الاكراد واللعبة السياسية في تركيا- بقلم: مصطفى باكو

 

منذو انطلاقة الحركة التحررية الكردية الحديثة بزعامة حزب العمال الكردستاني في كردستان الشمالية ( شمال شرق تركيا ) كان النضال الكردي يسير على مسارين مختلفين يكملان بعضهما البعض المسار الاول هو الكفاح المسلح الذي يقوده حزب العمال الكردستاني بانطلاقة 15 آب 1984 والتى كانت الانطلاقة الفعلية لهذه الحركة التى رفعت شعار استقلال كردستان واقامة كردستان الكبرى الموحدة وهذه الاهداف هزت كيان الدول المحتلة لكردستان وجعلها تدق ناقوس الخطر لانها لاول مرة في التاريخ الكردي الحدي.

وبدأت هذه الدول بمحاربة هذه الحركة ومن خلالها محاربة تطلعات الشعب الكردي والقضاء على الشعور القومية عنده بشتى الطرق والوسائل الممكنة ولكن هذه الحركة استطاعت ان تلعب على التناقضات الاقليمية بين هذه الدول المحتلة لكردستان وتجذب الاوساط الشعبية الكردية حولها وخاصة الطبقة الفقيرة والكادحة.

اما المسار الثاني هو النضال السياسي الذي كان يقودها الاحزاب الكردية الكلاسيكية التى تاسست في بداية الخمسينات من القرن الماضي بيد الطبقة الكردية المثقفة والتى كانت ضعيفة وهشة تبحث لها عن موطئ قدم لكن هذا المسار لم يستطيع ان يتقن اللعبة بالشكل الصحيح لضيق هامش الحرية والتى كانت شبه معدومة في هذه الدول وفي ظل الملاحقات الجنائية والبوليسية والتضيق عليهم وزجهم في السجون ولكن رغم كل ذلك استطاعت هذه الاحزاب ان تنتعش قليلا لان الكفاح المسلح احيى من جديد الشعور القومي الكردي ولكن هذا الانتعاش كان بطئ وضعيف لضعف اداء هذه الاحزاب والصرعات فيما بينها ولخفض سقف مطالبها التى لاتمثل مطالب الجماهير الكردية التواقة للحرية والاستقلال وهذه مطالب التى كانت تترواح بين الحقوق الثقافية والحكم الذاتي وهو اعلى سقف لمطالبها.

وبعيداً عن الاحزاب الكردية الكلاسيكية  في فترة التسعينات ظهرت احزاب ديمقراطية تركية ذات ميول كردية اي تتبنى دمقراطة تركيا والاعتراف بحقوق الاقليات وعلى رأسها حق الشعب الكردي وخاصة بعد تنامى الوعي القومي الكردي هناك نتيجة الكفاح المسلح.

وهذه الاحزاب رغم طابعها التركي الا انها كانت تحارب ايضا من قبل الانظمة التركية المتعاقبة وكان يتم حلها الواحدة تلو الاخرى ويزج بقادتها في السجون واخر هذه الاحزاب هو حزب الشعوب الديمقراطي وتهمة هذه الاحزاب جميعها هي واحدة لاتتغير وهو تقويض اركان الدولة وتقسيمها وصلات هذه الاحزاب مع حزب العمال الكردستاني.

واليوم اردوغان شغله الشاغل هو محاربة الاكراد في الداخل والخارج لان الاكراد هم الوحيدين في المنطقة يقفون بجدية امام اعادة امجاد الامبراطورية العثمانية التى انهارت واندثرت في سنة 1909م بسقوط عبد الحميد الثاني، على يد الضباط الأتراك القوميين وعلى رأسهم مصطفى كمال اتاتورك.

والاكراد اليوم يشكلون اكبر عائق امام اطماع اردوغان لتنصيب نفسه زعيم الامة الاسلامية لانهم يشكلون اكبر كتلة بشرية قومية منظمة في تركيا وعدم حل المعضلة الكردية ستبقى الدولة تتخبط في ازاماتها، ومركز هذه المقاومة هي في تركيا حيث يوجد 20 مليون كردي مسلم.

واخيرا بعد ان تيقن اردوغان بان حلمه باعادة امجاد الامبراطورية العثمانية قد تبخر وبانه سوف يخسر حتى الانتخابات الرئاسية في 2023 وسوف يرحل عن السياسة للابد فما كان عليه الا ان يزيح الاكراد من طريقه لاضعاف المعارضة التركية لعلى وعسى ان يفوز بالانتخابات القادمة لذلك بدء بزج قيادي حزب الشعوب الديمقراطي بالسجون منذو سنوات واخيراً تم رفع قضية ضد الحزب وضد 451 شخص من قيادي الحزب من اجل اغلاق الحزب ومنع هؤلاء القادة من ممارسة السياسة والدخول في الانتخابات القادمة وتهمة الحزب كما هي العادة هو السعي إلى ” تدمير وحدة الدولة “، وبالتالي كسر ركيزة أساسية من أركان الدستور والتواصل مع ب ك ك.

