أضواء وتعقيبات حول محاضرة د. خزعل الماجدى عن الايزيدية  / ج1    – خالد علوكة

 

عقد في مقاطعة اولدنبورغ في المانيا محاضرة عن الايزيدية  بدعوة من البيت الإيزيدي في مدينة اولدنبورگ القى د.  خزعل الماجدي محاضرة  بعنوان (مكوّنات الديانة الايزدية من وجهة نظر علم الأديان) في يوم السبت المصادف 26 من شهر آب/2023م  وكان من ضمن الحضور نخبة من الكتاب والمثقفين الايزيدية .                                                                                      

 تكوّنت المحاضرة من ثلاثة أقسام ، ماهو علم الاديان ؟ ومكونات الاديان ، وتراث الايزيدية و كان القسم الأول منها بعنوان علم الاديان  وتصنيف الديانة الإيزيدية  ، وأشار المحاضر فيها الى

  الامور التالية:-                                                                                        

1- طبيعة البحوث والكتب التي صدرت عن الإيزيديين تسودها الفوضى والأوهام العارمة في ما كتُب عن تاريخ الإيزيديين وديانتهم.

اثرت هذه الكتب في مخاطر التعصب الديني والقومي والأيديولوجي على البحث العلمي. 2-

3- كارثة الاعتماد على المقاربات والتأويلات اللغوية في أسماء الآلهة والملائكة والأماكن وبناء نظريات وأفكار فوقها والأصول والشعوب.

4-  العودة لبعض الاسماء التى تجد في الايزيدية الى تراث وادي الرافدين والاغريق وهو منزلق للقراء والعوام ليصدقونها .

5-الفقر الحاد للدراسات الأكاديمية الرصينة والمعمقة وبحث دائب عن أدبهم وكتبهم  ومخطوطاتهم.. وآثارهم الحفرية التي تكاد تكون معدومة في مناطقهم.!!

وقد نشر على اليوتيوب 4 حلقات عن المحاضرة شاهدتها اكثر من مرة واذ ابدى بعض الاضواء والتعقيبات والملاحظات عن المحاضرة ليس الغرض منها مشاطرة الخزعلى في علمه وافكاره في مجال اختصاصه لانه صرح كبير وشاعر ومسرحي ومفكر ومؤرخ جيد للاديان والحضارات و له اكثر من ( 100) مائة كتاب ومؤلف اضافة الى المحاضرات وحلقات اليوتيوب. وكما انني قرأت للمؤرخ الخزعلي 7 كتب وهي :-  (كتاب علم الاديان – وكتاب انبياء سومريون – وبخور الالهة – وانجيل سومر- واديان ومعتقدات ماقبل التاريخ – وتاريخ الخليقة – وكتاب المعتقدات الكنعانية غيرها). ومن خلال قرائتي لكتبه السبعة هذه اخرج بمفعول ارائه واقواله منها فيما يتعلق بالايزيدية ، واطرح رأي وليس موقفا منه ولكن من خلال نصوصنا وبٌعدنا التاريخي واللغوي والجغرافي ، وعلى فكرة ان الديانة الايزيدية لها جذريين اساسيين : جذر شمالي له علاقة بالمثرائية وجذر جنوبي له علاقة بالبابليين والقريشين كما ذكر(المفكر شمدين باراني في كتابه حبات ذهبية ايزيدية) ، وباي حال فنحن نتحاور ونتبادل الافكار بوعي واطلاع على  مجريات وتاريخ الواقع الايزيدي الشائك .

