البعد الاجتماعی للبکاء    – جعفر مایی          

مما لا شک فیه ان البکاء مکون انسانی مهم. یرجع هذا المکون فی اصله الی عملیات کیمیائیة تحدث فی الجسم, وفی الدرجة الاولی فی الجهاز العصبی. اهمیة البکاء کمکون؛ یکمن فی حالته الانسانیة و الاجتماعیة. فالبکاء جزء من السلوك الاجتماعي لإظهار التأثر، الذي بدوره يثير مشاعر مثل التعاطف والرحمة لدى الآخرين. وهو وسیلة فعالة للتعبیر بصدق عما یحدث من العملیات الکیمیائیة اللامرئیة بالعین المجردة. فالطفل الصغیر الذی یبکی عدة مرات فی الیوم یرسل الرسائل ببکائه الی محیطه مستنجدا وطالبا الغذاء والعون و المساعدة.

فی معظم المجتمعات البشریة، یتکابر الرجال، عادة، علی البکاء. ویتکابرون علی التعبیر عن انفسهم بالبکاء فییحاولون تجنبه او إخفائه علی الاقل. یسلک الرجال هذا السلوک، لأن النظرة الاجتماعیة الی البکاء هی نظرة دونیة، تری البکاء دلیل ضعف. والضعف صفة غیر مقبولة للرجل وفق التقییم الاجتماعی الذی نشأت علیه معظم المجتمعات. الا ان الاشخاص الذین لا یبکون ابدا، وفق بعض الدراسات، معرضون للغضب والحزن أکثر من الآخرین. وهم معرضون أیضا للإصابة بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية اکثر من الآخرین. کما ان هٶلاء یفضلون الانعزال بدلا من الاختلاط الاجتماعی مع الناس.

فی سیاق کتابتنا عن البعد الاجتماعی للبکاء یجدر بنا ابراز وظائفه علی الصعیدین الذاتی للشخص المبکی وعلی صعید علاقاته الانسانیة مع  الآخرین، لیتضح لنا عبر ذلک بعده الاجتماعی ونستشف منه تأثیره المتنوع بصورة واضحة.

اولا علی الصعید الذاتی:

  • یشکل البکاء، فی حالته الطبیعیة، المرآة الصادقة التی نری من خلاله صدق المشاعر و درجة تأثر الفرد.  یحدث هذا کنتیجة فعلیة للعملیات الذهنیة التحلیلیة للمعلومة المستلمة عن طریق احد او اکثر من قنوات ایصال المعلومة، وما یرافقها من إفراز لهرمونات تسبب التوتر و صنع الإندورفين ومن ثم إطلاق او فرز مواد کیمیائیة مهدئة.
  • تنظیف العیون. يخلق الدماغ كوكتيلات مهدئة عند البكاء. يرسل المخ مزيجًا من الإندورفين[1] ومسكنات الألم لتهدئة القزحية. عند البكاء ، يبدأ الجهاز العصبي في تنشيط نظام الدموع بأكمله. إذ تنتج الغدة الدمعية، الموجودة بين الجفن والعين، الدموع. أثناء الرمش تنتشر الدموع بشكل متساوٍ فوق العين، ثم تصب في القناة الدمعية التي تؤدي إلى الأنف.
  • یشعر الانسان بعد البکاء بنوع من التحسن فی حالته الشعوریة. فیشعر بالهدوء الذی یدخل الانعاش الی الروح و الی الجسد.
  • البکاء یساعد فی معالجة الاکتئاب الخفيف ، إذ من المعلوم أن البكاء يساعد بالفعل الاشخاص الذین یسعرون بالاکتئاب الخفیف. اما فی حالة الاكتئاب العميق یصعب علی الشخص المصاب البکاء، بدون مساعدة. الشخص المعالج، هو الذی یدفع المصاب الی البکاء بتقنیة حواریة خاصة. و”ما ان ینطلق المصاب ببکائه حتی یشعر بالرحة علی أثر ذلک”[2].

ثانیا علی صعید العلاقة الانسانیة مع الآخرین:

  • البکاء طریقة أنسانیة للتواصل الاجتماعی فهو بمثابة رسالة لطلب العون المادی من محیطه الاجتماعی. الطفل الرضیع یعبر عن حاجته الی االعون والمساعدة لازالة الم او ازعاج یشعر به، او طالبا الغذاء نتیجة شعوره بالجوع. فی هذه الحالة للبکاء وظیفة إجتماعیة، فالطفل ببکائه یرسل الرسائل طالبا عون الآخرین لاسعافه فی تلبیة حاجته.
  • الراشد حاله حال الطفل، دموعه هی إشارة مادیة اجتماعیة وان کانت نتیجة عملیات کیمیائیة ذهنیة فی الاساس. فحین لا یخفی بکائه فإنه یجعل من دموعه رسلا یحملون خطابا الی الآخرین یفصحون عن حاجة الفرد الی تعاطف الآخرین و مساعدتهم.
  • البکاء اداة لإنشاء العلاقة الانسانیة الصادقة بإعتباره یحرک ذهنیة المحیط الاجتماعی ویثیر فیه التعاطف الذی یمهد الی بناء العلاقة الاجتماعیة علی اساس إنسانی جدید.
  • وسیلة لابداء الضعف من زاویته الاجتماعیة و الاعتراف به بدلا من المکابرة.
  • کما ان البکاء وسیلة دفاعیة امام الجبروت و التسلط للحد من إستعمال القوة و العنف. فکم من دمع اثارت الشفقة الانسانیة المختبئة واخرجتها من ظلمات حقد و کراهیة المتسلط الظالم. إذ ان الانسان مهما کان قاسیا وظالما، لا تموت فیه حالته الانسانیة وتبقی تحتفظ ب ومیض ولو ضعیف جدا من الانسانیته الحقیقیة، التی من شأن دمع المظلوم ان تلامسه فتشرقه من جدید. فتسنح فرصة تمهیدیة لانشاء علاقة اجتماعیة من نوع یحفظ للظالم ماء الوجه فی إطار من المصلحة .

[1]  الإندورفين بالإنجليزية Endorphin وهو هرمون يتكون من مادة موجودة في الجهاز العصبي للبشر والحيوانات.

مشروع المعرفة، ویکیپیدیا.

[2] Lisa Pousette. Bild: Privat. Alla.se