الجزائر وتقلب الدوائر / 2- سبتة : مصطفى مُمِيغْ

في الموعد المحدّدِ بيننا وجدَتني في انتظارها ، على رصيفٍ داخل ميناء سبتة معبراً عن مزيد فرحتي باستقبالها ، لم تتغيَّر كثيراً كأن الزَّمنَ تَحالفَ مع مُحَاها ، ليبقَى ناصِعَ الملامحِ مُنسَّقَ الجوانب الخفيَّة كالظاَّهرة منها ، بل أضافَ لجمالها جمال النُّضجِ ومعرفة ما لها وما عليها، كإنسانة جزائرية الانتساب تحيا جزءاً هاماً من نصيبها ، استرسالاً لارتباطٍ مشهودٍ جمعَ بيننا ذات يوم داخل القُطْرَيْن المتجاورين المحبوبين بالتساوي مِن طرفي وطرَفها ، وكأنِّي بالبارحة والمخابرات الجزائرية تطاردُني بواسطتها  ، داخل قطار يربط الجزائر العاصمة بوجدة عروس المغرب الشرقي  البهيَّة بهيْبَتِها ، لأسبابٍ ذَكرتُ اليَسيرَ منها سابقاً وما بَقِيَ أطول وأهمّ وأثقل مِن بقيَّة يُدين ناكري الجميل من سلطةٍ تنسى ظُلمَها ، لكن حُبَّ الوطنِ يترفَّعُ دَوماً عن غريب موقفها ، ممَّن اشتكت التضحية من خطورة تضحياتهم لعدالة التضحية الحَقَّة الحاكِمة بإضافة تضحياتهم النبيلة تلك لتضحياتها .

فاهت بما تريد وما سألتُها عمَّا أريد إذ غايتي غايتها ، قالت بخاطرٍ مستريحٍ ما أدركتُهُ من سنوات و ما خَطَرَ على بالها ، ولما تنبّهَت غيَّبني عناق اللِّقاء مع نفس الاشتياق الذي غَيَّبَها ، اعتَرَفَت أنها تمنَّت اللحظة وما سيعقبها لتكون البداية الثانية على الأقل من جانبها ، الجامعة بيننا لآخر فترات مآلها . قالت ومشروع ابتسامة تتلألأ بفرحٍ قادم بين شفتيها ، المشحونتين بتيار يغالب حياءها : – أنسيتَ الجزائر وذَهَبَت بك رياح اسبانيا المعبَّأة في قارورات عطر ياقوتة غرناطة خضراء العينين المطوَّق إحساسك جلَّه حتى الآن بعشقها ؟؟؟، أم سياسة الترقُّب عسى المياه تعود غزيرة لمجراها ، ساقية بين ضفتي “زوج بغال” حقول أشجار السلام وبُقُول الوئام بين جزائر خالية من مواقف ماضيها ، ومغرب مستعد قولاً وعملا ً للمساعدة المباشرة لإنزال حمولاتها ، حينما أثقل ما التزمَت به لعقودٍ مضت هباء حاضِرها ، ولم تجد مَخْرجاً يحافظ في الدرجة الأولى على دم وجهها ، ليس أمام التاريخ فمثل القضايا لا تاريخ يخلِّدها ، مجرَّد حديث شفوي يؤكد ولو بالانتشار المحدود حجم خطأ تولَّدت عنه خطايا التتابع والتقادم كَبَّرها ، فغدت قُرحة تًمَدَّدَ قيحها ، ليشمل الأساس في العلاقات يمزِّق شروط إقامتها ، بين يدي جسدِ المغرب العربي الكبير الحاملتين مفتاح التقدُّم لقارة افريقية بأكملها . أجبتها ورجلينا الحافيتين تلاطفان مُمَوِّجَات شَطٍّ لا يتوقف بحره عند خَطِّ سخافة حدود وهمية بين هذا الثَّغر المُحتلّ من طرف المملكة الاسبانية وصاحبته المملكة المغربية المقيَّد في ذات الموضوع (الشَّارح نفسه بنفسه) مِعصمها : – ما المطلوب مني ولستُ سوى كاتب أتلقَّى من مصادر داخل الجزائر  تضع فكري أمام أحداث الأخيرة وبعض حقائق من قضاياها ، المتصاعدة مع ظروف تتكامل فيما بينها لمَصِّ رَحِيقِ مستقبلها ، بنواة تتدحرج عبر الزمان تدفعها الأوهام للانقسام أو الانشطار أو انفجار زاحف اتجاهها ، من طرف من تربى وترعرع (وزيَّن صدره بنياشين سياسة التَّمَسْكُن لغاية التمَكُّن) بين أحضانها. المعرب من جهته حقَّق أغلبية رغباته بينما الجزائر فقدت ليس مجالا واحدا من مجالاتها ، بل حتى التفكير الأقوم لوِجْهَتِها ، صوب الشرق أو الغرب ما دامت الأسرار تتجوَّل حالياً بين الأجهزة المخابراتية الأكثر نجاحاً في العالم تقضي بابتعاد الجزائر عن التحكُّم المحكوم الجيِّد في مصيرها .

التمسُّكً بغلق الحدود مجرَّد خدمة مجانية تقدمها الجزائر للنظام المغربي لتقوية سياسته السلطوية الصارمة في كل مجالاتها ، مكوِّناً نفس الإغلاق مع حصار مشدَّد صادر عن احتلال “مليلية” ذاك الجدار الواقي لمصالح نفس النظام مهما كانت الغايات ومشتقاتها .(للمقال صلة)

مصطفى مُنِيغ

سفير السلام العالمي

aladalamm@yahoo.fr