الفرق بين القيم النبيلة والرذيلة المنحطة  في رواية ( سيبندية ) للمبدع شوقي كريم حسن – جمعة عبدالله

 
  صياغة متألقة في ابداعها الروائي الحديث في اسلوبية مدهشة في  البناء الروائي وهندسته  , الذي يمتلك الابتكار والخلق في الطرح  المرهف  في تصاعد وتيرته الانفعالية  نحو الذروة  , بتناول  أصعب القضايا الحساسة في نبش الماضي ,  أحداث عاصفة بخطورتها وبطرحها  في أسلوب سلس ورشيق وجذاب ,  يشد القارئ كالمغناطيس كتوثيق  في أسلوب روائي في سرد الأحداث ,  تعتمد على  الجرأة والصراحة في تسليط الضوء الكاشف , بالزلزال السياسي الذي هز كيان العراق هزاً ,  في انعطافات خطيرة  أن يتخذ الجانب السياسي  أسلوب العنف الدموي  , أن هذا العمل الروائي , يشكل وثيقة تؤرخ تلك المرحلة في جوانبها  الخفية والظاهرة   , يمتلك الحس  الروائي خبرة عميقة في الاطلاع على تلك المرحلة المشؤومة وتجسيدها  في الفن الروائي ,  واسلوبية الطرح بشكل غير مسبوق في المنظور الروائي الحديث  , رواية سياسية بامتياز ,  تبحث في الشؤون السياسة من زاوية السرد في قلب الحدث وباللغة التي تشكل اساس وعقلية الشخوص بطعمها باللهجة العراقية , كما ابدعت رواية ( النخلة والجيران ) للراحل الروائي الكبير غائب طعمة فرمان   , وتميزت  في مواصفات تكوينية مدهشة البناء الروائي , أن توظيف اللهجة العراقية ,  لكي تنسجم مع احساس شخوصها في سلوكهم وتصرفاتهم , وفي عقلياتهم السياسية والحزبية ,   في  الحدث السردي الذي جعله يحلق عالياً بجناحي : السرد والدراما والحوار . بما يمتلك من  دلالات فكرية عميقة في المغزى والمعنى , وهو يرسم صورة  المشهد السياسي من كل جوانبه بالضوء الكاشف عن فترة سياسية تاريخية  حرجة وصعبة  , التي فتحت باب العنف الدموي بعد مقتل الملك الشاب ( فيصل) ان هذه الفعلة الخسيسة في بشاعتها  بالقتل الهمجي , والتي  انتهت  بمجزرة للعائلة المالكة  , انها جريمة لاتغتفر , وهي ايضاً فتحت  باب الصراع السياسي الدموي بين الأطراف  السياسية المتخاصمة . بهدف إجهاض  الثورة والعهد الجمهوري الوليد , وتميزت الخارطة السياسية آنذاك ,  بالفوضى والانفلات والتهديد بالانتقام من كل الأطراف السياسية , مما دلفت الحياة إلى العنف , وبرزت طفيليات من المستنقع العفن , أو من قاع المجتمع ,  أو من الحثالات الساقطة في الأخلاق والسلوك والتصرف , تتميز بالسفالة والرذيلة , أصبحت تتحكم في مصير الناس , وتنتهك الشرف والأعراض , لأنها تربت في بيئة منحطة بكل أشكال الرذيلة السافلة بلا اخلاق وشرف , ودفعت الحياة السياسية الى الابتذال والانحطاط  . وقد برع السرد الروائي في الوصف الدقيق لتلك المرحلة الكالحة ,  من مليشيات الموت ( الحرس القومي  )  الذين تمادوا في غطرستهم وعقيلتهم المتوحشة ,  التي لا تعرف سوى القتل والشبق الجنسي الشاذ والمبتذل  ,ليصلوا بغدرهم بقتل  قائد الثورة ( عبد الكريم قاسم ) الذي انتهج  معهم سياسة التسامح على نهجهم الإجرامي ,   أسلوب التراخي في نهج   عفا الله عما سلف , رغم انه يملك الاداة الفعالة لردع وكسر ظهرهم , بما يمتلك من  زخم