تسود هذه الأیام، كما هو الحال فی جمیع أزماتنا فی المجتمع الكوردستانی، مناقشات حادة علی شبكات التواصل الإجتماعی وفی قنوات الإعلام حول التطورات الخطیرة فی روژئاڤا منذ بدء الهجوم التركی فی ٩\١٠\٢٠١٩ وما تلاه من إتفاق تركی-أمریكی و تركی-روسی حول تكوین “منطقة آمنة” فی روژئاڤا “شمال سوریا”. وبالرغم من وحدة الكلمة الفریدة من نوعها تأریخیا فی كوردستان والعالم أجمع علی مستوی الشعوب لدعم مقاومة روژئاڤا وإستنكار الهجوم التركی فقد إستمر الصمت المدقع لدی القیادات الكوردستانیة لمدة أطول من التأخر المفهوم من القیادات السیاسیة والحكومیة فی العالم خوفا علی مصالحها. فی الوقت الذی تستمر فیه “مقاومة العصر” فی روژئاڤا دون هوادة أو تردد لكی تبدل إسمها إلی “مقاومة الكرامة” مسجلة كالمعتاد آیات من التضحیة والفداء فی الحشد الجماهیری و الحراك السیاسی والبراعة الدبلوماسیة متناغمة مع مرونة حربیة عالیة و مناورة عسكریة منقطعة النظیر، تتوالی وجهات النظر المضادة والتحلیلات المعادیة والإتهامات المفبركة ضد نموذج روژئاڤا، خاصة من قبل بعض كوادر الأحزاب الكلاسیكیة فی باشور كوردستان. ففی المنظار الضیق لهذه الأحزاب یتجه نموذج روژئاڤا نحو الإنهیار وذلك لكون هذا المنظار الكلاسیكی یختلف تماما مع ما یتسم به نموذج روژئاڤا الحدیث العهد. فهما علی طرفی نقیض من جمیع الجوانب، وهذا الإختلاف الجوهری مفهوم من البدایة ولیس بغریب علی الإطلاق.
أنا فقط أتعجب من أحزابنا فی “باشور” كیف تعطی لنفسها الحق فی إنتقاد الآخرین بما هم فشلوا فیه ولازالوا یتخذونه نهجا دون الإستفادة من خبرتهم الطویلة فی السیاسة الفاشلة؟! كیف لهم أن یبرروا جرائم سلطات الإحتلال التركی فی “باكور” و “روژئاڤا” بالسیاسة الفاشلة للكفاح المسلح لشعبنا هناك دون أن تراجع نفسها الدور المحتمل للسیاسة الفاشلة للكفاح المسلح فی “باشور” عندما تعرض لجرائم الأنفال والهروب الملیونی وغیرها من النكسات و النكبات؟! لماذا لا تستطیع أحزابنا الإتفاق علی أن تكون مختلفة فی الرأی والنهج والمبدأ ومتفقة فی إعتبار هذا الإختلاف تنوعا مفیدا فی مواجهة سلطات الإحتلال وجرائمه ضد شعبنا ووطننا أینما كان؟ لیس من المفید أن نلوم بعضنا البعض عندما تقترف سلطات الإحتلال الجرائم ضدنا، بل واجب علینا ومفید لنا جمیعا أن نكون متحدین فی المقاومة والصمود وإن إختلفنا فی الرأی والنهج والتفكیر.
علینا جمیعا فی كوردستان، سواء كنا كوادر سیاسیة مخضرمة أو أكادیمیین بعیدین عن السیاسة، أن نركز فی هذه الفترة الحرجة من نضال شعبنا علی الحقیقة العلمیة والتأریخیة الثابتة التالیة: إن سیاسة “حرب الإبادة” بحجة “محاربة الإرهاب” وإتهام المقاومة الجبارة لشعبنا “بالهزیمة الحتمیة” أو إعتبارها “مسببا لتدمیر باكور” أو “حجة” لهجوم العدو الغاشم علی أرضنا ووطننا، وغیرها من الكلمات والمصطلحات والعبارات المستوردة، كانت ولاتزال جزء من سیاسة سلطات الإحتلال وحملات الحرب النفسیة وعملیات غسل الدماغ التی طالما خططت لها ونفذتها سلطات الإحتلال ضد الكورد وكوردستان. وهنا تقع المسۆلیة التأریخیة الكبری علی الكوادر السیاسیة فی جمیع أحزاب كوردستان أن تضع المنظار الحزبی الضیق جانبا لكی لا تبرر جرائم سلطات الإحتلال بأخطاء المقاومة. فأخطاء أحزابنا لا تعد ولاتحصی وهی سهلة التعرف علیها لكونها تعید نفسها، ولكنها سهلة الإتهام أیضا بأنها المبرر للحروب والكوارث التی كانت ولا تزال تفرضها سلطات الإحتلال علینا أینما كنا. قبولنا للرأی المخالف، والكف عن إستعمال المصطلحات المصنوعة من قبل سلطات الإحتلال، وتجنب الإتهامات لبعضنا البعض بالخیانة والعمالة وما شابه من السب والشتم، و عدم سرد النصائح والوعوظ والإرشادات لبعضنا البعض دون طلب مسبق، هی من أهم الخطوات الإیجابیة التی تمهد الطریق أمام وحدة قوی كوردستان لحمایة الوحدة الطبیعیة المختارة للشعب والوطن.
١٢\١١\٢٠١٩