يخشونه وهو خلف القضبان: منع عمران خان من خوض الانتخابات- نجاح محمد علي

في خطوة تعكس قوته وشعبيته الجارفة في باكستان التي تشهد تطورات سياسية مثيرة، تم منع زعيم حركة الإنصاف ورئيس الوزراء الذي أطيح به في انقلاب غير دستوري قادته أمريكا، عمران خان، من المشاركة في الانتخابات المقبلة.
وفيما يبدو أن الساحة السياسية تشهد تصاعداً في التوتر بين الحكومة والقضاء، يستعرض الزعيم المحبوس في زنزانته خياراته ورهاناته على النجاح في هذا السياق، مدعوماً بنزاهته، ومبادئه ، ودفاعه عن قضايا المسلمين العادلة ورفضه التطبيع مع الكيان الصهيوني.

في تسريب يبدو أنه جاء من داخل سجنه، أكد عمران خان على ثقته المطلقة بفوز حزبه في الانتخابات المقبلة، مشدداً على أن شعبية حزبه لا تزال تتزايد وتتعزز رغم التحديات . ويرى خان أن مستقبله يعتمد على عاملين رئيسيين: شعبية حزبه بين الجماهير والقوى المؤثرة، والقرارات القضائية التي يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في مستقبله السياسي.

وفي هذا السياق، تشير المؤشرات إلى سعي حثيث من الأطراف التي تخشاه ، الى تفكيك داخلي في حزب عمران خان، لايجاد انشقاق بعض الأجنحة بعد توزيع القيادة الهامة على مجموعات مختلفة. كما أثرت عمليات القمع التي تنتهك مباديء الديمقراطية وتتجاهلها واشنطن عمداً بحجة أن مايجري في باكستان شأن داخلي، على الكثير من القادة البارزين في الحزب، مما أدى إلى اندفاع بعضهم لتأسيس جماعات جديدة أو الانضمام إلى أحزاب سياسية أخرى بهدف البقاء خارج أروقة السجون.

في هذا السياق، تسعى الحكومة ومن ورائها المؤسسة العسكرية المدعومة من واشنطن، إلى ضرب حزب عمران خان من خلال اعتقال قادته وتعريضهم للمحاكمات العسكرية بتهم زائفة قبل موعد الانتخابات. ويعتمد هذا السيناريو على استغلال التدهور الأمني في بعض مناطق البلاد، وبالأخص في المناطق التي يحظى عمران خان بدعم قوي من السكان. وتسعى المؤسسة العسكرية أيضاً لجذب علماء الدين والقبائل لدعمها في ظل الأزمة الأمنية التي تعصف بالبلاد.

استراتيجية عمران خان
على الجانب الآخر، يلجأ حزب عمران خان إلى استراتيجية جديدة تتمثل في تجنب الخروج إلى الشارع وتجنب أي ردود فعل قوية على اعتقاله. تهدف هذه الاستراتيجية إلى إجهاض محاولات الحكومة افتعال أزمات أمنية حادة وتحميل عمران خانه وحزبه المسؤولية ، والحفاظ بالتالي على شعبية الحزب وقيادته حتى موعد الانتخابات.
ورغم أنه قد يبدو أن شعبية خان تزايدت أكثر ولم تتراجع رغم التحديات ، رغم أن ردود الفعل على اعتقاله في الخامس من الشهر الحالي بخلاف ما حدث في التاسع من شهر مايو/أيار الماضي، إلا أنه ما زال يحظى بدعم واسع من الشباب والجماهير، حيث تمثل ذلك في نجاح حزبه في الانتخابات الفرعية في منطقة ميترا.

يؤكد المحللون المستقلون في باكستان ممن لم يتأثر بحجم الدعاية المضادة والعدد الهائل من الاتهامات والملفات أمام المحاكم ضد عمران خان ، أن شعبية عمران خان، ما زالت قوية ومتزايدة. على الرغم من وجود انتقادات واستياء في الأوساط الشعبية تجاه الصعوبات التي يواجهها الزعيم، إلا أنه لم يقم بالخروج إلى الشارع لسببين رئيسيين . الأول هو توجيه حزبه توصيات لأنصاره بتجنب التجمعات العامة لتجنب تصاعد المضايقات والتوترات. الثاني هو تدهور الوضع الأمني في البلاد، خاصة في مناطق شمال غرب باكستان التي تعتبر معقلاً لشعبية عمران خان، وحيث تقوم المؤسسة العسكرية بجهود لتحريك القبائل وعلماء الدين ضده بسبب الأزمة الأمنية .

