الولاء للوطن والولاء للمعتقد- كامل سلمان

الولاء للوطن والولاء للمعتقد عندما يلتقيان فإنهما يكملان بعضهما الآخر ويصبحان قوة في شخصية المواطن ، تصنعان منه الإنسان المتكامل في عطاءه وتصنعان المجتمع الناجح ، معظم المجتمعات الصحيحة تجد فيها تلاقي حب الوطن وحب المعتقد ، ولكن إذا إفترقا أو إذا تضادا فهذا يعني بان المعتقد فيه خلل ، وحتماً لا يمثل هذا المعتقد الناس الطيبين من ابناء الوطن وهو بالتأكيد نابع من خارج حدود الوطن ، ولا يمكن أن يفترقا إلا أن يكون المعتقد دخيل على جسد الوطن ، وافتراقهما ينتج عنه صراعات دموية وفوضى وظلم وفساد مجتمعي كبير . . . متى يفترقان ؟ يفترقان عندما تستوجب استمرارية المعتقد وديمومته الصعود على أكتاف الوطن وإخضاعه له . نأخذ أولاً معنى الولاء للوطن ، الولاء للوطن يعني الحب والولاء للناس الذين يعيشون داخل الوطن بغض النظر عن انتماءاتهم وعقائدهم الدينية والمجتمعية الموروثة ، بينما الولاء للمعتقد يعني الحب والولاء فقط للناس الذين يحملون نفس المعتقد أينما كانوا ، خلال العقود الأخيرة عشنا ظاهرة الولاء للمعتقد الذي لا يلتقي مع الولاء للوطن في ثلاثة حالات ، الشيوعيون عندما كانوا يوالون الفكر الشيوعي وجدوا أنفسهم في حب وولاء لمنبع الشيوعية وهي دولة الأتحاد السوفياتي ، فأصبح الاتحاد السوفياتي رب الشيوعيين ومثالهم الأعلى ، أغانيهم وأحاديثهم وأدبياتهم لا تخلوا من رموز الشيوعية في العالم ولا تخلوا من ذكر الاتحاد السوفياتي وكل شيء يصدر من الاتحاد السوفيتي فيه الجمال والكمال حتى لو كان سيئاً فالولاء والحب كفيل بأن يظهره جميلا ، ولو كنا قريبين جغرافياً من الاتحاد السوفياتي لأصبحنا جزء لا يتجزأ من تلك الدولة العظمى وقتها . البعثيون كانوا يتغنون بالولاء القومي العربي حتى أصبح المواطن العربي إله بالنسبة للبعثي ، فكل الأولويات والتفضيل للعرب ، حتى خيرات الوطن ونفط الوطن يخضع لشعار نفط العرب للعرب ، ولكن بسبب تشتت وضعف العرب لم يصبح الوطن جزءاً خاضعاً للدول العربية . الاحزاب الدينية الشيعية أعلنت ولاءها للمعتقد المذهبي الذي وراءه دولة كبيرة هي إيران فأصبح أصحاب هذا المعتقد تحت ولاء مطلق لإيران ، وبسبب الولاء لإيران كان لابد ان يصبح كل شيء في الوطن في خدمة إيران ، وكل يوم يمر يصبح الوطن جزء لا يتحزأ من إيران . الاخوان المسلمون ارادوا من مصر ان تصبح جزءاً من تركيا لأن الفكر الاخواني نابع ومستقر في تركيا مهد الحركات الدينية السنية ، بينما لو نظرنا إلى المعتقد عند الأحزاب الكوردية سنلاحظ هناك أرتباط كبير لهذه الأحزاب بأرض كوردستان مما جعل المواطن الكوردي يبني وطنه ويوالي تربته ويبدع في عمله وإنتاجه وليس هناك شي في ذهن المواطن الكوردي فوق كوردستان ، ولنا في الصين الشعبية مثالاً آخراً أكثر من رائع ، وذلك عندما تأثر الزعيم الصيني ماوتسي تونغ بالشيوعية وأعتنق أفكارها ، لم يسمح لشعبه بالإنقياد نحو الشيوعية وأعتبرها عقيدة مستوردة ، فقرر أن تكون هناك شيوعية خاصة بالصين أسماها فيما بعد بالشيوعية الماوية لأنه لم يك يقبل بالخضوع العقائدي لدولة أخرى ولم يسمح بالعبودية العقائدية ، في الولايات المتحدة الأمريكية لا يسمح بتداول أي فكر أو معتقد منبعه دولة معادية لمبادىء الديمقراطية ، هكذا تحصن الشعوب أنفسها من خطر المعتقد ، نفهم من هذا بأن الولاء للمعتقد القادم من خارج حدود الوطن هو سرطان يؤدي بالنهاية إلى تدمير الوطن على يد أبناءه الذين يحملون ذلك المعتقد ، ومن المستحيل لحملة المعتقد إدراك هذه الحقيقة لأن المعتقد الذي لا يمتثل لتراب الوطن هو أفيون يشل قدرات العقل في ادراك الحقائق ، اليوم نجد الموالي لإيران يقتل أخيه المواطن السني ويقتل أخيه المواطن الكوردي لأنهم لا يلتقون معه بالمعتقد ولأنهم يشكلون خطراً على دولة المعتقد وفايروس المعتقد . الشيء الوحيد الذي يجعل ابناء الوطن الواحد يتناحرون ويتقاتلون هو المعتقد القادم من خارج الوطن وإلا كيف استطاع ابناء الوطن الواحد الذين كانوا يتعايشون سوية لمئات السنين ، يتعاونون ويتصاهرون ويعيشون بسلام ومحبة وفجأة مع دخول المعتقد المستورد يصبحون اعداءاً فيما بينهم . هذا يبين لنا بأنه لا يوجد معتقد مستورد شريف ونظيف مهما تم طلاءه بالدين أو المبادىء السامية أو الخير والمحبة ، طالما يتم تحريكه من خلف الحدود وطالما قادة ومنظري المعتقد يمثلون دولهم . السؤال كيف يسري المعتقد المستورد في عقول الناس ؟ الحقيقة أن مفردات المعتقد تبدو جميلة ومؤثرة في أدبياتها وأفكارها ولكن مفعولها السيء يبدأ بالسريان عندما يتحول هذا المعتقد إلى تنظيم سياسي ، وكلنا نعرف بان التنظيم السياسي لابد أن تكون له أهداف ، والوصول إلى تطبيق الأهداف يمر عن طريق الوصول إلى السلطة ، والسلطة هنا لا تعني إدارة البلد بل تعني العمل على تطبيق الاهداف التي تستوجب إزالة كل المعوقات من أمامها ، ومن هنا تبدأ المشاكل لان جميع الاهداف سوف تصب في مصلحة البلد المنشأ لذلك المعتقد . فمثلاً وجود التنظيمات الدينية المذهبية في السلطة لا يمكن أن تستمر مالم يتم إبادة العرب السنة والقضاء عليهم وإبادة الكورد والقضاء عليهم والقضاء على الأقليات العرقية والدينية وإلا لا يمكن تطبيق تلك الأحزاب لأهدافها ، أما إدعاء تلك الأحزاب بقبول التعايش مع الآخرين في دولة مدنية فهذا مخالف لأهداف تلك الاحزاب والتنظيمات وقبولهم بالواقع يعني سقوطهم السريع ، لذلك عمدوا إلى تأسيس مليشيات مسلحة للإسراع في تطبيق تلك الأهداف . المليشيات المسلحة ليست سلاح منفلت كما يدعون أو كما يفهمها الآخرون ، بل هي جزء من البرنامج للوصول إلى تحقيق الأهداف ، أما تحويل أهداف تلك المليشيات لمحاربة أمريكا وإسرائيل جاء لإعطاء تلك المليشيات الشرعية والقوة وهي في الحقيقة ليست لها علاقة لا من بعيد ولا من قريب بأمريكا وإسرائيل لأنهم يعرفون انفسهم تمام المعرفة بإنهم أصغر من أن يواجهوا أمريكا وإسرائيل ويشاهدون بأم أعينهم جيوش عشرين دولة عربية عجزت ان تزحزح إسرائيل عن مكانتها ويشاهدون جيوش الدول العظمى تتردد بمواجهة الجيش الأمريكي خشية من الهزيمة ، يعرفونها ولكنهم يمنون أنفسهم بأنهم فعلاً مقاومون ، ولولا هذه التمنيات لقتلتهم عذابات النفس ، كل ما يسعون إليه هو إقناع وخداع أنفسهم بأنهم جزء من الوطن ولهم ولاء للوطن وهذا الشيء مستحيل تحقيقه لأن عقيدتهم ضد الوطن في كل شيء وأولها ضد ابناء الوطن الذين يعانون من وجودهم المتسلط . هم يعرفون هذه الحقيقة ، وما فسادهم وطغيانهم إلا أكبر دليل على تناقض معتقداتهم مع حب الوطن . وهناك بديهية يجهلونها وهي أن الولاء للمعتقد على حساب الوطن لايدوم ودائماً ينتهي بالخزي والضياع !!! مشكلة أصحاب الضمائر الحية والعقلاء والشرفاء والوطنيون على طول التأريخ هو أنهم يكونون ضحية على يد أصحاب الولاءات المستوردة والتي يحملها الجهلاء ، والجاهل دوماً يظن بأن الناس مثله أو أقل منه في فهم الأمور واستيعابها .

2 Comments on “الولاء للوطن والولاء للمعتقد- كامل سلمان”

  1. إذا لم يعبد العراقيون خارطة سايكس بيكو, كل من بداخلها شقيق ومن خارج حدودها لا علاقة لهم به, إذا لم يتحقق هذا فلا مستقبل لهم جميعاً , والقرار بيدهم , فليستمرو بلعبة جر الحبل إلى ما شاء الله لأن دماءهم رخيصة عليهم تستحق الهدر طالما هم أغبياء

    1. السيد Haji
      بداية التعليق غير واضح ، لكن نهاية التعليق كان جميلاً عندما تقول ( لأن دماءهم رخيصة عليهم ) وأظن قصدك يخص المتمسكين بالمعتقد الخارجي ، أنا أتفق معك أن كان هذا قصدك ، تحياتي

Comments are closed.