فساد المادة (١٤٠) من الدستور – جعفر مایی

 

إننا نری بأن المادة (١٤٠) من الدستور قد سببت الکثیر من التشنج السیاسی و الاجتماعی. ونری المادة فاسدة فی محتواها القانونی و الاجتماعی و السیاسی. بدلیل:

  • جاء فی الفقرة الاولی من المادة: “تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (٥٨) من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراته”. هذا یعنی ان الدستور یستند علی قانون معین. قانونیا هذه الصیاغة غیر سلیمة. لأن الدستور هو الاساس. من المفروض ان تستند القوانین علیه ولیس بالعکس.
  • اما الفقرة الثانیة فقد نصت: “المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية والمنصوص عليها في المادة (٥٨) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستورعلى ان تنجز كاملة (التطبيع، الاحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة اقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الاول سنة الفين وسبعة”. ینقل الدستور فی هذه الفقرة المسوٶلیات بین هیئات تنفیذیة ویحدد الآلیات. هذا السیاق لا یتماشی مع السیاق الذی یفترض ان یکون علیه الدستور. لأن الدستور لیس من شأنه تحدید الآلیات، إنما یحدد الإطار العام. القوانین هی التی تحدد الآلیات.
  • الدستور بإعتباره إطارا دائمیا عاما للقوانین لا یفترض فیه التعامل مع الزمن فی فقراته، لکنه یفعل ذلک کما هو واضح فی الفقرة الثانیة. ویحدد الزمن بشکل نصی دقیق. ان دل هذا علی شیء فهو یدل علی نیة سیئة ضمنیة بإعتبار ان قضاء المدة المقررة یبطل وینهی جواز العمل بالمادة. زرع النوایا السیئة فی الدستور عمل فاسد. یفسد الدستور و یفسد القوانین التی تشرع علی ضوئه.
  • تضمنت الفقرة الثانیة المصطلحات “التطبیع، الاحصاء، الاستفتاء” جمیعها لیست إلا آلیات، والدستور کما اسلفنا لیس من شأنه تحدید الآلیات. هذا ناهیک عما یتضمنه مصطلحا “التطبیع” و “الاستفتاء” من بعد سیاسی و اجتماعی لئیم و قذر. فالتطبیع معناه اعادة العوائل التی اسکنتهم حملات التعریب فی محافظة کرکوک الی محل سکناهم الاصلی. هدا یعنی العمل ب مبدأ (اعادة القدیم الی قدمه). وهو مبدأ طفولی تبنته الذهنیة القبلیة لضحالة مهاراتها فی ایجاد سبل افضل للتعامل مع الحدث. الفقیه القانونی الکوردی ربما اراد ان ینتقم من العوائل التی ناصرت و شارکت فی حملات التعریب السیئة. الدستور الذی یبیت الانتقام یکون دستورا فاسدا.
  • لیس من حق جیل ان ینوب عن التأریخ و عن الاجیال القادمة لیحدد هویة وطن عبر الاستفتاء. فکما انه لیس من حق اهل الحلة تحدید هویة محافظة بابل إن کانت جزءا من الوطن الکوردی او جزءا من العراق العربی. کذلک لا یحق لاهل السلیمانیة ان یمنحوا محافظتهم هویة غیر هویتها. بنفس المستوی لا یحق لأهل کرکوک ان یفعلوا ذلک. کرکوک لیست مشکلة اداریة لکی یستفتی علیها. إنها قضیة هویة و کرامة شعب. المرحوم البارزانی ضحی بثورته و سمعته فی سبیل المحافظة علی الهویة الکوردستانیة لکرکوک. الاقرار بالاستفتاء، قبل کل شیء، یعنی المشکوکیة فی هویة کروک. هذه المادة الدستوریة خلق ازمة اضافیة بین الشعب الکوردی والتیارات السیاسیة العربیة. ولم یساعد علی حل المشاکل المعلقة. تحدید آلیة الاستفتاء لتقریر مصیر محافظة کرکوک هو تملص و تهرب السیاسیین من المسوٶلیة. فألقوا بالکرة امام فقهاء القانون. فإجتمعت النوایا السیئة لفقهاء القانون من الکورد و العرب و بیتوها فی مصطلحات لغویة.
  • اراد الفقیه الکوردی ب “التطبیع و الاستفتاء” ان یلحق الهزیمة بالعرب و ینتقم بشکل خاص من العوائل التی سکنت محافظة کرکوک تحت ستار التعریب، وذلک عن طریق فرض اعادتهم الی محل سکناهم الاصلی قسرا. بینما زرع الفقیه القانونی العربی قنبلته الموقوتة بتحدیده لمدة نفاذ المادة الدستوریة. وکل فقیه، فی قرارة نفسه، یضحک علی الآخر. والنتیجة النهائیة هی؛ ما بنی علی الباطل باطل. و ما ینبت من الفساد الا الفاسد. لذلک تبقی کرکوک ضحیة فکر قبلی متخلف. و ضحیة دستور یضم الکثیر من الضعف و التناقض والفساد فی البعض من بنوده. کما تبقی کرکوک شاهد حی علی ضعف القدرات الفکریة للسیاسیین العراقیین من العرب و الکورد وضحالة مهاراتهم الاجتماعیة.

