هل يتحمل المهاجرون المسلمون ثمن التطرف ؟- كامل سلمان

الغالبية العظمى من المسلمين المهاجرين إلى دول العالم الغربي يجدون صعوبة في التأقلم مع حياة المجتمع الغربي بسبب العادات والتقاليد والتربية الدينية ، لذلك نجدهم يعيشون شبه معزولين عن عادات وتقاليد المجتمعات التي هاجروا إليها ولا يستطيعون الاندماج بشكل كبير مع تلك المجتمعات حالهم حال معظم الجاليات من مختلف دول العالم التي هاجرت إلى الدول الغربية . الانعزال والتمسك بالعادات والتقاليد التي جلبوها معهم أدت إلى خلق هوة كبيرة مع المجتمعات الجديدة مما أدى إلى جعل المجتمعات الغربية تعيش ثقافات متعددة ومتناقضة بنفس الوقت ، مثل هذا التناقض سيؤدي بالتأكيد إلى تنامي الشعور العنصري عند بعض ابناء الوطن الأصليين الذين بدأوا يرفضون وجود ثقافات دخيلة داخل مجتمعاتهم .. المجتمعات الغربية كادت أن تتنظف نهائياً من العنصرية وخاصة بعد معاناة الحربين العالميتين الاولى والثانية ، لكن هذا الكم الهائل من المهاجرين في العقدين الأخيرين مع غزو ثقافي غير متجانس مع الحضارة الغربية من قبل هؤلاء المهاجرين أدت لطفح العنصرية مرة ثانية بعد أن أوشكت تماماً على الاختفاء عند تلك المجتمعات الغربية وازداد هذا الشعور حدة مع ظهور التطرف والإرهاب عند بعض القادمين اليها . قد تكون المجتمعات الغربية في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا غير مبالية بثقافة المهاجرين اليها لإنها بالاساس هي مجتمعات متنوعة الثقافات ومعظم سكانها بالاساس هم من المهاجرين ، اما المجتمعات الاوربية تختلف تماماً بسبب أن المهاجرين داخل هذه المجتمعات حتى نهاية القرن الماضي كانت أعدادهم محدودة جداً ، حتى ان سكان دول الشطر الشمالي من اوربا لم يك لهم أية تجربة مع المهاجرين الآسيوين والأفارقة وسكان مناطق الشرق الأوسط ، فكانت تجربة محفوفة بالمخاطر ، ، المسلمون أكثر المهاجرين رفضاً وتحدياً لعادات المجتمعات التي هاجروا اليها ، وقد أثبتت أحداث غزة مدى البون الشاسع بين ثقافة المهاجرين وثقافة تلك المجتمعات ، فبدأت الأصوات تتعالى من داخل المجتمعات الغربية بضرورة التخلص من الثقافات الدخيلة ويقصدون بها الثقافات الإسلامية تحديداً أو تحجيمها بأضعف الإيمان ، لأن الجاليات غير الإسلامية المهاجرة إلى الغرب من آسيويين ولاتينيين وأفارقة أيضاً لها ثقافاتها وعاداتها لكنها لا تتحدى ثقافات البلدان الأصلية بالرغم من تمسكها بثقافاتها الأصلية بينما الغالبية من المهاجرين المسلمين في صراع مع سكان الأوطان الأصليين لتوطين ثقافتهم التي هم بالأساس هربوا منها وقدموا إلى الدول الغربية ، ما يحدث في الدول الإسلامية من احداث وصراعات تنعكس بسرعة البرق عند المهاجرين العرب والمسلمين عموماً متوهمين بأن الديمقراطية ستساعدهم في بسط ثقافتهم على تلك المجتمعات التي استقبلتهم ، هذا الاستنتاج الخاطىء مع تراكم الاخطاء التصاعدية وزيادة الاحتقان عند شعوب المجتمعات الغربية وصعود التيارات اليمينية المتطرفة إلى سدة الحكم في الدول الغربية ستولد في النهاية ردة فعل قد تكون عكسية ومؤلمة .. معظم حركات التطرف الإسلامي تؤمن بالعنف ، هذه حقيقة ثابتة وللأسف الشديد تتعاطف معها طبقات واسعة من العرب والمسلمين وخاصة المقيمين في بلاد المهجر ، وهذه سابقة خطيرة يجب الانتباه لها . المهاجر لا يحق له تجاوز ثقافات وعادات المجتمعات التي آوته لإنه جاءها متوسلاً الأمان وحفظ الكرامة ، فلا ينبغي أن ينسى اسباب هجرته ، عليه ان يجعل عواطفه وخاصة الدينية تخضع لواقع العقل ولا تتقاطع مع المجتمعات التي احتضنته لا أن يكون نداً لها . نحن الآن مقبلون على أحداث كبيرة ستعصف بالشرق الأوسط ، التطرف والإرهاب والتخلف كلها أصبحت اليوم ظاهرة شرق أوسطية بل هي ظاهرة الإسلام السياسي فأصبحت تتقارب الصفوف وتتحدى الحضارة والإنسانية ، الحضارة والإنسانية والغرب كلهم يقفون في الصف المقابل ، فعلى كل مسلم أو عربي مقيم في بلاد المهجر أن يحدد عواطفه وولاءه وإنتماءه للأرض والوطن والمجتمعات التي آوته ونصرته وأكرمته ، لا أن يعيش وسط تلك المجتمعات وهو مشحون بمواقف التيارات المتشددة في الوطن الأم ، ولا ينسى الساعات العصيبة التي دفعته للهرب من وطنه ومجتمعه وجعلته يخرج في ليلة ظلماء تاركاً كل موروثاته في بلد المنشأ للنجاة بنفسه وعائلته أو على الاقل لا يكون سكيناً في خاصرة المجتمعات التي يقيم معها . الحكومات والشعوب الغربية عيونهم مفتحة ويستطيعون رصد كل صغيرة وكبيرة ، أخشى اليوم الذي تشعر فيه الجاليات العربية والإسلامية بالندم الشديد ولكن بعد فوات الأوان على نكرانهم للجميل الذي يحلم به ليس الملايين بل المليارات من سكان الكرة الأرضية . ليس من الإنصاف خلق المتاعب لتلك المجتمعات التي رحبت بإقامتهم في أراضيهم ، فتلك المجتمعات قد عاشت ظروف وأزمنة أسوأ من ظروف مجتمعاتنا حالياً وعرفوا كيف يتخلصوا منها ، فهم غير راغبين في العودة إلى الماضي المر الذي أسموه بالقرون المظلمة ، هذه الحقيقة يجب أن يدركها جميع المقيمين في الدول الغربية ولا يراهنون على الخطأ لأن ثمن ذلك الخطأ سيكون كارثياً عليهم وأقصد العرب والمسلمين واجب عليهم أن يعيشوا أحراراً مع هذه النعمة التي حاباهم الله بها وينسلخوا من مساوىء ماضيهم المر كما أنسلخت تلك المجتمعات التي لجأوا إليها ، وليتذكروا بأن الحياة أحياناً لا تمنح الإنسان اكثر من فرصة ، وليكونوا جسوراً لتلاقي الثقافات الإنسانية العريقة بدل أن يكونوا سبباً للتنافر والكراهية .