جائحة كورونا، دروس وعبر- د. عبدالباقی مایی

 

منذ ظهور بوادر وباء ڤیروسی جدید قاتل فی مدینة “ووهان” فی الصین فی كانون الثانی سنة ٢٠٢٠ وإنتشاره السریع فی العالم، تبینت مخاوف تهدیده للبشریة جمعاء بسبب عدم معرفة العلماء لهذا الڤیروس من سلالة “كورونا”، و مجهولیة هویته و مسبباته و عواقب الإصابة به، و تأثیر ذلك علی الحالة النفسیة لجمیع الناس فی العالم، حیث لا یعرف الشخص كیف یستطیع حمایة نفسه من الإصابة بهذا المرض الذی سرعان ما قامت منظمة الصحة العالمیة بتسمیته ب “كوڤید-١٩” دون أن تتمكن فی بدایة الأمر من معرفة أسباب تواجد هذا الڤیروس الجدید أو كیفیة إنتشاره من شخص إلی آخر. فإزدادت حالات القلق والإضطراب والخوف والعنف العائلی، وأصبحت شكاوی العنف و الإعتداء علی الأطفال والنساء تتزاید لدی المنظمات والسلطات المختصة، فأصبح الأطفال والنساء یكونون النسبة الكبری من بین ضحایا هذه المعاناة النفسیة، كما تجد وصفا لتفاصیلها فی تحلیلنا المنشور باللغة الكوردیة فی مقابلة مع “زنار توڤی” فی وكالة أنباء “ئه‌ڤرو نیوز” بتأریخ  ١٥\٣\٢٠٢٠:  

وأدی إختلاف العلماء فی إرشاداتهم إلی إرتباك وتباین واضح بین السلطات المحلیة والعالمیة حول كیفیة التعامل مع هذه الأزمة التی أنتجتها جائحة كورونا فی العالم فأصبح الجهل والمجهول یتحكمان فی عقلیة الناس وخیالهم، وإنتشرت السیناریوهات المخیفة حول سبب الجائحة من نظریات المۆامرة إلی تسییس الموضوع وإستغلاله من قبل القوی السیاسیة المختلفة فی العالم مما أدی إلی زیادة مخاوف الناس وإنخفاض مستویات الثقة بسلطاتها وحكوماتها، الأمر الذی أدی إلی إنتشار الخوف والرعب بین الناس وزیادة القلق عندما وضعت السلطات المحلیة فی كل قطر أو بلد قوانینها وتعلیماتها فی الحظر والعزل والغلق والتهدید بفرض العقوبات علی المخالفین دون توفیر معلومات متأكدة أو إرشادات متفقة علیها. فإنتشر الخوف والهلع فی البیوت، وأصبحت العوائل فی حیرة من أمرها حول كیفیة تدبیر أمورها نتیجة فقدان الروتین الیومی والنظام السائد والموارد الضامنة للعیش والأمن والإطمئنان. فأثر هذا الخلل الإجتماعی علی هیكلیة العائلة وأدی إلی إضطراب الأدوار وعدم إستقرار الوضع النفسیإجتماعی مما جعل الأطفال یلاحظون قلق الأباء والأمهات ویعیشون لیلا ونهارا معهم دون أن یستطیع الكبار والبالغین وأولیاء الأمور منهم أن یشرحوا لهم مالذی یحصل وكیف یمكن السیطرة علی الوضع، كما تجد فی المقالة التالیة المنشورة فی شبكة صوت كوردستان بتأریخ ٢١ \٣ \٢٠٢٠:

