البهلولية واللحظة الانفصالية- مراكش : مصطفى منيغ

المِحنة حالة لفقدان التوازن الفِكري والتطاول غير المدروس العواقب عبر خيال متهوِّرٍ لمَسْكِ الهواء ، واقتناء المشاكل كضرورة لمواصلة العيش وفق مستوى يؤدي عكس الواقع لمَضْغِ الماء ، وحلم أسود يفتقد الإنارة كلما ازدحم بمتابعي الأحداث الرَّهيبة فلا شيء فيه ينفع سوَى تصوُّر الإشارة الخارجة عن نطاق كل العقلاء . المِحنَة تدارُكٌ متأخِّرٌ لفحصِ أفعالٍ ترتَّب على إثرها تخبُّط الأضداد بحثاً عن خلاص يُعيدُ للتَّرتيب أهميته وليس الإقصاء ، الحياة موجودة للمُنَظِّمين السَّير معها وليس فوقها أو تحتها إذ لها من الإمكانات ما تنغِّص بها عقليات سابحات بلا عِلمٍ في الفضاء ، فلكل عالمه المُقيَّد باسمه ومستواه بلا قفز لإدراك البعيد كل البعد قصد ضمِّه بغير إرادة العلياء ، فأحياناً الصعود أسهل من النزول لمن سُمِح لهم بالارتقاء ، والغالب أنَّ الهبوطَ مصيره الاصطدام المتبوع بالتفتُّتِ جُزئيات موزَّعة عَبْرَ الأرجاء ، القريبة كالبعيدة المحدَّدة بمقياس العُلُوِّ الشاهق لمعاينة فوة الارتطام بحضور الخبراء .

… حتى الذباب ذكاؤهم يؤكد الاختيار السليم المحدود بمهمتهم الوحيدة غير القابلة لمن يمسها من الدخلاء ، نقل الجراثيم والإعلان عن التعفن والتجمع على الآسن وامتصاص قيح الجروح لتتطوَّر عِلَلُها ويتقوَّى التدَمُّر من الذين تركوا اختصاصهم ورحلوا لتنظيم متى وجدوا الدافع المادي أضخم لقاء . الذباب حاضر بكثافة يرفرف بأجنحته كمكيِّف هواء للمتربعين على منصة مشيَّدة على مستنقع تتصاعد منه روائح الإهمال تساعد جفون الشرفاء على البكاء ، وتلك محنة “القصر الكبير” الكُبرى دون حصرٍ أو مسحٍ أو إضافةٍ أو استثناء ، المدينة المتروكة في قارب بلا بحر ولا نهر  فوق موقع يزخر بالخيرات جمعاء ، تحتضن الفقر ظلما وتجوب أرضها مصائب المحن و بعض سماسرة النفاق الحاملين للاستفزاز المدفوع الأجر البطائق الخضراء.

قلتُ للإسرائيليين المجتمعين في مدينة كان الفرنسية ، أن مصر بمثابة الخط الأحمر ، أنصحكم بعدم الاقتراب منه حتى لا تندموا ، وإن كنتم لا تعترفون بالنَّدم إذ لا سيء تخسرونه . مصر دولة العرب من المحيط إلى الخليج ، إن سكتت بعض النظم المعروفة بعدائها للزعيم جمال عبد الناصر  فالشعوب لن تسكت ، وحتى لو انتصرتم عسكرياً عليها ، اعتبروا ذلك هزيمة ستعود غليكم بوابل من الأزمات المؤثرة وليست العابرة ، إن إلحاق الضرر بأكبر دولة العرب يمنح الدليل أنكم من أتباع دولة تتحكَّم بالقوَّة فيكم ، فد تتفرَّج عليكم وأنتم تُذبحون يوما ً ما، حتى إذا شعرت بالخطورة تزحف لتصفيتكم بأسوأ ما تتصورون تتدخَّل صورياً باستعراض العضلات . ثمة من ارتمى في خضن الولايات المتحدة الأمريكية ليظهر للعالم أنه قوي ، لكن التجربة أعطت الدلائل أن المعتمدَ على الَّنفس هو المنتصر دوما ، لستم في حاجة لإعادة ما جرى أيام فرعون الإعادة المعكوسة ، مادامت السباحة حالياً عكس التيار لا يغامر في تطبيقها إلا البائس أو اليائس ، وتذكروا أن مصر باقية إلى يوم النشور ، وإسرائيل ان اتبعت مثل السياسات المتهورة مصيرها سيكون مرفوقا ً بالزوال غير الطبيعي أصلاً ، أقولها وأمري لله ، وللبهلولية كلمة واحدة أوجهها لها : أنا قاصد بيتي في بروكسيل ، إن شاءت تبعتني وبمحض إرادتها وإلاَّ فهي أدري بقراري، وأغتنمها فرصة لأكد لكم أن هده اللحظة ، أعتبرها شاهدة عن ابتعادي عنكم ابتعاد السماء عن الأرض .

انصرفت بكل هدوء وسكينة تاركا ورائي عيونا جاخظة وعقولا مرتبكة وشللا ملحوظا لاتخاذ أي قرار لتصفيتي مباشرة أو الرضوخ للأمر الواقع إذ من خلفي أنصار لهم الوزن الثقيل داخل عمق إسرائيل ومنهم من يعرف هذا جيِّداً ويتقيد بما يرمز إليه ، إذ اليهود المغاربة لهم القوة الفكرية العلمية  والعددية من ورائهم دولة لم ولن تسقط جنسيتها عليهم ، ولهم فيها أصول وجذور لا يمكن أن يطالها النسيان أو يحذفها تعنت سياسيي آخر زمن  الآتي لا محالة بأفتك فِتن الفارزة أشدَّ مِحن .

مع أول خطوة خارج تلك الدار أمسكت بي بائعة العطور اليهودية الغرناطية صائحة في وجهي : لمن تتركني هنا وأنا من أجلك أتيت وأقسمت أن لا أعود لمدريد إلا وأنا منك وأنت مني .أجبتها : من حقِّكِ عليَّ ذلك ، إن كنتُ من أشدِّ المدافعين عن حقوق الإنسان.

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

aladalamm@yahoo.fr

https://assafir-mm.blogspot.com/