ويشير الخبراء العارفون بتضاريس الوضع المعقد في باكستان الى أن هناك تفاعلاً ضمنياً بين حزب عمران خان وأنصاره، حيث يمتنع الشباب الذين يؤيدونه بشدة عن المشاركة في التجمعات العامة أو التعبير علناً عن دعمهم له. هذا السكون يرتبط بتوصيات الحزب لهم لتجنب الاعتقال قبل موعد الانتخابات، خوفًا من تداعياتها. وعلى الجانب الآخر، تؤجل الحكومة الانتخابات بشكل متكرر بذرائع متعددة، وهو ما يشير إلى تخوفها من نجاح حزب عمران خان حتى في حال كان زعيمه خلف القضبان.

دعم متزايد
مع استمرار المضايقات الحكومية وتصعيدها ، يصرح الكثيرون لوسائل الاعلام المحلية والدولية عن دعمهم القوي لعمران خان، بسبب ما يقولون إنها قناعتهم بصدقية خطابه وأهدافه وزيف الاتهامات ضده .تكشف استطلاعات الرأي أن نسبة تأييد الشباب لعمران خان تبلغ 90%، ولكنهم يبقون خلف الكواليس حالياً ، بعيدين عن التظاهرات العلنية والتفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي . هذا الصمت ليس نتيجة تراجع في الدعم، وإنما توجيهات من حزب عمران خان نفسه ، الذي نصح شبابه بتجنب التصعيد العلني لتجنب المشاكل القانونية قبيل موعد الانتخابات، ذلك أن الحكومة تلجأ إلى تأجيل مواعيد الانتخابات بشكل متكرر، في محاولة واضحة للحيلولة دون انتصار حزب إنصاف، حتى في حال كان زعيمه خلف القضبان.
أما في ما يخص المؤسسة القضائية ، فهي تواجه تحديات تحكمها السياسة والتدخل الحكومي . حيث تمت تغييرات في مناصب القضاة في المحاكم المحلية، مما أثر على استقلالية القضاء. من بين هؤلاء القضاة، قاضي محكمة اسلام آباد، همايون دلاور، الذي أصدر حكماً بسجن عمران خان لمدة ثلاث سنوات. هذا الحكم التعسفي يعكس تدخل المؤسسة العسكرية، حيث أظهر دلاور إصراراً على الحكم حتى بعد التغييرات في جداول المحاكم. وبينما أن دلاور لم يكن ضمن القضاة المعنيين بالمشاركة في مؤتمر قضائي في جامعة هال في لندن، إلا أن اسمه تم إضافته في وقت لاحق وسافر مع عائلته إلى بريطانيا.

أفاد الخبير القانوني الباكستاني، محمد زاهد بأن الحكومة حاولت على مدى الأشهر الماضية إقناع المؤسسة القضائية، وتحديداً رئيس المحكمة العليا، القاضي عمر عطا بنديال، بعدم دعم عمران خان، ولكنها فشلت في ذلك. تبنت الحكومة سياسة التقسيم كاستراتيجية جديدة، ورغم فشلها في التأثير على المحكمة العليا، نجحت في تأثيرها على المحاكم المحلية ومحكمة إسلام آباد.
مع ذلك، لا تزال المحكمة العليا حرة من تأثيرات تلك السياسة، ويتوقع الخبير القانوني أنه عندما تصل قضية عمران خان إلى المحكمة العليا، ستظهر صورة جديدة تماماً. من الناحية القانونية، يجب إعادة النظر في قرار المحكمة المحلية من قبل محكمة إسلام آباد، وإذا قررت المحكمة نفس القرار، فإن الأمور ستنتقل إلى المحكمة العليا، وسيأخذ الملف منحى جديداً.
ويوضح محمد زاهد أن القاضي همايون دلاور من بين هؤلاء القضاة الذين تأثرت قراراتهم بهذه السياسة. ومع ذلك، لا تزال المحكمة العليا حرة من هذه التأثيرات.

• نجاح محمد علي صحفي استقصائي مستقل من العراق. خبير في الشؤون الايرانية والإقليمية
لمتابعته على تويتر @najahmalii