ومن الرأي ما قتل – الكاتب/سمير داود حنوش

أسوء عادات السلطة التي إكتسبتها من سيرة السابقين هي الشيزوفرينيا التي تمارسها بحق شعبها في ذات الوقت حين كانت تنتقد النظام السياسي السابق الذي قامت على أنقاضه ليتكرر السيناريو السابق أن سَرديّة السلطة التي لا تستطيع الرد على الخصم السياسي بالطرق المشروعة تذهب لأسهل الوسائل وهي البطش والتنكيل لكل من يردد رأياً منتقداً.

ما الذي إستيقظ عليه العراقيين؟ ولماذا أصبحت السلطة تعامل النخب الفكرية والثقافية وأصحاب الرأي بهذه القسوة المفرطة؟ هل ثمّة ثأر بين الطرفين ينبغي على أحدهما أن يُسدده؟ ومتى يكون هذا البلد ملاذاً آمناً لتصفير ذلك الثأر الذي لاينتهي؟ لماذا تحمل مجلدات تاريخ العراق السياسي كل تلك القصص من الخوف والدم والنار؟ والسؤال الأهم من الذي يؤسس لبُنية التنكيل وإسكات الأفواه طويلة الأمد في العراق؟.

من الواضح أن السلطة تريد من أصحاب الرأي أن يكون حديثهم عن الفساد مثلاً وكأنه حالة إعتيادية تتعايش معها بكل طيب خاطر كما لو كان رأياً في أحداث فيلم عربي.

بعد أكثر من عشرين عاماً من التغيير المزعوم لازالت حرية التعبير عن الرأي تُصلب على مذبح الألم الذي قد يكون موجعاً في كثير من الأحيان، ولازال السؤال هائماً يبحث عن الجواب.

تخلّت السلطة عن أعداء الوطن الحقيقيين الذين يتربصون بالبلاد والعباد لتنشغل بمن ينتقدها أو ينصحها بالرغم من أن الدستور العراقي كفل حرية التعبير عن الرأي وحق الكلام لأن محصلة تلك الحرية هو تقويم وتوجيه عمل مؤسسات الحكومة لما فيه خير المواطن ويجعل من الصعوبة الطمطمة أو إخفاء الأخطاء تحت تبريرات الفساد وإخوانه.

علاقة مأزومة بين السلطة وأصحاب الرأي، من الواضح أن قواعد الإشتباك لن تنتهي قريباً خصوصاً عند شعور السلطة بذلك الوهم والإعتقاد أن الطرف الآخر ينوي إحتلال مكانها وتقويض زعامتها وتحاول بكل ما تستطيع أن تمنع الإقتراب من قُدس الأقداس لها وهي السلطة والنفوذ.

حاول أن تصنع رأياً يُطالب فيه بناء عراق مزدهر ينعم أبنائه بثرواته المهدورة بدل الفاسدين واللصوص وإن توفر لهم التعليم اللائق والعلاج الطبي الصحيح بدل موت الفقراء على أبواب المستشفيات الحكومية التي لاتعطي غير حبة البراسيتامول أو العلاج في مستشفيات خارج العراق من إستطاع إليها سبيلاً، حاول أن ترسم صورة مشرقة لوطن آمن مستقر ينبذ الطائفية والمحاصصة، ستجد أمامك من يتهمك بخلخلة أركان السلطة وتحذير شديد اللهجة قد يهدد وجودك، حاول أن تسأل أي كاهن من كهنة المعبد، من أين لك هذا؟ سيأتيك الجواب جاهزاً “هذا من فضل ربي”، وربما تُحاكم على جريمة السؤال والتجرؤ على من لا يجوز لك سؤالهم.

 أصبح الحديث عن الفساد ومشتقاته سوى هذيان فارغ لامعنى له وربما الفضول والتدخل فيما لايعني المتدخل من وجهة نظر السلطة.

الذين كانوا ينتقدون النظام السابق قبل عام 2003 والذين سكنوا قصوره وقاموا على أنقاضه، هاهم اليوم يُعيدون سيناريو البطش والتنكيل لمن يخالفهم الرأي، لكنه الوهم الذي يغطي عقولهم فمحاولات تكميم الأفواه لن تجعل الأخطاء تختفي أو تذوب وإن سكت المواطن اليوم فربما ستحتفظ ذاكرته بالكلام لينطق به غداً وهذا ما فات على السلطة أن تتذكره.

إن صاحب الرأي في العراق أصبح أكثر خوفاً من السلطة والأغرب ما تفعله ماكنة الإعلام الحكومي من ترسيخ مفهوم التخوين ومحاولات جعل دور المثقف هامشي لايستطيع منافسة رجال السلطة والدين والعشيرة في تحديد بوصلة الرأي وحتى صنع جيل من أنصاف المثقفين والمطبلين الذين لا همّ لهم سوى التهليل والتكبير للسلطة بمزايا وأجور يسيل لها لُعاب المهزوزين، لذلك إختار أغلب أصحاب الرأي الإعتكاف والإبتعاد عن الإدلاء بآرائهم خوفاً على مصائرهم وأرزاقهم عسى أن يحين موعد التغيير المنشود ونقول عسى.