يوم الكَسْلَه :- حامد كعيد الجبوري

معلوم ان العيد هو يوم واحد سواء لعيد الفطر او عيد الأضحى، واغلب الدول الإسلامية والعربية أضافت لعيد الفطر يومان، ولعيد الأضحى ثلاثة أيام، والبعض من الدول الإسلامية تكتفي بيوم واحد للعيد.
هنا في العراق اعتاد الناس ان يكون عيدهم اكثر من ذلك كما أشرت، وفي اغلب المحافظات العراقية ومنها الحلة الفيحاء وخاصة نحن الأطفال الذين كنا ننتظر لحظة حلول العيد لما فيه من ملابس جديدة ولما فيه من مصروف إضافي يمنح لنا صبيحة العيد، ولما فيه من فرحة اللعب بتلك الوسائل البدائية، المراجيح التي تصنع من جذوع النخيل، ودواليب الهواء البسيطة، وامتطاء الحمير والبغال والخيول لمن تجاوز عمره العشر سنوات ، وكل ذلك لقاء مبالغ زهيدة جدا جدا، ولا ننسى الحلويات البدائية أيضا والمصنعة محليا دون رقابة صحية، الحلقوم، و ( چعموص الملك)، و ( ز…ب القاضي)، والشعر بنات، والمصقول، والكركري، وابو العسل، والحلاوة الدبسية، والحلاوة الشكرية، والعنبر ورد ، وغيرها، وكنا كأطفال حين ذاك لا نكتفي بثلاثة ايام لعيد الفطر، ولا أربعة أيام لعيد الأضحى، وكنا نضيف يوما – هكذا وجدناه – اخرا اطلق عليه ( الكسله) وأصبح عرفا مجتمعيا ، ولا اعرف كيف تم اختيار منطقة الطريق المؤدي لمقام نبي الله أيوب عليه السلام مكانا لتجمع صبيان الحلة وبناتها فيه، المكان لايزال قائما بمنطقة باب المشهد قريب لسجن الحلة القديم، وكان عبارة عن بساتين غناء، وسواقي ومجرى مياه تأتي من نهر فرات الحله، صيفا نستظل بشجر السدر وشجر التوت وشجر المشمش ، وشجر التين، واكيد تغيرت معالمه كثيرا الآن وأنشأت البيوت الحديثة على تلك البساتين العامرة ، وفيه أيضا مقر غرفة تجارة بابل الآن ، والغريب لاتزال التسمية باقية وليومنا هذا (نزلة العيد) ، مثلا حين تستأجر سيارة تقول له اريد الذهاب ل(نزلة العيد)، واغلب سواق السيارات يعرفون المكان ويوصل الزبون اليه.
في يوم الكسله نجد الصبيان موزعين بين المراجيح ودواليب الهواء، واذكر ان لعبة المرجوحة لها سعر فلسان – عملة نقدية عراقية أصغر منها فلس واحد لونهما احمر -، وكان صاحب المرجوحة يتقاضى المبلغ المذكور لقاء (١٥) هزه، والجميل ان الأطفال يحسبون، واحد، اثنان، ثلاثة، وبعض الاحيان يختلف العد فيمنح صاحب اللعبة هزات اضافية من عنده، وإن لم يختلف العد فيرفع الأطفال أصواتهم ( عمي جماله) فيضيف من عنده هزات أخرى. والشباب هناك يتحلقون وينشدون الاغاني التراثية بمصاحبة آلة عزف تصنع من أعواد القصب تسمى ( المطبك)، وكم هالني احد العازفين بذلك المطبك الذي لا ينقطع صوته نهائيا, بعد أن تعلم العازف فن العزف عليه بالشهيق والزفير بآن واحد ، والشباب حوله يمارسون لعبة الجوبي والذي تتخلله الاغاني الخاصة، ( ع الجوبي الجوبي الجوبي والحنه لاخت ثوبي)، وبعض الأطفال يركبون العربات الخشبية التي تجر بالحمير او الخيول، البعض من الأطفال يرددون اناشيد جماعية عفوية وكأنهم كورس، يقول الراحل المرحوم (لطيف بربن) سلطان الظرفاء وهو يرتدي العقال والكوفية، سمعت مجموعة من الأطفال وهم يرددون ( ابو عگال بطنه قبض دينار حاصر طي….زه)، يقول استوقفت عربة الأطفال وأعطيت لهم العيدية القليلة (فلس و فلسان) لكل واحد، وقلت لهم اريد ان اعلمكم اغنية جديدة لقاء هذه العيدية، وافق الأطفال على ذلك وقال لهم قولوا ( يبو اعگال لتهتم تره الأفندي قندره)، وسرعان ما تلاقفتها جموع الأطفال واصبحت انشودة رديفة للأنشودة الأولى.
حين كبرنا وتجاوزنا مرحلة الابتدائية لم تعد تلك الألعاب تستهوينا كثيرا، والجميع يعلم أن الحلة تعد بلدة متحضرة أنشأت فيها دور السينما الصيفي والشتوي، وأيام الأعياد تأتي للحلة مجاميع الشباب من محافظة كربلاء ومحافظة النجف والديوانية، وكانت دور السينما في بابل تتنافس بجلب الأفلام الحديثة والأكثر رواجا، فتزدحم دور العرض من الشباب الحلي وضيوفهم من المحافظات المجاورة، وآنذاك كان في الحلة اكثر من سينما ( سينما بابل وسينما الجمهورية وسينما الفرات الصيفي).
من المؤكد لا يتساوى أولاد الاغنياء مع أولاد الفقراء بملبسهم ، علما ان جميع الآباء يحرصون ان يشتروا لأولادهم الملابس الجديدة، الفقراء يشترون الدشاديش البسيطة الرخيصة الثمن، ويذهب بنا اباؤنا للخياطين الذين لم تكن لديهم آنذاك آلة قياس الطول او ما تسمى (اولچه)، فيقيس الخياط لنا قياس طول الدشداشة وطول اليد بكف يده، واغلب الأحيان تكون القياسات غير متقنة، وسعيد الحظ الطفل الذي يستلم دشداشته قبل حلول العيد، وبعد نهاية اخر يوم من كسلة العيد الصغير تستعيد أمهاتنا تلك الدشاديش الجديدة وتخزن للعيد الكبير عيد الأضحى، واجمل ما في ذلك الاهزوجة الجميلة التي ترددها الأم وهي تجمع من أولادها وبناتها تلك الدشاديش وهي تردد ( راح العيد وهلاله وكلمن رد على جلاله)، اما الاغنياء فلا تأخذ ملابسهم الجديدة وكنا نغبطهم وهم يأتون بها لصفوف الدراسة معنا.
تأريخ بسيط وألعاب وأغاني فطرية ضاعت بزحمة التمدن، زحمة التغيير والموبايل ووسائل التواصل حتى فقدنا أثر العيد ومتعة فرح الأطفال أيامنا الان.