رحلة شعرية عبر ألوان الذاكرة وأوجاع الهويّة- قراءة في قصيدة: ابحث عمن يقرأ فنجاني المكسور- خيري بوزاني

كاتب من كوردستان العراق
في قافية الألم والأمل، تتجلى قصيدة “ابحث عمن يقرأ فنجاني المكسور” للشاعر بدل رفو المزوري، كمعجزة أدبية تنبثق من أعماق الشوق والحنين. يستخدم الشاعر اللغة كأبزرار ذهبية تشيع أنواراً متلألئة على مساحات الذاكرة المضيئة.
يبدأ الشاعر رحلته الشعرية كمنسجمٍ يحاكي الزمن البائس ليختار مشاهد متنوعة تجرّنا ببراعة خلال مساحات ذكرياته الملونة. تنسجم العواطف مع المشاعر بسلاسة فائقة، تُلوِّن ريشته الشعرية بلون الشوق العميق لوطنه، حيث تستقر ذكريات طفولته وأيام ماضيه الجميلة كأزهار الربيع.
يجسّد الشاعر هذا المدى الشعري بلغة تزهو بجمالها وتنطلق بصور شعرية قوية تلتصق بأرواح القرّاء. يتجلى الاعتماد الوافر على التشبيهات والميتافور والصور البصرية في كل مقطوعة، مثل روائح النجوى والقهوة المكسورة ومدينة الزرقاء وأنهارها ومقاهيها، تلك الرموز التي تصرخ بلغة الحنين والشوق إلى الأرض الأم.
تتلوح أمامنا الرموز الثقافية والتاريخية كنجوم في سماء الشعر، مثل “اطفال الكورد” و”شريف العمادي” و”شارع النجفي”، تُثري القصيدة ببعد ثقافي وتاريخي يمزج بينهما الشاعر ببراعة. ينقلنا إيقاع الشاعر إلى عوالم موسيقية تعزز من الأجواء الشعرية وتجعلنا نعيش المشاعر العميقة التي يعبّر عنها.
تبيّن الأماكن والمواقف تأثيراً عميقاً على شخصية الشاعر، حيث ينزف في كل مشهد جزءاً من وجدانه وهويته في عالم معقد ومتغير. بشكل عام، تأتي هذه القصيدة كباقة من الزهور تعبر عن تجربة الانتماء والبحث عن الهوية في عالم متغير، وذلك بأسلوب شعري عميق ومفعم بالرمزية.
ببراعة فائقة، يرتقي الشاعر على جناحات الرموز ليخبرنا عن مشاعره وأفكاره، حيث يتسع عالمه الشعري ليضم كأس الشهد وبحثه عن خرائط بلاده الممزقة وصهوة خيوط الشمس. وتظل الصور البصرية القوية، مثل “شفشاون.. عاصمة الروح المغتربة” و”تتكسر النجوم على سلالمها البيضاء” و”سنبلة تتهالك في عنق زمن”، تلوح في ذهن القارئ، تعكس حيوية وروحانية هذه القصيدة في دهاليز الذاكرة وأرواح القرّاء.
نعم، ان هذه القصيدة ترسم صورة فنية لمشاعر عميقة وشغف لا يمكن كبته بوطنه وهويته. تستخدم اللغة والرموز بإتقان لتوصيل هذه المشاعر بطريقة جميلة ومؤثرة، حيث تتراقص كلماتها في أفق الأدب كنجوم لامعة في ليلة صافية.
النص:
ابحث عمن يقرأ فنجاني المكسور،
ويجوب في ذاكرتي،
ليحتسي الشهد من كأس
فيه عطر لعناوين تعبقني
بلغة أمي …!!
تركتُ دروب البكاء والوجع
لأبحث في عينيك..
عن خرائط بلادي الممزقة المشتتة..
عن صهوة خيوط الشمس..
ودمع جريح في انثيالات شوقي
للقيا اطفال الكورد!!
***    ***
في مقهى وركن في باريس..
مدينة الأنس والجن والملائكة،
ارتشفت كوب القهوة وجداً
ومطر يتفتت على نوافذ المقهى..
فأسرتني النجوى في احضان نوتردام!!
في شفشاون.. عاصمة الروح المغتربة..
طبع وشم الطفولة على قلبي
من جراحات الأزمنة ووهج التاريخ …!
ركضت وراء المدينة الزرقاء،
لتتكسر النجوم على سلالمها البيضاء،
وحجارتها من ظمأ المطر والشعر..
ولآلىء طيبة الفقراء.!!
***      ***
بحثت عنك في انهار الدموع والدنيا،
في الدانوب، والسين، ودجلة، والراين..
رأيتك في دروب العالم صوراً ممزقة
بقايا نزيف لجرح متقيح..
تغتسلين بأخبار وطن أرهقه اللصوص،
غدت مدنه خراباً تصطاد الوهم
ولاتتقن غير لغة الخضوع …!!
***     ***
رأيتك سنبلة تتهالك في عنق زمن،
في ارض تأودت باسم الوطن!
وبحثت عنك..
في قبو شاعر الحرية (شريف العمادي)
و(شارع النجفي)  اكتنفته الشكوى والدموع،
وما زلت ابحث عنك في مدن الدنيا..
واليوم..
ابحث عمن يقرأ فنجاني المكسور …!!