 ولنبدأ من عنوان المحاضرة ونُعرف علم الاديان حسب ماورد في كتابه – علم الاديان – [ بانه نشأ في القرن 20والمصطلح ظهر في عام 1868م وهو علم دراسة علاقة الانسان بالمقدس وما ينتج عن ذلك من تراث شفاهي او مكتوب او معمول اذ يدرس العلم هذا التراث ويصل من خلاله الى وصف وتفسير الشعور الديني ]  – واقول – بانه من خلال هذا الافق والتحليل ممكن له مسك جزء من خيوط وعقل الفكر الايزيدى واستشفاف بيان اعماقه واُسس بقائه لليوم من {تراث شفاهي اومكتوب او معمول} كما في كتابه .. و”علم الاديان : مبحث وسط يقف بين التاريخ من جهة وبين علم النفس وعلم الاجتماع من جهة اخرى .                                                                 – ثم يذكر ثلاث انماط من الاديان من حيث طبيعتها الروحية :-

-1.ألاديان البدائية و2- اديان الشرق الاوسط   و3- اديان الاله ، وذكرها في كتابه بخور الالهه. وأتفق معه باعتبار الايزيدية من الاديان البدائية ، ونجد هذاعند الفرد الايزيدي بطبعه منهمك في التأمل والتفائل بمعتقده لنيل الخلاص  ومشغول بالعيش في عمله ضمن قيود محيط جماعته ، ونجد ايضا اهتمام الاديان البدائية بالطبيعة ومافيها من حيوانات وطيور ، ويقول د. فيليب عطية في ترجمته لكتاب ترانيم زرادشت (حياة البدائي تمر في ممارسة افعال بالمحاكاة مع اقرانه الكبار الذين تعلموها بدورهم ممن سبقوهم من الاباء يضمن بمطابقتها للانماط ويعتقد البدائي ان لهذه الانماط وجود واقعي قبل بدء الزمان ).

ويرى شميدت (ان الاديان البدائية لم تكن مُشرِكة بل كانت سماوية وبذلك يكون التوحيد اقدم نظام ديني) ولاوثنية  في الاديان البدائية وكما يقول ابن عربي – لابد انها كانت تعتقد باله – وقد نفضت الايزيدية عنها تعدد الاله بالاعتقاد بوحدة الوجود رغم وجود الخودانات اي الصاحب عندها   ونقرأ من كتابه بخور الالهة ص72 للماجدي  ( بان الشعوب البدائية تتمتع بقدرة خاصة قد تكون نوع من المَلكّة على صنع الاساطير وذلك لنظرتهم العامة الى الكون وايمانهم بحيوية الطبيعة).                                                                                                                                      

وفي رأي نجد ملامح هذا في الايزيدية  ومن خلال هذا التعريف لعلم الاديان لنقف على ماهية الديانة الايزيدية بما عندها من شفاهية وتراث يمكن التعويل عليه واعطاء فكرة اوضح عن الايزيدية دون الاعتماد على كتاب منحول مثل (مصحف ره ش) وقد لااتفق معه في قوله بان اسم المصحف هو كلمة اسلامية بدلا ان يقول عربية لغوياً !! فيما يقول (المفكر التونسي يوسف الصديق  في  لقائه مع قناة الحرة بان المصحف عمل انساني يختلف عن القرآن و اٌنتقد المصحف من قبل الصحابة ) .

وانا معه في الفقرة الاولى عن الفوضى العارمة فيما يخص الشأن الايزيدي وسببه على مايبدوا داخلي باطني بعدم الرد اكثر مما هو خارجي ورغم عنف الفرمانات التي تعرضوا لها وفشلت في تغيير معتقدهم ، والسبب الداخلى في هذه الفوضى هو ان الايزيدي لم يُدوّن لعدم تعلم القراءة والكتابة ليبقى له اساس ومصدر لغيره ، والايزيدية غير تبشيرية مما يعول عليه عدم نشر ماعندها للاخرين لفناء الحاجة الى كسبهم ، و بقاء دينهم باطني وسري حفاظا على وجودهم وماعندهم .علما لديهم نصوص شفاهية في علم الصدر اصبحت ركيزة في سنن حياتهم الدينية. وايضا اعتمدوا على علم الخرق وليس علم الورق كما لدى الاخرين .ولا رغبة في كتاب لهم كبقية اديان الشرائع ويقوم مقام كتابهم تربية الشيخ والبير والمربي في تلقينهم منذ الولادة ومسك البسك اي قص شعر الطفل الى يوم الوفاة والدفن بغسله واعطائه – البرات – التربة المقدسة   .