2 Comments on “فساد المادة (١٤٠) من الدستور – جعفر مایی”

  1. الفاضل الاستاذ جعفر مايي المحترم،
    شكراً على هذا التوضيح الجريء الواضح في معظم تجليات هذا الدستور الخرق وما خلّف من مشاكل ليس لها آخر. في رأيي المتواضع فإن الفقرة الدستورية بكاملها تعاني من العوق، ألا وهو أن المناطق المشمولة في هذه المادة التي جلبت لنا الويلات وما يسكن عليها من بشر أصبحت ضحية المهاترات السياسية وكما سميتها جنابك بالفاسدة. فالمناطق (أعني الجغرافية)، لا تخضع للتغيير بسبب تغيير ديموغرافي سكاني سببّها ظرف سياسي في وقت معين، وإنما يكمن الحل في إعادة المهجرين اليها بقرار سياسي إلى حيث ما كانوا ويبقى الأرض (المناطق أو الجغرافية) كما هي. وهنا أصبح الأرض (الجغرافية والسكان الأصليين) ضحية لظروف سياسية ومرحلية فاسدة.
    هنا أريد أن أقول: هل تعاملت السياسة الكردية مع حالة التعريب على أساس إعادة المهجرين إلى حيث أتو منه أم طالبوا بالأرض بحجة التعريب؟ ألم يقم الساسة الكرد والتركمان والعرب الشيعة تحديداً بنفس سلوك النظام السابق وكل قام بتغيير ما أمكن في ديموغرافية المناطق التي أصبحت تحت أمرتهم في عموم العراق؟ إذن مَن يصلّح ما أفسده الساسة ما بعد 2003؟
    لذلك سيستمر الخطأ وستدفع الأقليات على الأغلب كل تبعات هذا السلوك المنحرف من كل الساسة العراقيين بدون استثناء، حيث لم يستقم أحد في سلوكه السياسي مع الوعود التي تبنوها قبل عام 2003. ولقلمك كل الاحترام

  2. اخی العزیز علی سیدو رشو
    بعد تقدیم جل إحترامی. السٶال الذی تفضلتم بطرحه سٶال وجیه ویستحق الجواب. لکننا مهماطرقنا الابواب سواء فی جنوب الوطن او فی أقلیمه الدستوری، فلن نفوز بالجواب. لأن الذهنیة السیاسیة العراقیة بشکل عام هی ذهنیة غیر مدنیة. الامر الذی یمنعها من الارتقاء الی مستوی المسوٶلیة والاقرار بالخطأ. سبق و نشرت ستة حلقات عن موضوع الفساد الذی سببه الاساسی الذهنیة ذاتها. العراق لا ینقصه شیء الا الذهنیة المدنیة القادرة علی ادارة شوٶنه بآلیات فکریة مدنیة. ادارة البلاد بعلقلیات عنصریة، عشائریة، قبلیة لا تنتج بطبیعة الحال الا التعریب و التکرید و عباد الشخص و الطائفیة والتشرذم. مکررا جل إحترامی لشخصکم الکریم و بقیة القراء الافاضل.

Comments are closed.