فی بدایة إنتشار جائحة كورونا فی كوردستان فی آذار ٢٠٢٠ كانت إتفاقیة بیت متین الصحی فی مدینة دهوك “ساخله‌مخانا مه‌تین” مع قناة تلفزیون الأطفال الأهلیة “هلهلوك” قد بدأت بتطبیقاتها الأولیة فی نشر برنامج أسبوعی خاص تحت عنوان “الشخصیة السلیمة” الذی  كان بیت متین الصحی قد وافق علی إقتراحه من قبل مدیر قناة هلهلوك وذلك بتوفیر محتواه الصحی وفقا للحقائق العلمیة المتوفرة حول تكوین شخصیة الطفل منذ نشوئه فی بطن أمه وحتی بلوغه سن العشرین. فأصبحت جائحة كورونا تحتل حلقات البرنامج وذلك بتوفیر البث المباشر یومیا فی الفترة ٢٤\٣\ – ٢٢\٤\٢٠٢٠. وأصبحت متابعة حلقات البرنامج فی مساء كل یوم توفر فرصة جیدة للأطفال والشباب و الأمهات والآباء وكل من یعمل مع الأطفال أو یعاشرهم بأن یتمكنوا من الإتصال المباشر مع خبراء فی الصحة النفسیة للطفل لوصف خبراتهم والتعبیر عن معاناتهم و التساۆل والمناقشة حول كیفیة مداراة الأطفال  والتعامل معهم بصورة صحیحة فی هذه الأزمة. ومن خلال الإتصال الیومی المباشر مع الناس من خلال البرنامج تمكننا من متابعة مایحدث للناس والأطفال منهم فی هذه الأزمة و ظهر لنا خلال فترة شهر واحد إلتزام الناس بإرشادات الخبراء وتعلیمات السلطات. فتمت السیطرة علی العدوی والحد من إنتشار الوباء فی مدینة دهوك، الأمر الذی أدی إلی إرسال منظمة الصحة العالمیة لوفدها إلی دهوك لتقدیم إعجابها وتقدیرها للمدیر العام لصحة دهوك علی ما قاموا به من جهود وإجرائات جعلت مدینة دهوك الأولی فی العراق فی الإحتفاظ بأقل عدد من الوفیات نسبة للحالات المسجلة یومیا.  وأصبحنا جمیعا نتساءل ونتناقش حول أسباب

هذا الوضع الإستثنائی بالنسبة لما یجری فی العالم من زیادة الحالات والوفیات خاصة بین الأعمار المتقدمة من الرجال والنساء. فإجتمع من خلال الأنترنیت مجموعة من الخبراء والباحثین المحلیین من جامعتی دهوك و زاخو حول تخطیط دراسة علمیة للبحث فی عوامل المناعة فی المجتمع وكیفیة توفیر الوقایة النفسیة للأطفال والشباب لرفع مستوی المناعة ومنع ظهور الإضطرابات النفسیة مابعد الأزمات لدیهم. ولازال الفریق العلمی ماضیا فی دراسته بالرغم من حدوث إنعطاف مباشر فی مسار الوباء فی دهوك نحو زیادة عدد المرضی والوفیات نتیجة لإعلان السلطات المحلیة فی دهوك عن إنتصارها علی الڤیروس وإحتفالها الجماهیری بذلك فی ٢٢ نیسان ٢٠٢٠ مما أدی إلی عزوف الناس بعد ذلك عن الإلتزام بالتعلیمات والإرشادات بسبب إعتقادهم بزوال الوباء والسیطرة علیه.

من المعلومات التی وردت هنا یستطیع القارئ الحصول علی مختصر للدروس والعبر التالیة حول تعامل مجتمع دهوك مع أزمة كورونا. و قد یحتاج كل من هذه الدروس والعبر إلی كتاب كامل بذاته إذا أردنا سرد تفاصیل الموضوع ودراسته من كافة الجوانب بصورة علمیة. فهذه قائمة بتلك الدروس والعبر علی أمل أن تتوفر لدینا الفرصة المناسبة لتألیف كتب مفصلة حولها ترضی القارئ الكریم وتخدم المجتمع:

١- أهمیة مسۆلیة الفرد فی خدمة المجتمع: تجدها فی هذا الرابط: 

٢- الإعتماد علی النفس فی توفیر الأمان.

٣- فعالیة الوسائل السلمیة فی معالجة الأزمات.

٤- إعطاء الفرد حریة الإختیار أفضل من الإجبار و التهدید و الوعید.

٥- التأكید علی أن كل أزمة تحمل معها فرص التغییر والتجدید.

ترید الطاقة الخالقة لهذا الفیروس أن تعیدنا إلی القواعد الأساسیة فی الحیاة ومنها العدالة و المساواة بین الناس، والبقاء للأصلح، والتواضع فی التعامل معها طبیعة كانت أم آلهة.

٢١ \١١ \٢٠٢٠