واكثرمن كتب على الايزيدية كانوا يخضعون لدينهم او اجندتهم الخاصة والتي ترفع معتقدهم وتعتبر الاخرين ضالين. وهذه اجابة للفقرة الثانية اعلاه .

وعن الفقرة الثالثة نقول [إن كارثة الاعتماد على المقاربات والتأويلات اللغوية ] لم يأخذها الخزعلي عن محمل الواقع فان اي بحث عن قوم او جماعة لابد يفتش الباحث عن عادات وتقاليد وطقوس حياتهم اليومية وموسيقاهم واسمائهم ليبني عليها فكرة وجودهم كمكون بشري، اضافة ماعندهم من بعد لغوي لدلالة اسمائهم القديمة ولغة دينهم الخاصة ، ونفسه الماجدي نجد في احدى كتبه [ وذكر عراقيون قدماء اعتقدوا انه لاوجود لشئ دون ان يكون له اسم ] ونجد كثير مقاربات للايزيدية مع قديم التاريخ منها عيد سرسال رأس السنة الايزيدية مع وجود كثير عشائر قديمة لاتزال مثل (الخالتية والحورية او الهويرية والدنا والهكارية والدوملية والسموقان وجودهم عريق  )  ولاتزال اسما ء افراد الايزيدية من التاريخ السومري والبابلي ومن هذه الاسماء ( ممو وكنجو وزيور وشمو وشمي ونعامي قد لانجدها عند غيرهم. ولغويا يذكر الماجدي [ بان اللغة الايزيدية تشبه حروفها الحرف السرياني  ويصف ملوك الايزيدية بانهم ملوك ساسانيين ويذكر منهم نسروخ ! ].

 ويقول الماجدي [ لاربط بين الايزيدية والزرادشتية ] وهذا جيد ، وفي حلقة السؤال والجواب نفى ربط الايزيدية بالساسانية !!ويبدوا اخذ هذه من كتاب مصحف ره ش المنحول! فيما يقول [ بان اكثر من ستة اديان وجدت زمن الساسانيين وهي التي صعبت انتشار الزرادشتية في العراق من هذه الاديان الايزيدية والمانوية والمندائية وغيرها !! ].

وعن الفقرة الرابعة فيما يخص فقر الدراسات الاكاديمية عن كتبهم وادبهم واثارهم الحفرية : اقول مشكلة الايزيدية هي عدم الكشف عن معتقدهم الخاص بهم ولو في وقت متأخر نشرت نصوصهم الدينية (الاقوال المقدسة) والتي تعتبر سِنة واساس بقاء معتقدهم لليوم وهي كتابهم  بها تقام الطقوس والعادات بشكل ادبي منسق ودونت في كتب للدكتور خليل جندي بعنوان ( صفحات من الادب الديني الايزيدي / جزئين ) وباللغة الكوردية بعد جمعها من مصادرها الخاصة . اما اثارهم الحفرية ضاعت من حيث فقدان مئاة الآلاف من افراد المكون الايزيديين وابيدت مدنهم وقراهم عن بكرة ابيها واعتبروا كفرة وثنيين وغيرها من افعال رفض الآخر نهائيا . وكما اي اثر من الحفريات التراثية يعتبرعند الغير دليل وثني او صنم . وآخر نهب للاثار الايزيدية زمن المقبور الفريق عمر وهبي عام 1892م

وقد تجنب الحديث عن اصول الايزيدية ويقول [هذا موضوع طويل ويحتاج الى محاضرة كاملة] . ربما تجنب الغوص في مجهوله عن بواطن الديانة الايزيدية لعدم كفاية الادلة لديه مقارنة مع حديثة عن اي دين آخر في الكون تتوفرلديه شريعة خاصة تقرلها بدين خاص من يدخله يسهل عليه دخول الجنه !! بينما الايزيدية تعتبر القيم الانسانية قيم كونية لعامة الناس ومنه نجد فيها كثير مزايا موجودة في اديان اخرى.. واضافة الى عدم زيارة الماجدي  لمعبد لالش ليرى عياناً الواقع وطبيعة الطقوس والعادات الايزيدية  .. وذكر الماجدي [بانه ربما لسنة او سنتين اعمل في تأليف كتاب عن الايزيدية !!؟]  وهي مدة طويلة جداً .

