حماية الطفولة- كامل سلمان

إذا إردت أن تعرف مستوى الرقي الإنساني في أي مجتمع ، أنظر إلى حال الطفل ومراعاة الطفل وقوانين الطفل وحقوق الطفل في ذلك المجتمع ، فهي المؤشر على رقي المجتمع أو خسة ودناءة ذلك المجتمع وقوانين نظام الحكم ، فبقدر ما يكون القانون يحمي الطفل بقدر ما يكون النظام السياسي نظام ناجح والمجتمع ناجح والحياة ناجحة ، وبقدر ما يكون القانون بعيداً عن حماية الطفل بقدر ما يكون النظام السياسي فاسداً فاشلاً . هذا المقياس هو المقياس الحقيقي لكشف عيوب النظام السياسي والمجتمع أو كشف نبالة وجمالية النظام السياسي والمجتمع ، نعم أنا أسمع كثيراً بأن مجتمعاتنا راقية وفيها القيم الأخلاقية العالية وفيها الدين وفيها قدسية العادات وفيها الموروثات الإنسانية الرائعة ، ولكني لم أسمع ولم المس أي شيء يخص حقوق الطفل وكرامة الطفل وقيمة الطفل ، فاليتامى والأطفال المشردون يملئون الشوارع والطرقات ، والأطفال داخل البيوت يعنفون لأسباب تافه ، وفي المدارس مهملون ونسبة وفيات الأطفال الأعلى عندنا ، وأثناء الحروب والنزاعات فأن أول الضحايا هم الأطفال ، فما قيمة الدين وما قيمة الاخلاق وما قيمة المواعظ التي صدعت رؤوسنا بها ، وأطفالنا يعانون كل هذا الألم ، وعندما نحاور اهالي وسكان الأمم الأخرى ننتقص منهم ونتفاخر بما عندنا من قيم سماوية وبما عندنا من خصال حميدة وبما حابانا الله من كرامات على باقي الأمم ، فبدل أن ننتقص من الأمم الأخرى فلنتعلم منها معنى قيمة الطفل ، فأنه من الخزي والعار على أمة تتفاخر بنفسها وتتفاخر بالقيم والمبادىء وهي تفتقر لأبسط أوليات القيم والمبادىء وأقصد حقوق الطفل . أطفالنا يقادون كالدواب ليكونوا مثل أباءهم استنساخ في الصورة والصوت بمعنى أن يستمر النموذج السيء ساري المفعول وغير منقطع ، الأطفال يقادون إلى سلوكيات وعادات بدائية متخلفة ، لأن قادتنا يريدون منا أن نكون للدول الأخرى عنواناً أو نصدر لهم ثقافتنا لكي نجعلهم يعاملون أطفالهم على طريقتنا ، ولا ندري بأن الطفل عندهم هو الكائن الوحيد الذي يستحق لقب المقدس ، وهو الوحيد الخط الأحمر ، كم مقدس وكم خط أحمر في حياتنا وأطفالنا تجمعهم قمامات النفايات . قوانينا وتشريعاتنا فيها الطفل منسي ، أما المجتمعات التي نعيب أخلاقهم كل قوانينهم ومشاريعهم وخططهم وأبنيتهم وأسواقهم ومناهجهم تضع على رأس أولوياتها الطفل ، الرعاية الصحية الأولوية للطفل ، المتابعة الاجتماعية الأولوية للطفل ، بالمقابل أطفالنا معظمهم محرومون من نعمة التعليم ، محرومون من ابسط مستلزمات الطفولة ، ورغم ذلك جعلوهم مشاريعاً للاستشهاد والدفاع عن الدين والأوطان و القيم والمبادىء والموروثات والدفاع عن مقدساتنا وقاداتنا العظماء . نعم هذا هو الفارق الذي جعلنا نعيش ونبقى معشعشين في عالم الظلمات وجعلهم يعيشون ويتنعمون في عالم النور . هذا الفارق جعل من أطفالنا ضحية للمخدرات وسوق العمل والاغتصاب والضياع والجهل .. الشيء الذي يحزننا بأننا نجيد الكلام ولا نجيد النظر ، نتحدث لساعات عن أنفسنا وعن تأريخنا العظيم ولا ننظر لمثل هذه العيوب المتجذرة فينا بحرمان الأطفال من أبسط حقوقهم في الحياة ، لا غرابة في ذلك أبداً ، في مجتمعات لا تعرف حقوقاً للشيوخ وللعجائز أو حقوقاً للنساء أو حقوقاً لأصحاب الاحتياجات الخاصة أو حقوقاً للمساجين أو حقوقاً للحيوان أو حقوقاً للبيئة وتظن نفسها هي الأرقى بين الأمم ، بماذا أرقى ؟ إذا كان الرقي هو خيال ، فتأريخنا يزدحم فيه الخيال ، ويكفينا قصص الف ليلة وليلة هي موسوعة للخيال ، فلنبقى مسرورون في هذا العالم الوهمي الجميل كما نعتقده لإننا إذا فارقناه سنندم ، لأننا أن فارقناه سنعيش الغربة عن ذاتنا وربما سنصبح مثل باق الأمم نكتشف حقيقتنا بشكل واقعي ونكتشف علتنا وزيف أفكارنا ، وهذا مالا يرضاه ساداتنا وكبراءنا . أنا أظن بأننا الآن في أبعد نقطة عن استيعاب معنى حقوق الطفل وحماية حقوق الطفل ولكننا لا نشعر بذلك ، لأن ثقافتنا تخلو من مفهوم الحقوق ، نعم عندنا في موروثنا حقوق الله وحقوق الوالدين وحقوق السلطان أو الحاكم وحقوق الأقوياء وحقوق الأموات ، هذا كل ما خلفته لنا ثقافتنا وهي حقوق قهرية لا تقدم شيئاً لحياتنا ، أما حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق اصحاب الاحتياجات الخاصة وحقوق الحيوان وحق الحفاظ على البيئة وحق الحياة لكل الناس فهي حقوق نعتبرها دخيلة على ثقافتنا ، علينا أن نتعلمها أو نبقى خلف الركب .

2 Comments on “حماية الطفولة- كامل سلمان”

  1. الاستاذ القدير تحياتنا وتقديرنا
    جميلة ومفيدة مقالاتك القيمة التي تمس الجوانب المؤلمة لواقعنا، المشكلة الكبرى هي الانفجار السكاني في الدول النامية ونحن مازلنا ضمنها، فكثرة الولادات بدون تحسب وتخطيط وخاصة في الاحياء البسيطة، على سبيل المثال عائلة تشكو هبوط في المستوى الثقافي والفكري والاقتصادي، لها أكثر من سبع أطفال كمعدل، وكما تفضلت فليست هناك قوانين تنصف او تدعم هذه العوائل أو الاطفال٠ وغياب قوانين تضع حد لهذه المعانات فما زال المجتمع منقاد لثقافة المجتمع الديني والزراعي القديم ولم يجد طريق التطور والتغيير٠ هذه الظاهرة عبء على المعيل وإساءة لابسط حقوق الطفل كما تفضلت٠ بعكس الدول التي تواكب ركب التقدم منذ قرون فمجتمعاتها تخطط لسنوات وتضع كافة العوامل في الحسبان لتربية طفل أو أثنان بالشكل المطلوب ٠

    1. الأخت الفاضلة خديجة كتاني
      شكراً لمرورك العطر ، وشكراً لإراءك السديدة ، ودائماً إضافاتك علمية دقيقة ومن الواقع ، أحييك على أهتماماتك لمواضيع من هذا النمط ، مواضيع الطفولة . حياك الله لإضافة المزيد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *