القضية الكوردية ومتاهات بعض العروبيين ـ د . نسيم الخوري نموذجا- وليد حاج عبدالقادر

 

في مقالته المعنونة ( الأكراد مجددا في مثلث غير متساوي الأضلاع )* وكعادته ـ د . الخوري ـ وعلى الرغم من أنه بدا كمدرس فاشل في الهندسة ومثلثاتها ، ولكنه لم يستطع ـ بالمطلق ـ تجاوز عقدته العروبية وبالتالي ممارسته لطغيان قوموي صرف ، يذكّرنا بمتاهات وإرهاصات ثقافة الأمم والشعوب ، كما والتوجهات المؤدلجة أزلا وسياقات احزاب وأمم النزعات والنزاعات والأعراق بتفوقها الهشّ والمنافي لأبسط قواعد الهمّ والتشارك الإنساني العام ، وهنا بعيدا عن المؤطر ضمن سياقات التاريخ والجغرافية بحقائقها الراسخة ، فيعيد فينا د . الخوري وصياغة المأساة الكوردية كحتمية قدرية مستوجبة الصيرورة وهذا الشتات الجيوسياسي ، هذه الصيرورة التي ما ابتدأت من مرج دابق* عام 1516 مرورا ب جالديران 1517 * وسيل الإتفاقات من سايكس بيكو ومحطاتها سيفر ولوزان المشؤومة واصطلاحات او كمّ الملحقات المترافقة مع ذلك الجحيم التقسيموي ـ جغرافيّا ـ وإن حافظت ـ بنيويا ـ وشعبيا على سياقاتها العامة في وحدة متماسكة إن للشعور والمنهج ، كما اللغة والثقافة بفولكلورها الذي صمد في وجه كافّة حملات التغريب بدءا من التعريب ومرورا بالتفريس ومن ثمّ التتريك وبقيت هي هي ، تشمخ بكورديتها .. حالات التغريب القسريّة للأمة الكوردية هي التي أخذت تتدحرج كصخرة سيزيف كلّما ظنّ الدكتاتوريون وبأنظمة قمعهم بأنهم على وشك تصفية القضية والشعب الكورديتين ، مستخدمين بذلك اقسى الحملات المترافقة بشتّى أنواع الأسلحة ، فإذا بالصخرة تنحدر من أقاصي علياءها ، فيعود الكورد الى نرجسية نشأتهم ووعيهم الثقافي ، وبالتالي تطورها ـ الثقافة ـ وتمحورها حول تلك المأساة متشبثة بخلود أزلي واستمرارية غير مسكونة وعلى قاعدة التضاد وتلك الثنائية الحكائية والتغني بمفهومي ـ الحياة / الموت ـ وابعادها الرئيسية كتعبير ميثولوجي وببعديه التاريخي والجغرافي ، وكوردستان كوطن ، وكبقعة جغرافية ، إرتأت أن تكون منبعا أساسيا لثقافة راهنت وتموضعت ومنها ـ هذه الثقافة ـ وجد التضاد الذي قابل الحزن بالفرح والخريف بالربيع ، وأيضا الهزيمة بالإنتصار والإنكسار بإعادة اللحمة والإعمار و ـ شخصيا ـ ما ارتأيتها وهذا الحشو التاريخي لولا جفاء وتجني د . الخوري فهو يقول / … وهم أصحاب قضيّة يطنون أنهم يذهبون بها نحو المستقبل الموعود ، ولكنّه المستقبل المحكوم على الدوام بباحات المتاحف والتحسّر والإنتظار لتحقيق الرغبة في الحكم الذاتي المستقر . هذا التاريخ المستعصي يمنحهم صفة ( الأمة ) بين قوسين ، ولكنها الأمّة المتفجّرة بالهزائم المحشّوة بمخاطر البلقنة مع ما تحمله هذه الصفة من الخلافات الكثيرة التي يحملها الأكراد معهم أنّى ذهبوا وكيفما فاوضوا أو تطلّعوا … / .. نعم د . الخوري هي المسالة الشرقية كانت ومن خلفها جرّت ما جرّت من ممهدات الى حروب عالمية وقد ـ نقرّها ـ أننا امّة متفجّرة نبحث مصرّين ونناضل بلا هوادة من أجل انتزاع حقوقنا المغتصبة ، وستظل المنطقة كلّها ملتهبة كبركان الى لحظة ايجاد الحلول المناسبة للمسألة الكردية على حدّ تعبير الكاتب الأمريكي ـ دانا آدمز شميدت ـ * وستينات القرن الماضي ، ومع هذا نقرّها ثانية .. نعم في حياة أمتنا الكوردية من الهزائم مالا يقدّر ولا يحصى ، ولكنّنا من ثوراتنا العديدة كوّنّا تربية قوميّة رائعة ، هي عينها تلك الثورات التي انجبت وأفرزت قادة وتجاربا ملؤها فصول من التضحيات وذكرياتا ممضّة