ومن جانب آخر يقول في المحاضرة [ انه أتخذ حيادية البحث عن ألديانة الايزيدية وتجنب المبالغات الدينية والقومية لهم ولخصومهم ولا تنصدموا من المعلومات لاني لاأجنح مع الجانحين ولا مع العواطف بل بواقعية !! ].وله حساباته ولنا أحقية وجودنا الابدي وبُعدنا التاريخي ولن ننصدم بما يذكره او ذكره فله وجهة نظر مُقدرة باي حال سلبا كانت ام ايجابا.ولايمكن انصاف او التضحية بهم كمكون صغير وقديم على حساب واقع اديان ومعتقدات اخرى كبيرة حجزت الدنيا لها بشريعتها والاخرة لمن يتبعها فحسب .

وعن تعريفه للايزيدية يقول [ ديانة قديمة مغلقة غير تبشيرية لغتها ايزيدية شفاهية غير مدونة بدأت بالمثرائية ثم الهرمسية ، هرمسية شرقية ثم مسيحية منها وغنوصية ثم تكيفت مع الاسلام بالصوفية وعبرت عن نفسها باللغة العربية ثم اللغة الكوردية  ] وفي [فقرة الاسئلة والاجوبة لم يربط وجود الديانة الايزيدية بهذه االاتجاهات !! ] وربما مرت الايزيدية بكثير تلون مراحلها، لكن اليوم ماهو الاسم الذي تحمله لا نجد غير (الايزيدية) وظلت مستقلة كما هي بعقيدتها ونفضت غبار كثير تاثر بالغير ا ومن ثم يقول الماجدي [ مكان نشوئها في بلاد الرافدين وايران من خلال هيمنة الدولة الساسانية ثم المسيحية ثم الاسلام ]  لابأس فيما يقول كمؤرخ لكن بقائها واكثر رسوخها كمكان مقدس وشعب هو في بلاد الرافدين اي العراق وتركيا ومنتشرة في عدة دول لكن بَعد الزحف الاسلامي قلص وجودها كحال المسيحية واليهودية والزرادشتية وبقيت في شمال العراق الجغرافي مستفيدة من لغتها غير العربية  ووعورة الوديان وكهوف الجبال .

ثم ينتقل الخزعلي الى منهج علم الاديان [ له مكونات اساسية وثانوية و مكونات الاديان الاساسية وهي اربعة من 1- المعتقد و2- الاسطورة – و3 – الطقس  –واضاف لها 4 – سماها الاخرويات ، والثانوية هي الشرائع والاخلاق ].  وهي مكونات اساس وجود كل دين ، والايزيدية نجد في معتقدها مكونات هذه الشروط بحذافيرها .

ويعرف الماجدي 1- المعتقد في كتابه ( اديان ومعتقدات ماقبل التاريخ ) بانه [ المقدس وجوهر كل دين ] . و المعتقد الايزيدى راسخ في ايمان مطلق لاحدود له بالله اضافة كون الخير والشر من مصدر واحد وبهذا الرسوخ بقيت الايزيدية تقاوم سطوة الاديان الكبيرة وهي بينهم باقية و تحت كنف قوتهم.

= له تابع جزء/ 2

ديسمبر/2023م 

One Comment on “أضواء وتعقيبات حول محاضرة د. خزعل الماجدى عن الايزيدية  / ج1    – خالد علوكة”

Comments are closed.