7 نيسان 1947..

وارتبط هذا الاسم (حزب البعث القومي2) وبادر لتشكيله الطبيب العسكري سامي شوكت3.. الذي كانت لديه ميول وتوجهات نازية ـ فاشية عنصرية.. بحكم نشأته في مؤسسات الدولة العثمانية.. ومارس السياسة بدعم من عدة جهات.. كما سنوضح لاحقاً..

وهو ابن شوكت باشا.. وأخو ناجي شوكت رئيس الوزارة العراقية لمرتين.. وأخوه الأصغر صائب شوكت.. كان من مؤسسي نادي المثنى العربي، الذي كان بمثابة تجمع للشباب المتحمس للفكر القومي ـ النازي، وابن اخيه طلال ناجي شوكت، من النشطين الفاعلين ايضاً في هذا المجال..

  والمعلومات تؤكد..

إن سامي شوكت أصبح رئيساً لنادي المثنى أواسط الثلاثينات.. ومن بعدها مفتشاً عاماً في سنة 1936 ثم مديراً عاماً لوزارة المعارف.. وفي عهده ادخل نظام الفتوة والتدريب العسكري إلى المدارس.. ووحد ملابسها وحمل لقب حامي الفتوة.. وأقدم على هذه الممارسات.. في مسعى لتطبيق مفاهيم السياسة النازية.. مقلداً هتلر في توجهاته.. لخلق وتكوين الكتائب العسكرية بين الشبيبة والطلبة في العراق.. ومن الغريب.. إن هذا التطابق.. ليس في المحتوى العنصري والشكلي فقط.. بل في التوقيت والزمن ايضاَ..

وجاءت هذه المساعي والتوجهات السياسية ـ العسكرية مرافقة لمقدمات الحرب العالمية الثانية.. وجهود المانيا ومساعيها لتشكيل أحزاب ومباضع لها.. تسعى من خلالهم للتوسع وفرض سيطرتها على العالم كما كان يحلم ادولف هتلر ومن معه..

ويبدو ان المنغمسين في خلق هذا الكيان من العراقيين.. كانوا قد شرعوا في تشكيل منظمتهم بشكل سري قبل عام 1943.. لكنّ تأثيرهم كان محدوداً.. وغير مؤثراً.. بحكم تطور الأوضاع في العراق لصالح بروز ونمو التيار اليساري ـ الشيوعي.. الذي شكل عقبة ومصداً للتوجهات العنصرية ـ الفاشية في حينها..

 والمعلومات الأولية تشير..

الى تصدي الأحزاب والشخصيات المهمة والفاعلة في المجتمع العراقي.. لهذه المحاولات الفاشية.. كما هو الحال مع سلسلة كتابات شارك فيها الفقيد (عبد الرحيم شريف) الذي كان يقود حزب الشعب.. قبل تحوله وانتسابه للحزب الشيوعي العراقي لاحقاً.. ويصبح عضواً في اللجنة المركزية بعد ثورة تموز..

 وحينها نشرت عدة مقالات في الصحف العراقية من بينها.. الوطن.. العصبة.. الأهالي.. وطبعت في كراريس.. أجمعت على مخاطر الفاشية والنازية.. وتصدت للسياسة الألمانية.. وينسب الى عزيز شريف وحده وضع ثلاث كراريس عام 1944 منها (سقوط الفاشية ضمن سلسلة رسائل البعث) التي نشرت آنذاك.. والمعلومات تؤكد..  

ان أحد هذه الكراريس.. حمل اسم حزب البعث النازي.. وهذا يستحق المزيد من البحث والتقصي.. ونأمل ممن لديه الاطلاع والمعلومة.. المساهمة في الكشف عنها بالدليل والوثائق.. وحتماً هناك نسخ من هذه الكراريس في رفوف المكتبات الشخصية.. وفي أرشيف ووثائق العهد الملكي وما بعده..

وتؤكد المعلومات الموثقة ايضاً:

أثناء الحرب العالمية الثانية.. حينما كان ناجي شوكت وزيراً للعدل في حكومة رشيد عالي الكيلاني في تموز 1940..

أرسل الكيلاني الوزير ناجي شوكت في مهمة سرية إلى أنقرة.. ليلتقي السفير الألماني في تركيا.. حيث كان في نية الكيلاني توفير الدعم إلى ألمانيا النازية إذا دخلت الحرب أراضي العراق.. مقابل تعهد ألمانيا في حالة انتصارها بالعمل على استقلال العراق..

وصلت أخبار هذه اللقاءات السرية إلى المخابرات البريطانية.. مما أدى الى نزول أعداد كبيرة من الجنود الإنكليز في البصرة.. لإسناد الملك العراقي.. الذي كانت له ميول بريطانية.

 وفي هذا المجال كتب الصحفي اللبناني (حازم صاغية) تحت عنوان النازية بمناسبة الخمينية.. (في العراق أيضاً، دعا سامي شوكت، مدير المعارف العامّ، إلى «صناعة الموت» يمتهنها شبّان آمنوا «بالحديد والنار» اللذين رفعتهما حركة القوميّين العرب إلى مبدأ سامٍ ومسجّع: «دم حديد نارْ/ وحدة تحرّر ثارْ».)