وهذه ليست نهاية المطاف بالنسبة لحزب الشعوب الديمقراطي لان الكرد اتقنوا فن اللعبة السياسية في تركيا ويوجد امامهم خيارات اخرى مختلفة يمكن اللعب عليها على حسب مسار سير القضية في المحاكم التركية. ومن اسوء هذه الخيارات اذ لم يفلحوا في الحفاظ على الحزب هو حل الحزب نفسه لإسقاط الدعوى وتأسيس حزب جديد، أو الانضمام إلى حزب المناطق الديمقراطية الموالي للأكراد وهو الارجح او الانضمام لحزب سياسي اخر وهناك تسريبات تقول بان الحزب المرشح لانضمام اعضاء حزب الشعوب الديمقراطي له وسيرشحون على قائمته هو حزب الشعب الجمهوري ولكن يبدو هذا الخيار مستبعد بنظر المحللين السياسين بسبب تحالف هذا الحزب مع الحزب الصالح القومي اليميني الذي يرفض ذلك.

ولهذا لايجب على اردوغان يفرح وينتعش كثيراً لان الكرد سيبقون له بالمرصاد ولن يحقق حلمه بالفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة وخاصة مسلسل الانهيارات الاقتصادية مازال مستمراً دون ايجادل حلول لها الى جانب العزلة الدولية التى تخنقة نتيجة سياسته المتهورة.

 

سراييفو 26.06.2021

 

4 Comments on “الاكراد واللعبة السياسية في تركيا- بقلم: مصطفى باكو”

  1. سلمت يداك…
    لا يهم الكورد في الشمال اي تيار تنتمي اليه، سواءا كنت اسلاميات، شيوعيا، اشتراكي ام كورديا قوميا… اهم شيء لدى الطبقة المثقفة هي ايديولوجيا كوردايتي التي يناضلون جميعا تحت رأيتها وخم بخبرتهم ونضالهم منذ عقود، يتقنون الحيل القانونية التي تلجأ إليها القوميين الأتراك واردوغان. وكل التنازلات التي تقدمها تركيا للكورد في الشمال هي بفضل النضال المسلح وذكاء الطبقة السياسية الكوردية في الداخل.
    على كورد روزافا وحتى الجنوب أن يحذوا حذروا نضال إخوتنا في الشمال ويقومها بوحدة الصف المبني على الكوردايتي وتوحيد الاداريين وقطع العلاقات الحزبية مع دول الجوار التي تستخدم الاحزاب لخدمة اجنداتهم الكماهضة للكوردايتي الأصيلة…

    1. قراءتك لاوضاع كرد الباكور صحيحة ولقد خرج من بينهم قيادات شابة وطنية استطاعت ان تتغلب على السياسيين الترك ومن اهم هذه القيادات السيدة ليلى زانا وخطيب دجلة وصلاح الدين دمرتاس وغيرهم الكثيرون الذين يجيدون اللعبة السياسية ويقارعون الاعداء في عقر دارهم وتحت قبة مجلسهم وعلى اساس دستورهم.
      اما فيما يتعلق بجنوب كردستان كما يقول المثل اهل مكة ادرى بشعابها وانت ابن الجنوب تعرف مشاكل الجنوب خيراً مني وتعرف اسباب هذه المشاكل لهذا كل مايقوله ابناء الجنوب فنحن معهم ولقد أصبت عين الحقيقة عندما قلت على كورد روزافا وحتى الجنوب أن يحذوا حذروا نضال إخوتنا في الشمال ويقومها بوحدة الصف المبني على الكوردايتي وتوحيد الاداريين وقطع العلاقات الحزبية مع دول الجوار التي تستخدم الاحزاب الكردية لخدمة اجنداتها المناهضة للكوردايتي الأصيلة…

  2. بعد تقدیم خالص تحیاتی
    اری فی مقالتکم تعبیرا صادقا فی محبتکم لشعبنا. کما اری فیه کنزا من الثقافة. تزامن نشر مقالی”ترکیا فی قبضة الکورد” یعبر عن الموضوع ذاته ولکن بشکل مختلف. انا اری فی ثورة الشمال، رغم رونقها ودقة تنظیمها وقدرتها الفائقة علی تعبئة الشباب المضحی، اری فیها ضعفا استراتیجها وهو افتقارها الی برنامج سیاسی واضح. لکننی فی الوقت ذاته لا اری سببا مقنعا لیبقی هذا الضعف یستمر عشرات السنین. القضیة الکوردیة قضیة سیاسیة ولا بد ان تمتلک برنامجا سیاسیا یفهمه المخالف قبل المعاضد. متی تم ذلک، ای متی اعلنت الثورة عن برنامجها السیاسی المعزز بالهدف الواضح، اری الوضع سیتغیر تغیرا ایجابیا و بوتیرة سریعة.

    1. الاستاذ جعفر مايي مع الاسف الشديد لم أقراء مقالتك ولكن اوعدك بانني سوف اقرأها بتمعن من اجل الإستفادة من معلوماتك القيمة في المرات القادمة والتى استطعت ان ألمسها في تعليقك الذي يعتبر اضافة مكملة لمقالتي.
      وبكل الاحوال وكما هو معروف الذي يكتب مقالة صحفية لايستطيع الإلمام بكل جوانب الموضوع لعدة اسباب منها حتى لاتكون المقالة طويلة وايضا من اجل ان يفسح المجال للتعليقات والنقاشات المفيد التى يغني المقال ويكمله، وايضاً الإلمام بكل جوانب الموضوع يجعل المقالة عبارة عن دراسة.
      اتفق معك في كل ماذهبت اليه وهذه شهادة افتخر بها.

Comments are closed.