الفقر و الغنی وجهان لعملة واحدة – جعفر مایی

 

قد یشفق الفقیر علی نفسه لما یعانیه من الضغوطات الناتجة عن الفقر الذی هو فیه. وقد یحسد الفقیر علی الغنی لما له من رغد العیش. قد یحدث العکس. فیحسد الغنی علی الفقیر لقلة مشاکله و ندرة همومه. والحقیقة ان الاثنین یبحثان عن السعادة فی حیاتهما. والسعادة لیست بالغنی ولا بالفقر. السعادة قد تکون مسألة نسبیة و تختلف من شخص الی آخر. السعادة فی فی بعدها الاجتماعی هی المشاعر الطیبة التی تفیض بها حیاة الانسان وأنسه. اما ما یخص الفقر و الغنی فهما لیسا الا وجهان لعملة واحدة. هذا هو الموضوع الذی اود بحثه هنا و لو بشکل مقتضب.

اری الفقر و الغنی، وجهان لعملة واحدة و اری الفقیر و الغنی یعیشان السوء ذاته. هذا الامر مرهون بطریقة تفکیرهما. لکننی اری فی الوقت نفسه إنه لیس بالضرورة ان یعیش جمیع الفقراء سوء الفقر. ای لیس بالضرورة ان یکون جمیع الفقراء مستائین من فقرهم. لعل الفقیر ینعم بالحیاة السعیدة مادام یملک الکفاف. و لهذا قالت العرب. “القناعة کنز لا یفنی”.

بٶس الفقیر فی فکره. ولیس فی شحة ماله او قلة ممتلکاته. فإن کان یفکر فی فقره بشکل سلبی فإن تفکیره هذا یسبب لە المشاعر السلبیة کالشعور بالحرمان او العوز او سوء الطالع و ما شابه ذلک من المشاعر التی تثیر فیه الحزن و القلق. فتجر علیه حالة من الکآبة و تزیل عنه الشعور بالفرح و السعادة.  هذا النوع من التفکیر یدفع بالفقیر الی دوامة تجدد نفسها بنفسها. حیث التفکیر السلبی یولد المشاعر السلبیة والمشاعر السلبیة تولد افکار سلبیة و هکذا یصبح الوضع کدوامة تتجدد بإستمرار. و النتیجة بهذا الشکل هی ان الفقیر یغلق الابواب و المنافذ علی نفسه فیجتر الحرمان و المعاناة.

ولکن فی حالة إذا انطلق الفقیر بفکره من مقولة “القناعة کنز لا یفنی” فسیختلف الامر و تختلف النتائج بشکل آخر. فی هذه الحالة لا یقارن الفقیر حاله بحال الآخرین المیسوری الحال. انه یرکز علی مالدیه من الکفاف. وینظر الیها کهبة ذات قدر. بهذا الشکل من التفکیر یصنع مخه هرمونات مهدئة بدلا من انتاج هرمانات تسبب الحزن. فالتفکیر بکل صوره، عبر عملیات ذهنیة معقدة، یتحول الی مادة کیمیائیة. و ینتقل الی الجسم عبر شلالات من الذبذبات الکهرومغناطیسیة فیتأثر الجسم بها و یستجیب لها کما یجب. ای یستجیب لها وفق محتواها الکیمیائی. تکرار العملیة ذاتها، کیفما کان محتواها، یجعل الجسم یألفها و یخزنها و یتعود علیها.

الفقیر الذی یجنب نفسه من شرور افکار و مشاعر الفقر السلبیة محتمیا بمقولة القناعة الآنفة الذکر یستطیع التمتع بالحیاة و الشعور بالفرح و الغبطة و السعادة. لکنه، فی نفس الوقت، یغلق ابواب التطور علی نفسه وهو لا یدری. انه یفکر بطریقة استسلامیة کأن الفقر قدره المقدر له. وعبثا ان یحاول تغییر القدر. هذا شکل آخر من اشکال التفکیر السلبی.

الفقیر الذی یقنع نفسه بمضمون القناعة کنز؛ یحرم نفسه من الاستمتاع بالتفکیر الطموح. ویسد ابوب الفرج علی نفسه. التفکیر الطموح یجعل الفقیر یشعر بسعادة حال الغنی قبل وقوعها. ای انه عندما یفکر بکیفیة الخروج من حالة الفقر و بلوغ حالة الیسر فأن التفکیر فی هذا السیاق یبعث فیه المشاعر التی یسببها الیسر فی حالته الواقعیة. هذا التفکیر النوعی و ما ینتج من المشاعر الطیبة یدله فی نهایة المطاف الی العثور علی الآلیة التی توفر له المال و تحقق له الیسر المالی. ناهیک عن ان العملیة هی فی الاساس عملیة ذهنیة.

اما بخصوص الغنی، فحاله حال الفقیر. لیس بالضرورة ان یعیش جمیع الاغنیاء شقاء جشع الغنی. الا ان نمطه الفکری یمکن ان یسبب له عدم الشعور بالراحة و السعادة کما یفعل تفکیر الفقیر بالفقیر. ای من الممکن ان یعیش الغنی بٶس فکره الذی قاده الی الجشع. فالجشع یدفع بحاله الی حالة غیر مریحة قائمة علی القلق وعدم الاطمئنان. کلما زاد غناه کلما هلع جشعه من خوف دفین یسأله المزید و المزید من المال. فیعانی بذلک الشقاء و احیانا الذل فی بحثه و لهثه وراء الحصول علی المزید من المال. کما ان التفکیر فی المحافظة الضامنة علی ما یمتلک من المال یٶرقه و یضغط علیه ویمنعه من الانتفاع الرغید  بماله. التفکیر فی امکانیة ضیاع المال من ناحیة و التفکیر فی الحصول علی المزید منه، ای من المال، تبعث فی الغنی المشاعر السلبیة کالقلق والخوف الدفین فیسببان له الارق و عدم الشعور بالراحة.