تؤكد المعلومات أيضاً..

محاولة سامي شوكت.. قبل عام 1946 تكثيف نشاطاته واتصالاته اليومية لتكوين كيان سياسي وانه بادر الى تتويج هذه النشاطات بتقديم طلب لإجازة حزب باسم (حزب البعث القومي).. الذي أسسه وأعلن عنه مع آخرين.. بدعم من جهات عديدة.. مستنداً عل البعض من شيوخ العشائر.. وفي المقدمة منهم: الشيخ فريق مزهر الفرعون، الشيخ تكليف مبدر الفرعون، المحامي عبد اللطيف القصير الذي كان المدير المسؤول لجريدة البعث القومي، الدكتور خزعل خضير، الدكتور مصطفى الخليل، الدكتور مصطفى كامل ياسين..

 وإنهم أصدروا جريدة يومية في بغداد باسم جريدة (البعث القومي) بتاريخ 17 شباط 1946.. وتحول اسمها الى (البعث) في حزيران من العام نفسه.. وحاول مؤسسوه الحصول على اجازة للحزب، بتقديمهم طلباً رسمياً إلى وزير الداخلية صالح جبر في حكومة توفيق السويدي.. الذي رفض الطلب على اعتبار ان غالبية مؤسسيه لهم صفة عشائرية.

وكان سامي شوكت قد أشرف على اول صدور للجريدة في شباط عام 1946 كجريدة يومية في بغداد حملت اسم الحزب وروجت لأفكاره العنصرية.. ومن المفارقات، تلك المقالة.. التي كتبها الشيخ تكليف مبدر الفرعون تحت عنوان (القومية العربية ماضيها وحاضرها) حيث جاء فيها:

«كان محمد كل العرب فليكن كل العرب اليوم محمدا».. الذي ذكرها ميشيل عفلق وتبناها لاحقاً في كتابه «في ذكرى الرسول العربي» وأصبحت تنسب له خطأ. وتؤشر لاستخدامه لها أي لميشيل عفلق بذكرها وقولها في لقاء جامعة دمشق كما يشاع لليوم..

 

ولا بد وان نشير في هذا السياق الى ان سامي شوكت قد قدم طلباً لتأسيس نادي باسم “نادي البعث العربي في فترة تفرغه وتبنيه لحزب الإصلاح ايضا..

والسؤال الذي يتبادر الى الذهن بعد هذه المعلومات..

ـ هل سرق ميشيل عفلق فكرة تأسيس حزب البعث ممن سبقه من العراقيين واستغنى عن ذكرهم لأسباب تتعلق بالأنانية وتخطي دور الآخرين؟

ـ أم ان الجهات التي كانت تتحكم بمفاتيح اعلان هذا الحزب قد انتزعت المهمة من سامي شوكت وحولت المهمة ـ الكرة له.. أي لـ عفلق.. وكلفته بإعلان التأسيس في سوريا.. بعد فشل كروبها في العراق وعدم تمكنه من أداء الدور المطلوب له..

ـ وفيما يتعلق بسرقة الشعارات ومنها (لقد كان محمد كل العرب فاليكن كل العرب محمداً) ومن أطلقها في البداية.. فحدث بلا حرج.. فالنتيجة كانت واحدة..

 فقد أصبح كل من في عراق الرافدين من عرب وغيرهم فدوة للجرذ.. القائد الضرورة والمهيب الركن صدام الأرعن..

اما في سوريا العروبة.. أو سورية البعث.. فكانت النتيجة الخراب الشامل (الله سورية بشار وبس) واقرأها بشبش.. وان شئت التقطيع بش.. بش..

من بشبشة البعث وعبثهم في البلدين..

ذلك العبث الذي تمخض عن دخول ابن العوجة.. أصديم.. بلحيته المتسخة في نكرة الجرذان..

كأننا في دوامة زمن غرائبي مهدور.. تدمج خلاصة ما حصل في البلدين.. من تجارب فاشلة ودامية.. بكلمتين من نفس الحروف.. لتشكل عنواناً سريالياً يفصح عن العلاقة بين: البعث والعبث..

وللأسف انه عبث أطاح ببلدين.. وأنتج كل هذا الخراب وهذه الآلام..

وذلك ليس الاّ جزء من عبث السياسة.. المنتج للمزيد من أحزاب البعث في عصرنا الراهن الى اليوم..

والمعضلة متداخلة

البعث يمارس العبث

والعبث ينتج البعث

وبين البعث والعبث.. ثمة المزيد من الآهات والخسائر قادمة.. ثمة حروب قادمة.. وعنف منفلت.. ثمة ضحايا جدد..

من يستطيع تنبيههم لأخذ المزيد الحذر!

ــــــــــــــــ

صباح كنجي

17/6/2023

One Comment on “حول بدايات حزب البعث في العراق – صباح كنجي”

  1. السيد صباح كنجي : تحية وتقدير ، الموضوع مهم ويحوي معلومات قد تكون جديدة لكنها مهمة ، تحياتي وتقديري للجهود المبذولة لمثل هذه المواضيع الحساسة والراقية . كل التوفيق

Comments are closed.