جماهيري واسع ,  وخاصة من  شرائح الفقراء , رغم انه يملك حب الناس الطاغي  , لم يستخدم العنف مقابل العنف ,  لم يعالج سلبيات التناحر السياسي بالردع الصارم  , وخاصة من القوى المضادة للثورة  التي تتوعد بالانتقام وتهديد الثورة الفتية , وراحت تدير المكائد والدسائس وتخلق الاضطراب والفوضى بهدف إسقاط الثورة , والتي انتهت بقتل زعيمها بشكل بعيداً عن الاخلاق . لكي تتخلص منه سريعاً لانه محبوب الناس  . وصندوق العجوز ( الجدة ) يكشف الخفايا والكثير من الاحداث الدراماتيكية بعد مقتل الزعيم ,  لقد وصفت حزنها وحرقة لوعتها الحارقة بالقتل الغادر والخسيس لمحبوب الشعب (  ألم أقل لك حاذر , تركتنا نصارع اليتم . طيبتك رمت بك وبنا الى التهلكة , ما عسانا نفعل ووحوش الموت بدأت تملأ الطرقات . . ألم أقل لك أن الحذر غلب القدر , لكنك اندهرت بكرم عفوك …. أما رأيت فوهات البنادق وهي تتوعدك ….. ما كان عليك أن تصمت , لا لأجلك بل لاجلنا , ما فادت أغانينا في حمايتك , عبدالكريم رب العباد يرعاك ) ص12  . والحدث السردي افرز قطبي الصراع   . قطب الحب للزعيم وهو يمثل  عنوان الوطنية والانسانية , والقطب الآخر هو عنوان الكراهية والرذيلة والسفالة والعهر , أن تقوم  فرق الموت ( الحرس القومي ) في ارتكاب جرائم ضد الانسانية , والسرد الروائي يكشف الكثير من الخفايا , التي لا يمكن تغطيتها بالغربال ,  تناولها بالتصوير الدقيق لحالة العنف والدماء في دوامة لعلعة الرصاص , والتهديد بحبائل المشانق في خارطة الصراع السياسي ,   الذي اتسم بالفوضى والانفلات في  المشهد السياسي  المتخبط , ولكن السؤال الذي يستفز العقل : كيف قبلنا أن نكون حطباً واحلامنا الخضراء تجف او تتيبس ؟  بهذا الشكل في المشاهد تمثل اسوأ الجنون في الشأن السياسي المتهور   ( دوامة رصاص , مشانق … هههههههههه هههه ماكو مؤامرة تصير والاحبال موجودة .. هههههه هوب هوب عفلق كدامك الطسه جمال  نايم بالخره وما نسمع حسه … وحده  ما يغلبها غلاب عربانه ومليانه  جلاب  …. ههههههههه نزيهه بالت عل جسر واتمزلك المهداوي ) ص160  . وبعد مقتل الزعيم في انقلاب دموي ,  أطلق العنان للوحوش الضارية من الذئاب المتوحشة , التي جاءت من قاع حثالات المجتمع , حثالات منخورة في الشرف والعرض والأخلاق, حثالات ساقطة في أعماق الرذيلة والعهر . ابطالها ( الكركدن , وسلمان بن مديحة  الحفافة , وغيرهم على شاكلتهم المنحطة  ) أن  يحملون رشاشات بورسعيد , ويجيبون الطرق والشوارع , يجلبون الموت بحجة القضاء على الشيوعية والشيوعيين ( – لا نريد الشيوعية في محلتنا , هي كفر والحاد , قدموا البراءة من الدم الأحمر , نريدها قومية ناصرية . اسمعتم .. عبدالناصر حبيب الجماهير وحلم  عروبتنا المحتاجة إلى  الوحدة ) ص32 . لذلك اصبح الموت رخيصاً والحياة تافهة بالصراع الدموي , دفع  العراق الى هاوية الخراب وحمامات الدم , لكي يصاب الواقع بالخيبة والخذلان والانهزام . من عناصر شاذة ومنحطة تطوعت في ميليشيات ( الحرس القومي ) لكي تغطي على عهرها وشذوذها  وسمعتها السيئة في المجتمع   ( – أرقص سطل …. ارقص !!
 – ابن العاهرة .. أنت ليس اكثر من عاهر …  تقبض ثمن ما تقوم به !!
– تعال .. اقترب .. ممانعتك تغريني .. أحب النظر إليك  واشتهيك وانت ترقص !!
– سطل …. لولاك لكانت دنيانا هواء في شبك ….. لا اتصور الليل من دونك ….. ارق … صص ) 62 . وكانوا يتصيدون بنات الناس لغايات جنسية متوحشة ويبتزون الناس بحجة بأن ابنائهم شيوعيون ( – أبنك الشيوعي الكافر الذي يمجد الهالك الارعن ويحلم بدولة اشتراكية !! .
رد الاب بصوت تعالى رويداً كأنه يعلن عن بضاعة للبيع .
– من تقصد أبنك الشيوعي , عبدالكريم تربية يدي وانت تعرف من اكون والى من انتمي !!
– انا لا اعرف شيئاً وابنك مطلوب في المقر ) ص41 . هذه النوعيات الساقطة والمنحطة تصبح ابطال الإجرام السياسي  . مما خلقوا ضجة واحتجاج واسع في صفوف  الناس ,  في ممارساتهم اللاأخلاقية ( – لعنة الله عليكم وعلى حرسكم  القومي  , وعلى عبدالناصر  ووحدته … كيف نعيش وسط افعالكم المشينة ؟!! ) ص47 . ويستهزئون بالناس بسخرية فجة  بتهديد  مبطن  ( –  ولائكم لقاسم نعرفه … لا يمكنكم نسيانه زعيمكم الذي تنوح عليه نسائكم ليل نهار) ص39 . لقد مزقوا  جسد العراق طعناً ودماء , وتحويله الى غرفة تعذيب وتحقيق شبيهة بغرفة صالة العمليات ( لا أحد يقدر على تشخيص الشبه الرهيب بين صالة العمليات , وغرف التحقيق , المليئة بالآلات الغريبة  ,وغير الواضحة الملامح ؟ ) ص88 . و بغسل ادمغة الشباب بجرهم الى  الشعارات المزيفة والى صفوفهم  بأسم العروبة وناصر  , من أجل إشراكهم في العنف والإجرام ضد الناس  ( – أنت منا …. شاباً نشيطاً نطالبه أن يكون يقظاً حذراً من اقرب الناس اليه … رفيق كريم الامة العربية وقيادة عبدالناصر في خطر .. الاستعمار والصهيونية والخونة الاوغاد الذين يريدون هيمنة موسكو علينا , والرجعية .. الرجعية كريم هي البلوى ) ص137 .نصبوا المشانق وحولوا لعراق الى مسلخ للذبح من هذه الحثالات , كأن العروبة لا تأتي إلا بالدماء والشهوات الجنسية المبتذلة , وابطالها ابناء البغايا , ان يصبحوا مناضلين من اجل العروبة , لكنهم اصبحوا مسخرة الناس , بأنهم يمثلون الوجه السيء  والمظلم في شعاراتهم الزائفة , وفي صراخهم وضجيجهم وهذيانه  الغث بالغثيان   ( … دعك من هذا السافل الذي لا يجيد سوى الدناءات …. ابن بائعة الهوى في الصابونجية يريد تحقيق الوحدة العربية … تصور لملوم السفلة يسعى من أجل تحقيق حلم ناصر برشاشات بور سعيد , لا تعرف سوى الغدر ) ص155 .
 المتن الروائي قال  ويقول الكثير في الايغال في أعماق تلك الفترة الكالحة أو مثل ما يقال ازاح الغطاء عن (القدر ) , وبأسلوب روائي مدهش في الصياغة والرؤية الفكرية الرصينة , في نبش الخفايا والحقائق في تاريخ العراق السياسي لتكون شاهد عيان , في كشف اجرام  فرسان انقلاب شباط الاسود .