من يقود طرفي الحراك الكوردي في غرب كوردستان – د. محمود عباس

 

على الأرجح تم تعيين الدكتور (محمود دحام عبد العزيز المسلط) أبن أخ (سالم عبد العزيز المسلط) رئيساً مشتركاً لمجلس سوريا الديمقراطية (المجلس التشريعي للإدارة الذاتية، أو ما سمي بشمال شرق سوريا في العقد الاجتماعي) بإملاءات أمريكية، ولغايات عدة منها:

1-    محاولة أمريكية لإقناع تركيا، بإيقاف القصف على غرب كوردستان، ولربما كرسالة لفتح باب الحوار بينها وبين الإدارة الذاتية. مخطط سياسي متشعب الدروب، لا يستبعد أن من عمل عليها هم السياسيون الأمريكيون الذين يعملون في منطقة الإدارة الذاتية.

2-    إقناع المكون العربي، وخاصة عشيرة الجبور المعروفة بتغلغل البعث بينهم بشكل واسع، وانضمام شرائح واسعة منهم إلى داعش في مرحلة صعودها مثلهم مثل بعض العشائر العربية المتواجدة في منطقة دير الزور.

3-    محاولة إقناع المكون العربي على أن الإدارة الذاتية تطبق إيديولوجية الأمة الديمقراطية. هذه المفاهيم والتي هي بشكل عام منهجية إيجابية مع لكن، وغيرها من الأعمال كهذا التعيين من الطفرات الغريبة لقادة الإدارة الذاتية.

كلا الشخصيتين يتعاملون مع القوة التي تعمل خلف الستارة، وتتحكم بالخط الإستراتيجي العام لطرفي الاستقطاب الحزبي الكوردي، وتدير المسيرة الحزبية الكوردية المشتتة، بأساليب دبلوماسية وسياسية حديثة ودقيقة، ومن غير المعقول أن الحراك الحزبي لا تدرك ما تجول على الساحة.

ما أقوله لا تعني الطعن في وطنيتهم، ولا في مصداقيتهم، فهما من عائلة آل المسلط المعروفة في الجزيرة، رؤساء عشيرة الجبور، التي ظهرت في المنطقة الكوردية بعد خسارتها مع العشائر العربية الأخرى أمام عشيرة عنزة (آل السعود) بعد معارك حائل ما بين عامي 1895-1921م، وفي عام 1936 تم انتخاب أحد أعمامهم من العشيرة (علي الزوبع) نائبا عنهم في البرلمان السوري. وما نعرضه مع التساؤلات هي قراءة وتحليل للواقع السياسي-الدبلوماسي الجاري، نوجهها لحراكنا الكوردي قبل الشعب حول ما يجري في جسم حراكنا الكوردي الذين يتم التلاعب بهم كأحزاب متضاربة، وستستمر فيما لو لم تتحالف وتخلق القوة المتمكنة للمواجهة على البنية السياسية بعيدا عن الخلافات الحزبية، والذي بإمكانهم على أسسها أن يتعاملوا حتى مع الأعداء ولو بطرق ملتوية، ويكون لهم استقلالية قرار التعامل بالمثل بعد الاتفاق الداخلي.

الدكتور محمود المسلط، تم تعيينه مع السيدة (ليلى قره مان) رئيسا لمجلس سوريا الديمقراطية، أي السلطة التشريعية، فهو أكاديمي يحمل الدكتوراه ويقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، ظهوره على الساحة السياسية بين المعارضة كان نادرا، لكن يقال أنه شخصية معتبرة. الـ ب ي د، وقيادة الإدارة الذاتية، يعلمون ماذا يعني هذا التعيين لغرب كوردستان والمناطق الأخرى التابعة للإدارة الذاتية، وما مدى العلاقات بينه وبين النظام التركي.

فهل هو قبول لإملاءات تركية عن طريق أمريكا؟

وهل حقا لم تكن هناك شخصية أخرى من داخل الوطن على مستوى إدارة هذا المنصب؟

إذا كانت أمريكا هي التي جاءت به، يظهر السؤال، من الذي طرحه عليهم، ولماذا عينته الإدارة الذاتية؟

وهل هناك أيادي خفية تركية أقنعت أمريكا لفرضه على الإدارة الذاتية؟ وقد بدأت الشكوك تنتشر مع ظهور صورته مع أردوغان، ووصفه له على خلفية استقباله للمهاجرين السوريين، وذلك على صفحات التواصل الاجتماعي، وتعني ذلك أن له ارتباطات سياسية أو شخصية مع تركيا والمعارضة إن كانت شخصية أو عن طريق عمه سالم المسلط.

