السجن أحب إلي .- كامل سلمان

كنت أستمع إلى أحد الموقوفين في سجن الرصافة الثانية والذي أطلق سراحه مؤخراً ، كان يتحدث هذا الموقوف في مقابلة تلفزيونية عن الحياة في السجن ، لقد صدمني هذا الموقوف بما ذكره عما يجري داخل السجون في بغداد ، فقد ذكر أموراً وحالات وتعاملات لا يحتملها العقل ، خاصة عندما ذكر اللواطة المباحة داخل السجن مقابل دفع مبالغ كبيرة للمشرفين على السجن ، إضافة إلى توفر المخدرات والحبوب المخدرة ومفردة الحلوين والكبسلة والخلوة الشرعية وامور قد تكون بالنسبة للإنسان السوي خيالية وغير ممكنة في دور تسمى دور للإصلاح تحت إشراف وزارة تسمى وزارة العدل في دولة تقودها أحزاب تدعي بإنها دينية تحمل مبادىء الدين الحنيف ، وأثناء حديث المعتقل المفرج عنه تذكرت دعوة نبي الله يوسف ع عندما دعى ربه أن يدخله السجن تفضيلاً على حالة الفسوق والإنحلال الأخلاقي التي واجهها مع بعض النساء خارج السجن فقال في دعائه ( السجن أحب إلي ) نعم السجن قديماً لم يك دار إصلاح ولكنه ابتعاد عن كل سوء وانعزال عن حركة الحياة في المجتمع ، فلو علم يوسف ع أن السجون أصبحت هي دار الفسوق لما دعى ربه أن يسجن . ترى لماذا أصبحت السجون عندنا دار للموبقات والإنحراف والفساد ؟ الجواب بسيط جداً ، ولكن قبل الإجابة علينا أن نعرج على باقي مؤسسات الدولة ووزاراتها ومستشفياتها ودوائرها فهل تتزين بنفس درجة الفساد والإنحلال الأخلاقي . بالتأكيد الجواب نعم ، فهاهي وسائلنا الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي وحديث الناس كلها تتحدث على مدار الساعة بالصوت والصورة عن الفساد والرشوة في كل المؤسسات الحكومية ، فهذا يعني بأن ما يجري داخل السجون هو جزء لا يتجزأ من الكل ، أما لماذا يحدث كل هذا الإنحلال الأخلاقي داخل السجون بإشراف المسؤولين عن السجون أنفسهم فهذا دليل على أن الرقابة الحكومية غير موجودة . ودليل على عدم خوف المشرفين على السجون من العقاب ، ولكن لماذا الرقابة الحكومية غير موجودة فهناك عدة اسباب وراء ذلك تقف على رأسها عدم أهلية المسؤولين في الدولة ، وابتعاد الدولة نفسها عن مؤسساتها ، فالدولة في واد ومؤسساتها في واد آخر ، فهنا الإصلاح يجب أن يبدأ من مسؤولي الدولة ، وهذا الإصلاح مستحيل حدوثه لأن كل ما تم بناءه على خطأ لا يمكن تعديله ، فوزارة العدل فيها اعوجاج بحاجة إلى عدل … من المؤسف جداً أن تصل الأمور إلى هذا المستوى من الاعوجاج ، ومن المؤسف جداً أن يدخل المواطن إلى السجن بتهمة محددة ثم يخرج من السجن ليصبح وباءاً ملوثاً معدياً داخل المجتمع . فهل يعقل بأن السجون في زمن يوسف ع قبل أكثر من (2500) عام هي أفضل وأطهر من سجون اليوم ، وهل يعقل بأن دولة مثل العراق ، بلد القيم والأخلاق والسجايا الحميدة تتقبل وجود هذا السقوط المخزي داخل مؤسساتها ، وهل يعقل بأن الغيرة العراقية اضمحلت عند العراقيين إلى هذه الدرجة ليسكتوا امام هذا الإنحراف المهين ؟ المشكلة أصبح هنالك جيلاً كاملاً ملوثاً بعقله وبأفكاره وبسلوكه فلا إصلاح ينفع ولا عقاب يصلح ، ونفس هذا الجيل الملوث نجدهم في الخطوط الأمامية للمناسبات الدينية وفي الأعراف العشائرية وفي الصرخات الوطنية ،

2 Comments on “السجن أحب إلي .- كامل سلمان”

  1. الاخ المفكر الاستاذ الغالي كامل سلمان المحترم .. شكرا على ما جاء في هذا الموضوع المهم جدا و الذي يكشف اوضاع مدهش و رهيب و مخزي و مؤلم للغاية بل لطمة عار في جبين المسؤولين و سكوت الحوزات الدينية عما يجري داخل سجون بغداد العاصمة من فساد اخلاقي و ديني وتعاملات ارهابية وليست اصلاحية . . وفي الحقيقة الخلل الكبير وكما ورد في تقيمكم وتحليلكم الواضح و المتميز في المسؤولين الجدد الذين لا يهمهم وضع المواطن العراقي المظلوم بل مصالحهم الذاتية بالدرجة الاولى .. استاذنا الغالي زرت بغداد قبل فترة وكان رغبتي الشديد ان امشي في شارع الرشيد واتذكر ايام زمان حيث كان والدي المرحوم مؤجرا لفندق السعادة “في منتصف الخمسينيات ” مقابل كهوة حسن عجمي و شربة ابوزباله كان وضع شارع الرشيد و المطاعم و النظافة انذاك لا يمكن قياسه بما رايت من اهمال وتخريب و تهميش لهذا الشارع التاريخي و التراثي الجميل ، وهنا ادركت بان السادة المسؤولين في وادي و شارع الرشيد ( قلب العاصمة ) و الشعب العراقي في ودادي اخر .. مرة اخرى لك الشكر و التقدير العالي على المواضيع و الدراسات و الافكار النيرة .. نرجو من اصحاب القرار و الشان في الدولة العراقية و المؤسسات الحكومية الاستفادة القصوى .. كما نرجو ايضا ان تدرس هذه القيم و الافكار و التحليلات العلمية و الاجتماعية و التربوية لطلبة المعاهد و الكليات و الجامعات

    1. الاستاذ قاسم المندلاوي
      كلام رائع وسيرة رائعة واحساس رائع ، كل الحب والتقدير لجنابكم الكريم ، من الجميل أن تشترك افكارنا في نقد كل شيء سيء وتبجيل كل شيء حسن ، شكراً لإضافاتك المفصلة ، تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *