ومضات من رواية ( تسجيلات يوناذم  هرمز / ابن قرية عراقية ) للروائي بولص آدم  –    جمعة عبدالله

 
  

   يأخذنا المتن الروائي في أحداثه العاصفة والمؤثرة , الى رحلة طويلة واسعة الآفاق , في التناول والطرح في رواية تجمع شمل ,  التاريخ والسياسة والاجتماع والاتجاه الديني وتأثيراته , في واقعية الأحداث  والصور والمشاهد الحية والفعلية , في لب الصراع الدائر في أوجه المتعددة والمتنوعة , في رواية تنتهج التوثيق التاريخي , وسيرة حياة قرية ( ديري / إحدى قرى قضاء العمادية في كردستان العراق ) مع السيرة الحياتية و الذاتية لبطل الرواية ( يوناذم هرمز ) , بما مرت هذه القرية ( ديري ) التي تقطنها ألاغلبية من الطائفة الاشورية , من حقب ومراحل التاريخية و سلطوية , منذ الاحتلال العثماني والانكليزي والملكي وحقب الجمهوريات المتعاقبة , حتى الاحتلال الداعشي المجرم  , بعد احتلال الموصل , وسياسته الانتقامية في القتل والذبح للطوائف المسيحية ومنها الطائفة الاشورية, وهذه القرية الاشورية ( ديري ) شأنها شأن القرى العراقية الاخرى  , سواء كانت في الجنوب او في الشمال , دفعت الثمن الباهظ لهذه الحقب التاريخية والسياسية , من تضحيات وأعمال تخريب ودمار بما فيها القصف بالطيران الحربي , فكيف يكون الحال بقرية اشورية , فقد يكون التدمير والتخريب والابادة وحالة الاضطهاد والظلم والحرمان  , سيكون  اضعافاً مضاعفة , هذه الحقب المتعاقبة لحالة هذه القرية الاشورية , يرويها او يسردها بطل الرواية ( يوناذم هرمز ) قصة كفاح طويل في الصمود والتضحية , حتى لا تصاب بالنسيان وتدفن تحت الغبار , قائلاً موجه كلامه الى الروائي بولص آدم , عبر 18 شريط من التسجيلات الكاسيت  استغرقت ثلاثين ساعة وتصمنت 416 صفحة من السرد الروائي بنهج واقعي توثيقي تاريخي  , كأنه يسرد تاريخ العراق, وليس تاريخ قريته التي ولد فيها وترعرع فيها , وسجل فيها سيرة حياته, في مقاطع حقيقية عاش في ضخمها وعانى منها, وشكلت له هاجس حياتي , لا يمكن نسيانه . لأنه جزء من انتمائه الاصيل وجزء من التاريخ  الديني للطائفة الاشورية , قائلاً ( لا تستغرب عزيزي بولص آدم , لديََ الكثير للبوح به , يبقى الحديث عن قريتي موضوعي المفضل , اتحدى اي انسان يعرف ديري والمنطقة أكثر مني  , فأنا موسوعي ) والكثير من الأحداث والمشاهد عالقة في ذهنه , لا يمكن لغبار النسيان ان يغطيها , ولكن يبقى أهم حدث مأساوي فجعه  , وجعله ينزف دماً في قلبه ومشاعره . حدث امه وهي تحتضن طفلتها الجريحة , اختلط دم القتيلة مع دم الأم  , عندما تعرضت القتل لهجمات استباحت القتل والتنكيل ( لن تنسى أمي مدى الحياة , منظر سقوط الأم على المهد , لكأنها ترغب باحتضان ابنتها للمرة الاخيرة , لن تنسى العويل المكبوت خوفاً ان يكون مسموعاً , لن تنسى المهد الذي انقلب ,  ودم الام امتزج بدم الطفلة الجريحة , والقماط الأبيض قد احمر ووجه الطفلة في التراب )  . حياة القرية لم تهدأ في حياتها الطبيعية من غزوات القتل والتدمير , لم تهدأ من الخوف والرعب من القادم والمجهول, رغم قسوة هذه الحياة, لكن صلة