عن أنواع المجازر والفتك الممارس للقتل الجماعي ، لابل هناك مراثي وملاحم خالدة اسّست وأرشفت لتاريخنا هذا المخضّب بالدم .. نعم هي عينها ذاك الإرث الذي به تصدت جموعنا وحافظت على كردستانيتها كما شعبها وظلّت تكافح في كلّ جزء وفق خصوصيتها ومعبّرة عن خاصّيتها القوميّة ، هي قضايانا كما إرثنا نؤمن بها وقد تدرّجت في تاريخيتها ، ولكنّها أيضا حافظت وبإخلاص شديد على جغرافيتها الراسخة .. مجبولون بالهزائم ، نعم ، ولكنّها ـ الهزائم ـ اسّست لوعي قومي أخذ يتجذّر ويترسّخ وبالتالي شعور قومي جسّده متانة الفولكلور والثقافة الخاصتين والمتناميتين ، على الرغم من قساوة ثقافات شعوب الدول التي اغتصبت جغرافيتها ـ كردستان ـ ولكنها تحدّت ـ ولاتزال ـ وعلى أرضيتها تشكّلت بالرغم من كثافة الحملات ، وهنا كان مقصد القائد الكردي الخالد مصطفى البرازاني ـ ليس للكوردي سوى الكوردي ـ في توظيف غير دقيق وفاشل للدكتور الخوري وسياق مثاله هذا .. نعم .. لقد استمرت الجماهير الكردية تقاوم وستنتصر ، وهنا يتناسى الكاتب في معرض إيراده و .. / … كون اكراد العراق محاطين بثلاث دول ذات أقليّة كردية ، هي سورية وطهران وتركيّا ، يكتفي أن تغلق حدودها كي يتعثّر الكيان المنفصل من العراق مهما كان الدعم الخارجي .. / وبغضّ النظر عن التوصيف وحالة الفوبيا المشوّشة لفكر الكاتب وبالتالي التوصيف المتعمّد بغية التضليل الممارس من قبله في تشويه معرفيّ للحقيقة وتجزئة كردستان وشعبها ، وحتّى الخلط المتعمد في مفاهيم الأكثريّة والأقلّيّة كمضطلحات بائرة أمام الوقائع من جهة ومبادئ الديمقراطية المحدثة من جهة أخرى ـ كالتوافق ـ إلاّ أنّ هذا لا ينفي عن كاتبنا تهمة تشويه الحقائق وبالتالي إذا ما كانت الذاكرة قد خانت بعضهم ، فهذا شأنهم ، ولكنهم جرّبوها ـ ذلك الحصار ـ وأرفقوها بحملة عسكريّة شديدة كانت فيما سميّت حينذاك بعملية الطوق أو فكّي الكمّاشة ـ منتصف ستينات القرن الماضي ـ ممّا استوجب وذلك الحشد العسكري السوري بقوّة كانت قوامها فرقة عسكريّة كاملة قادها الفريق فهد الشاعر وطوق محكم من القوات التركية والإيرانية اغلقت المعابر منها وإليها وغزوة بربريّة هوجاء لقطعان الجيش العراقي بقواه الجويّة على كردستان وقواعد الثورة الكرديّة التي كانت مندلعة حينذاك بقيادة القائد الكوردي الخالد مصطفى البرازاني ، وحينها كان سلاح الرشاش الفردي كنز ثمين ، لايملكه المقاتل الكردي ـ البيشمركة ـ سوى ال ـ برنو ـ والإرادة الصلبة ، ويمكن العودة الى وثائق فرقة الشاعر ونتاجات تلك الحملة الفاشلة . والنقطة الأخرى التي يجهد عليها الكاتب في سيرورة وعيه / حلمه وبالتالي خلطه المتعمّد إن لمسألة الأقلّيات والأكثريات وتلك التوصيفات المهينة حتّى في تعاريفها الأوّليّة فيتبدى تماما ضحالة أفقه ـ الكاتب ـ وبعبارة أدق إنتقائيته في الإطّلاع على القضيّة الكرديّة ـ تاريخيّا ـ وكردستان وتقسيمها في التشكّل الخرائطي الجديد وإفرازات سايكس بيكو ومقررات مؤتمر الصلح بعيد الحرب الكونيّة الأولى ، وينسى أو يتناسى ثورات شعب كردستان المتتالية إن في وجه السلطنة العثمانية والصفوية بدءا من ثورات البدرخانيين 1845 ومرورا بثورة سمكو آغا 1903 الى ثورات البرزانيين المتعددة 1907 والحفيد 1919 وما هدات الثورات ، بل أنّ كلّ واحدة منها وقبل أن تخمد كانت تولّد بذرة التي ستخلفها كإرث نضالي لابدّ منه ، ولكنها عقلية العبث في الحقيقة يصرّ د . الخوري على ممارستها فيبدو وكقارئ فاشل للفنجان ، نراه يتأمّل برغائبيّة عجيبة فبعد أن يضع ـ خطين بالأحمر تحت المسالة الكردية في العراق والمحيط ، لسبب بسيط هو أنّ سورية والعراق يغطّيان المنطقة الأكثر التهابا فوق خريطة العالم … ـ ويستطرد مذكّرا إيانا بنهج عبدالحميد السراج وميني ذلك الضابط الأمني السوري وترّهات الموصلي وغيرهم من الشوفينيين الذين دأبوا وعملوا على ـ إخراج القضيّة الكردية من الوطن العربي !! ـ يقول الكاتب متابعا .. / .. من الطبيعي إذن أن تشغل المسألة الكردية حيّزا متقدّما من السياسة العالميّة وتجذب وسائل الإعلام في المنطقة العربية ، ليس في الأمر جديد ، لأنّها مسألة موغلة في التاريخ .. التي تبرز رتابة أحلام الأكراد في الجغرافيا ، حيث يظهرون بقعا من الناس المتشابهين المتوزعين من شمال طهران الى حوض البحر الأبيض المتوسط يجمعهم حلم واحد قائم في اللاوعي ويطفو على مستوى السلوك السياسي والخطاب مع كلّ ظروف جديدة مستجدّة . ويبدو هذا الحلم مشروع دولة قد تكون ممكنة التحقّق على الدوام ، ولكن ليس فوق تلك الجغرافية المتشظّية او المشتّتة والمشتعلة أو المتداخلة على مستوى الكنوز الترابية والمائية والفضائية .. / .. والحقيقة الناصعة أن الكاتب يبدو كباحث ديمغرافي يعتمد اسلوب النط والقفز ببراعة في المصطلحات ويحاول ـ عبثا ـ بعثرة الكورد في بقع ومساحات بفضاءات جدّ واسعة فيشتت الذهن وكأنّ الكورد إنما هم جزر مبعثرة في مناطق مبعثرة ومتناثرة كما متباعدة وما أثار ـ دهشتي ـ وفي نفس السياق وعدد الجريدة التي نشرت مقالة الكاتب ، موضوع آخر فيها وبعنوان ـ خطّة تمزيق خريطة الشرق الأوسط ـ والكاتب ـ محمد خليفة ـ والذي يستند الى إحدى الوثائق الألمانية فيقول .. / .. وتتضمّن الخطّة تأسيس دولة كردية عبر إقتطاع الجزء الشرقي من تركية وشمال العراق وأجزاء من إيران … / ويتناسى الكاتب ـ مجددا ـ إتفاق سايكس بيكو ـ ليعود ـ محمد خليفة ـ الى التذكير فيها وبالجانب الذي يفيده ـ هو ـ .. / .. فبعد الحرب العالمية الأولى التي انتهت أواخر العام 1918 قام الحلفاء المنتصرون وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بتقسيم الدول المهزومة النمسا والمانيا وتركيا ومن رحم هذه الدول ولدت اتفاقية سايكس بيكو بخصوص تقسيم آسيا العربية بين بريطانية وفرنسة … / * .. نعم هو ذاك كان الواقع وبموجبها ـ أيضا ـ قسّمت كردستان جغرافيّا وضمّت الى عدّة دول وولّدت معها ثورات وثورات ، وبالرغم من الفظاعات والأهوال والحملات العسكرية بطابعها البربري والهمجي ، إلاّ أن جذوة النضال الكردي لا تزال متّقدة كتجسيد حقيقي ومآل كما أهداف الشعب الكردي في أجزاءه الأربعة والتي لخّصها الاخ الرئيس مسعود البرازاني بقوله : أن كلّ كردي يحلم باستقلال وطنه كردستان ولكنه الحلم شيء والواقع نعرفه أيضا وهو شيء آخر والسؤال هو هنا د . الخوري ومتى كان الحلم جريمة سوى في ذهنية من تمأسس على نكران الآخرين وتلبسته نزعة الإستبداد !! .. شيء أخير وآخر .. نعم نحن مهووسون أزلا بالأصفر والأخضر ولكنها أضحت وبفخر من إرث ذلك التاريخ العريق وثنائية الحياة والموت وبعبارة أدق صيرورة الخلود د . نسيم الخوري فثقافة التناحر كما الصراع الذاتي طرحناها من وعينا بعد أن اضحى الدم الكردي محرّم على أخيه الكردي ….هي حقوقنا سنسعى اليها ضمن الخيارات الديمقراطية المنجزة أو قيد الإنجاز في البلدان التي ألحقنا بها كضامن للإعتراف بحقوقنا القومية ووفق دساتير منصوصة و .. كورديّا .. هي تلكما الخطين الأحمرين اللتين لا مساومة عليهما بالإطلاق ….