نستلخص فی النهایة الی ان فکر الفقیر هو الذی یخلق حالة الفقر الذی هو فیه. لکنه فی غفلة من امره. إنه لا یدری بأن فکره هو الذی یدر علیه الفقر. کما ان فکر الغنی هو الذی یجلب له غناه ویجلب له فی الوقت نفسه شقاء الجشع . بمعنی ان حالة الغنی و الفقر انعاس للطریقة الفکریة التی هی العملة الاساسیة ذات الوجهین المختلفین. وجه یعکس الغنی و الآخر یعکس الفقر. و بهذه المناسبة لا یسعنی الا ان اقول للفقیر الذی یرید تغیر حاله، علیه ان یتعلم ان یفکر بطریقة جدیدة، طریقة لم یألفها. وهی عملیة سهلة و غیر معقدة. و ما ان یفعل ذلک حتی یری الوجه الآخر للعملة تکشف له عن نفسها.

One Comment on “الفقر و الغنی وجهان لعملة واحدة – جعفر مایی”

  1. ونظرة الاسلام الى الغني الشاكر والفقير الصابر
    كان سيدنا المسيح عيسى ابن مريم عليها السلام كان من افقر الناس ولكنه كان سعيداً في حياة الدنيا رغم ذالك انه كان وجيها في الدنيا والاخرة من المقربين يكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين وان مثل عيس كمثل ادام خلقه من التراب ثم قال كن فيكن……
    السعادة عند الفقير هي ان تصبح غنيا والسعادة عندي الغني هي ان يصبح فقيرا، انت مع او ضد هاي المقولة؟

    https://www.youtube.com/watch?v=dbbz1s62K4o

    وأن الله تعالى قسَّم أرزاقَ العباد، ورفع بعضَهم فوق بعضٍ درجات، ثم بيَّن أنهما ابتلاءٌ من الله تعالى لعباده، كما ذكر العديد من الآداب التي ينبغي أن يتحلَّى بها الفقير، مُبيِّنًا فضل الفقير الصابر عند الله – جل وعلا

    الغِنى والفقر ابتلاءٌ من الله تعالى لعبادِه، يُوسِّعُ على هذا ويهَبُه الخيرات؛ ليسمعَ حمدَه وشُكرَه، أو يتجبَّرُ ويطغَى. ويقدِرُ على آخر رِزقَه ويمنعُ عنه شيئًا من الدنيا؛ ليمتحِنَ صبرَه ورِضاه، أو يُعلِنُ تسخُّطَه وجزعَه، قال الله تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35].
    وعجبًا لحال المؤمن؛ إن أصابَته ضرَّاءُ صبرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَته سرَّاءُ شكرَ فكان خيرًا له، فهو بين مُطالعة الجناية ومُشاهَدة المنَّة، يصبِرُ ويشكُرُ والله أعلمُ بحالِه منه، (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].
    التفاوُتُ في الرِّزق هو الذي يُسخِّرُ هذا لذاك، ويُسخِّرُ ذاك لهذا في دورة الحياة، قال الله تعالى: (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا) [الزخرف: 32].
    أي: ليستعملَ بعضُهم بعضًا في حوائِجِهم، فيحصُلُ بينهم تآلُفٌ وتضامُن؛ يُسخِّرُ الأغنياءُ بأموالِهم الأُجراء الفُقراء بالعمل، فيكونُ بعضُهم سببًا لمعاشِ بعضٍ: هذا بمالِه، وذاكَ بأعمالِه.
    وقد يكونُ الفقرُ هو الخيرَ للعبد، قال الله تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) [الشورى: 27]؛ أي: لشُغِلوا عن طاعته، وحملَهم ذلك على البغي والطُّغيان والتجبُّر على الخلق، قال الله تعالى: (وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ).
    وإذا ابتُلِي العبدُ بالفقر فإن الصبرَ أجلُّ عبادةٍ في هذا المقام، ومن ضاقَ رِزقُه، وخشُنَت عيشتُه، فلا يضيقُ صدرُه، ولا يتنكَّدُ في حياته؛ فإن معيشةَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وجُلِّ أصحابه كانت كفافًا، ومتاعُ الدنيا القليل الزائِل لا يستحقُّ الأسَى والحُزن على فواتِها، وحتى تهدأَ النفسُ وتعرفَ قدرَ نعمة الله تعالى عليها، وتُؤدِّيَ شُكرَ الله.
    جاء التوجيهُ النبويُّ في قول رسولِنا الكريم – صلى الله عليه وسلم -: «إذا نظر أحدُكم إلى من فُضِّل عليه في المال والخلق فلينظُر إلى من هو أسفلَ منه ممن فُضِّلَ عليه». وزاد مسلمٌ في روايته: «فهو أجدرُ ألا تزدرُوا نعمة الله عليكم».
    لقد دعا الإسلامُ الفقراء خاصَّةً كما دعا الأغنياء، إلى أن يُربُّوا أنفسَهم على غِنى النفس، بكبحِ جِماحها، وتهذيبِها لتصِل إلى القناعة والرِّضا بما قسَمَ الله ولو كان يسيرً

    علي بارزان
    09 05 21 20

Comments are closed.