تدويل سرقة القرن… نكتة عراقية بنكهة ساخرة – الكاتب/سمير داود حنوش

ليس غريباً أن تجد في مجتمعنا من يقول لك “إن الفساد أصبح الهواء الذي نستنشقه” فإعلامنا المرئي يمكن أن يوفر للباحثين عن الفضائح خلاصات وافية عن الفساد والمفسدين يسردها سياسيو المنطقة الخضراء، رجال سلطة، وزراء سابقون، برلمانيون لتصل إلى نتيجة مفادها أن أبطال الفساد مُجرد أشباح غير مرئية أو أنه  حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة.

في بعض الأحيان أو في كثيرها نعذر أولئك الذين يصابون بحمى الإنفعال وكشف المستور في لحظات الصحوة، لكن سرعان ما يستعيد هؤلاء رشدهم لممارسة حياتهم بصورة طبيعية وكأن شيئاً لم يحدث.

تمعّنوا في حديث أدلى به نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق عام ٢٠١٣ عندما سُئل عن سبب إمتناعه كشف أسماء الفاسدين فأجاب “أخاف على العملية السياسية أن تنهار”.

لم ينتبه البعض لهذه الإجابة التي هي في حقيقتها فضيحة للسلطة وإنهيار أخلاقي للدولة فيما إذا إنكشفت عورتها، كانت من نتائج ذلك التعتيم وبعد شهرين من ذلك التصريح سقوط أكثر من ثلث مساحة العراق بيد تنظيم داعش الإرهابي.

لكن المفارقة إن النظام السياسي لم يسقط وظلت العملية السياسية تحافظ على معافاتها وتراوح في مكانها، وأسماء الفاسدين في أدراج مكتب المالكي لم يعلن عنها أو يحاكم عنها أحد، خلاصة حديث جعلت العراق يخسر كثيراً.

أُشفق كثيراً عمّن يشغلون أنفسهم بالتحليل وإستنتاجات وتوقعات ويعلنون حالات الطوارئ والتحذير من القادم الأسوء بسبب الفساد، والبعض الآخر ممن يبشرون بغدٍ أفضل ومستقبل واعد بمكافحة هذه الآفة وإسترجاع الأموال المنهوبة ضمن صفقة القرن التي خسر العراق فيها أكثر من (٢,٥) مليار دولار قيمة مبالغ إئتمانية لشركات ستضطره إلى مضاعفة تسديد المبلغ وتعويض المتضررين من الشركات المؤمنة من قوت العراقيين وخبزهم.

لايعلم هؤلاء السُذّج إن العراق خسر مئات الصفقات ممن هي على شاكلة صفقة القرن منذ عشرينيته المظلمة التي أدخلته إلى عالم الإحتلال.

نكتة ظريفة تمتزج بالسخافة وجدها أبطال سرقة القرن عندما سمعوا بمن يطالب بتدويل ملف قضية سرقة القرن، إقتنص أحد المتهمين المناسبة وهو رائد جوحي مدير مكتب رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي مُرحباً بالفكرة لأنها سوف تكشف الحقيقة للجميع.

كشف المستور من الفضيحة يعني كشف أسماء شخصيات وأحزاب وكتل سياسية ورجال أعمال وإعلاميون وشبكة من المتورطين الذين لازالوا حتى اللحظة ضمن دائرة العملية السياسية وربما يصل الأمر إلى دول إقليمية تشاركت في حصص سرقة القرن، فيما راح خيال البعض يسرح في إمكانية صدور مذكرة إعتقال بحق رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لإشتراكه أو تواطئه في الصفقة، متناسياً إن ذلك الصُراخ لا يعدو كونه زوبعة إعلامية أو فبركة لأغراض إنتخابية يصعب حتى تنفيذها لأن الكاظمي كان رئيساً لجهاز المخابرات العراقي ويمتلك من الملفات والأظابير ضد قيادات الفساد وزعاماته في النظام السياسي ما يحتفظ بها ليومه الأسود، والرجل لا يخفي إستعداده للمثول أمام القضاء والرأي العام الدولي لعرض كل الملفات وبسطها أمام الجميع فيما لو حلّ به المطاف إلى محاكمته.

ألف حكاية وحكاية، ومن سرقة إلى أخرى نسمعها ونشاهد أبطالها وكأنهم يشتموننا عندما نتحدث عنهم بسوء وما سرقة القرن التي حدثت في زمن حكومة الكاظمي إلا قطرة في بحر.

ألف مليار دولار نُهبت من العراقيين وقوتهم طول عشرين عاماً من الإحتلال والنهب.

تسمعون يومياً حديثاً يدور حول بيع البنك المركزي العراقي أكثر من مليار دولار إسبوعياً ضمن مزاد العملة لا يُعرف إلى أين تذهب أو تستقر؟.

التخادم المنفعي والمصلحي في العملية السياسية هو ما أراد نوري المالكي إيصاله لكل من يسأل عن عدم إنهيار العملية السياسية، لكن إلى متى سيبقى هيكل المعبد صامداً وهو يُنخر بآفة الفساد، نعتقد إن إنهياره لن يكون بعيداً.