***************************************************

هوامش

* جريدة الخليج عدد يوم الأحد 12257 تاريخ 9 – 12 -2012 رأي ودراسات صفحة 30

* نفس العدد صفحة 31

* مرج دابق وجالديران معارك خاضتها السلطنة العثماني لفرض سيطرتها على المنطقة .. مرج دابق ضد المماليك وجالديران ضد الصفويين وكانت بدايات التقسيم الجغرافي ـ النظري ـ لكردستان ..

* رحلة الى رجال شجعان في كردستان  للكاتب والصحفي الأمريكي القدير دانا آدامز شميدت في ستينيات القرن الماضي …

2 Comments on “القضية الكوردية ومتاهات بعض العروبيين ـ د . نسيم الخوري نموذجا- وليد حاج عبدالقادر”

  1. تحية طيبة
    تسميه خوري وبنفس الوقت تتهمه بعنصريته العروبية , وكما نفهم ( ولست متأكداً تماتاً) أن الخوري أسرة لبنانية مسيحية مستعربة وليسوا عرباً أبداً , والأرجح أن أسرة الخوري اللبنانية هي مستعربة من أصول يونانية ورومية بينما غيرهم من أصول فينيقية وآشورية سامية أخرى, ولهذا فأنا أتعجب لكلامك هل هو من المغتربين من أقاررب رشيد الخوري والمعلوف وغيرهما وهم أصلاً قد هربوا من وجه العرب وإضطهاد المسلمين منذ مدة طويلة ؟

    1. استاذي القدير لا تتعجب لسبب بسيط جدا : هو مادته منشورة ورقم وتاريخ النشر وكذلك وبكل الود الإسم ليس من عندي ويمكن لكم ببساطة التاكد من غوغل لقراءة مادته المنشورة .. كل تقديري .. بقيت ملاحظة اسم الخوري متداول فعلا بكثرة بين الاخوة المسيحية في سوريا ولبنان .. شكرا جزيلا

Comments are closed.