والسؤال الأهم، هل هذا التعيين هي بداية خطة أمريكية أوسع وأبعد من الذي نوهنا إليهم في هذا التعيين؟ وهل حقا تخطط أمريكا كقيادة الإدارة الذاتية بأنها ترسم لقادم سوريا، كما تعكسه أسم المجلس؟

وعمه (سالم عبد العزيز المسلط) كان رئيس الائتلاف الوطني السوري، للدورة قبل الماضية، ولمدة سنتين، وهو أفضل من قاد هذه المنظمة، التي تحتضن المجلس الوطني الكوردي، وهي من أحد أدوات تركيا التي يتم استخدامها لضرب القضية الكوردية في سوريا، وهي تتعامل مع المجلس كتابع وتعرضها كواجهة أمام القوى الخارجية لإظهار ذاتها على أنها منظمة معارضة تتكون من جميع مكونات سوريا، وهناك من يستفيد من ضمن المجلس من هذا الوجود ذاتيا في السنوات الأخيرة ويريدون ديمومتها على هذا النحو؛ والكل يعلم مكانة المجلس في الائتلاف، خاصة من هم داخل المجلس، لكنهم يفضلون الصمت ولأسباب لم تعد مخفية على أحد، بعدما كان المجلس جزء مهم من المعارضة، وتقبله نصف الشارع الكوردي في البدايات كممثل عنهم، ولعب دور في تعويم الائتلاف إلى أن بلغت مرحلة أصبحت بعدها تعامله كتكملة عدد، ولم تعد، وبعد احتلال عفرين، العلاقة كحليف أو قوة ذات أهمية ضمنها.

الشخصيتين، وبشكل غير مباشر يمثلان طرفي الاستقطاب الحزبي الكوردي في بعض المجالات السياسية والدبلوماسية، لهم علاقات مع حكومة أردوغان، لذا نرجو من الطرفي الحزبيين ألا يتباهوا بأنهم يناهضون المحتل التركي في غرب كوردستان. وليتهم (المجلس الوطني الكوردي والـ ب ي د والإدارة الذاتية) يمارسون السياسة ليتمكنوا من إقامة علاقات دبلوماسية مع تركيا والدول الإقليمية الأخرى، وإن تم فهي حالة إيجابية متقدمة وستعكس السوية السياسية المعتبرة، وسنثمنها فيما لو جرت بدون الرضوخ للإملاءات. لو تمكنوا من تطبيقها، أي مارسوا السياسة بالفعل، لتوصلوا لاتفاق ما بين بعضهم على القضايا الوطنية والقومية.

نتحدث عن سلبيات تشتت الحراك الكوردي والمؤدية إلى ضعفهم أمام القوى التي تملي عليهم شروطها من خلف الستارة، وتضع لهم الخطوط العريضة، والتي تمنع تقاطع دروبهما، وعن القوى التي تحكمت بشكل ما في الحوارات الماضية، إما مباشرة أو على مراحل مررت من خلال القوى الكوردستانية، والتي ظهرت وكأنهم فعلا لم يتفقا للاختلاف في المنهجية والإيديولوجية الفكرية، وعلى أن المجلس الوطني الكوردي يمثل الشارع الكوردي، وقوى الإدارة الذاتية، والتي خلقت مسد، تمثل سوريا القادمة.

ليس بخفي وكما نوهنا، أن القوى الإقليمية تركيا وإيران والكبرى أمريكا تحديدا هي المعنية في العنوان، مع بعض دول التحالف كفرنسا، وهنا نؤكد؛ بأنه لا تعني أن العلاقات الدولية هذه ناقصة أو حالة سلبية، بل إيجابية في حال لم يكن هناك الرضوخ للإملاءات، وإن كانت؛ بشرط أن تكون مقابل تقاطع بين المصالح، أي مجارات مع المصلحة الكوردية الوطنية والقومية، ونأمل أن تتوسع العلاقات وتبنى على أسس سياسية متينة، لكنها ستكون كارثية فيما لو استمر الطرفان الحزبيان المفروضان على الحراك، على خلافاتهما وفي الصراع الداخلي، وغير قادرة على إثبات الذات، وظلت دون الإمكانيات الكافية في تحرير ذاتها للتعامل في المجالين السياسي والدبلوماسي مع القوى الإقليمية.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

21/12/2023م