التآلف والتضامن والدعم  يتجذر ويتعمق  أكثر فاكثر  بين سكان قرية ( ديري ) , أحدهم يشد أزر الآخر ويوسيه , كأن المصاب له والى عائلته  , حتى لا يصابون بالاحباط والانكسار وترك القرية والهجرة منها ,  لان معاناتها لا تطاق ( أحبتي ….. لا تعودوا إلى القرية وفي نفوسكم انكسار وخحل , ارفعوا روسكم عالياً , وسيكون لي حديث في الدير اليكم ثانية في قداس الأحد القادم , اغفروا لكل من اساء اليكم … في العمادية من الكرد هم اصدقاء , وهؤلاء عزونا ووقفوا الى جانبنا ) , اضافة الى قسوة الإنسان , فأن للطبيعة قسوتها ايضاً  , وخاصة في فصل الشتاء وسقوط الثلج , قد يؤدي تراكم الثلوج فوق السقوف  , قد تنهار السقوف على  على رؤوس النائمين  وتقتلهم , لذلك يتجند الاهالي , وكل واحد يحمي عائلته , في ازاحة  هذه الثلوج تحت ظروف قاسية في صقيع الثلج وفي العراء والبرد القارص . ولكن يبقى ظلم واضطهاد من السلطات المستبدة قائم في صراع دموي في ارتكاب المجازر  اشد هولاً من قسوة الطبيعة القتل وسفك الدماء ,  لا يفرق بين ملحد ومؤمن , الكل في المصيبة  ( المؤمنون والملحدون يعيشون تحت خيمة الوطن , هل تعتقدون بأن قريتنا خالية من الملحدين ؟ ) لقد شارك سكان القرية في انتفاضات الأكراد وثوراتهم  المتعاقبة , بما فيها ثورة ملا مصطفى البارزاني, ولم ينفصلوا عن الواقع الصراع السياسي العراقي في مختلف العهود السلطوية , وقدموا التضحيات ودفعوا الثمن الباهظ , وأشدها بطشاً وقتلاً  , جرائم تنظيم داعش الارهابي بعد احتلال الموصل , توجهت هذه  الذئاب الوحشية في ابادة هذه القرية الاشورية , في الحرق والتهجير والقتل والسبي ,فقد دون بطل الرواية (   يوناذم  هرمز )  , الأعمال الوحشية في إبادة  القرية , ولكن يذكر عن نفسه   ( كان آخر المغادرين بعد احتلال داعش للموصل , وحتى المغادر كان مهدداً بالقتل عدة مرات , لكنه أصر على الصمود ) رغم الاهوال والفواجع تعود القرية الى حياتها الطبيعية وتشهد أعمال عمرانية في تطور الحياة الريفية للقرية .
  ××    يوناذم هرمز :  من عائلة فقيرة الحال ترعرع وكبر فيها  , وحينما استعد للهجرة , جمع المال من عائلته وأقربائه . حتى يستطيع الهجرة , وكانت محطته الاولى لبنان / بيروت , اشتغل في أعمال شاقة وصعبة  , وجاءت الفرصة الثمينة الى الهجرة الى امريكا , اشتغل في عدة مهن , حتى أصبح ,  من الطبقة الثرية والحالة الميسورة ,   من الاموال والعقارات والشركات , اي اصبح رجل البزنس , لكنه لم يتجاهل أو ينسى قريته وترابها وطينها , فكانت تجري في شرايين دمه , فقد وظف هذه الاموال الطائلة للأعمال الخيرية لقريته في الدعم المالي السخي , وعاد من امريكا الى قريته, أي إلى الوطن الأصل  , مشاركاً في إعادة ترميمها ,  بروح التفاني والحب , ليريح ضميره ورب العالمين, لأنه سيبارح الدنيا والحياة, وتظل أعماله الخيرية على  كل انسان محب من أهل القرية  , وهذا واجب الوفاء الى قريته , التي وقفت  في وجه المحن و المصائب والاهوال  ….. والآن تعيد نفسها من جديد .
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *