دراسة عن سلبيات ادارة التعليم العالي في دهوك- الجزء الرابع –    دكتور عبدالعزيز رشيد   –   م. حاتم خانى

 

مناهج

المؤسسة التعليمية مؤسسة مهمة وحساسة  في المساهمة في بناء المجتمع لانها تهيئ العنصر الفعال في هذا البناء وهو الطالب المتخرج والمتسلح بالعلم ومعرفة لبنات بناء هذا المجتمع , وهذا العلم وهذه المعرفة تدرّس وتمنح لهؤلاء الطلبة وفق منهج تم اعداده من قبل خبراء ومختصين في مجالات التعليم , لهذا فعند تغيير او تبديل او تعديل اي منهج او اي قسم او اي كلية فان ذلك يجب ان يتم على نفس الاسس التي تعتمدها المؤسسات العالمية او على الاقل المؤسسات المشابهة او اذا كنا واثقين من اجراءاتنا وخطواتنا فيجب ان تتم وفق نفس السياقات التي اعتمدت سابقا, ومن بديهياتها هو تشكيل لجان وتكليف خبراء ومختصين كل حسب المجال الذي يتم التعامل معه واعداد دراسة شاملة تستوفي كل الاطر وكل الجوانب المتعلقة بذلك الموضوع ثم يتم رفعه الى جهات ارفع لتدقيقها والوصول الى قناعة تامة بصواب وصحة الدراسة تلك قبل طرحها للمناقشة امام ذوي الشأن ايضا ثم المصادقة عليها ,

الذي نراه على الاغلب هوالقيام باصدار وتطبيق القرارات او التعليمات الجامعية دون وجود لجان او خبراء او اختصاصيين في المجالات التي تتطلب التغيير او التبديل او التعديل  وانما قد يقوم فرد واحد من احد الوحدات الادارية او العلمية في الجامعة بتغيير منهاج احد الاقسام او جزء منه , او اضافة مادة علمية او الغاؤها دون بحث وتقصي عن مدى الملائمة او مدى بعدها عن الاختصاص في ذلك القسم . او يتم تكليف البعض من غير المتخصصين لاداء هذه المهام  يعرف عنهم بانهم غير مبالين او حريصين على تطوير العملية التعليمية والنتائج التي يمكن ان تتولد منها . ولكي نكون قريبين من هذه الصورة ولكي نكون على بينة مما يحدث نتيجة التصرفات والنزوات الشخصية لبعض مسؤولي الجامعة , فقد استدعى احد العمداء  رئيس قسم وامره بالغاء احدى المواد العملية من المنهاج الدراسي , كونه قد اختلف مع استاذ تلك المادة !!!!هكذا بكل بساطة يغير مسقبل الطلاب لكي يعاقب استاذ.

ومثال آخراقرب تم في هذه الايام , حيث تم الاستفسار هذه الايام  عن احدى المواد التي كانت تدرس في السنوات الماضية من قبل استاذ للاسف لم تكن المادة ضمن تخصصه كما لم تكن لديه دراية كافية او معرفة تامة بتفاصيل تلك المادة . وفي نفس الوقت لم يكن العميد ملما بتلك المادة ايضا بسبب عدم تخصصه لادارة تلك الكلية في الاصل لذا فقد كان جاهلا ببرنامج ومنهاج تلك المادة علما انه كان يعتبر استاذ تلك المادة من كبار الاختصاصيين , فهذا هو الحال , فلا الاستاذ مختص بالمادة ويقوم بتدريسها ولا العميد يفهم ما هي تلك المادة ,  ومع ذلك عندما تم السؤال عن تلك المادة لكي يخصص لها محاضر لهذه السنة ايضا اتضح ان مسؤولاً (عميد, رئيس قسم,او ….) قام بالغاء المادة من مناهج هذه السنة بجرة قلم دون الرجوع الى السياقات العلمية او العودة الى التعليمات المطبقة في مثل هذه الحالات , واتضح لذلك المسؤول الذي قام بالغائها الان وبعد عدة سنوات من تدريسها ان هذه المادة لم تكن تتلائم مع هذا القسم او انها غير مهمة . وهكذا تم تدريس مادة كل تلك السنوات من قبل استاذ ليس من اختصاصه ويتضح فيما بعد انها ليست من ضمن مناهج ذلك القسم !!!!!!

وهنا المشكلة ليست في الصحوة التي بدأت بعد هذه السنوات ولكن المشكلة ان المادة تم اقرارها ومن ثم تم الغاؤها من قبل شخص واحد او شخصين, مع ان هذه العملية يجب ان لا تتم من قبل فرد واحد مهما كانت صلاحياته ولكنها تتم من قبل لجنة علمية يتم تشكيلها بحيث تكون مرتبطة او قريبة جدا من اختصاص ذلك القسم الذي يتم الغاء المادة منه . هذه هي بعض الهفوات التي يقوم بها بعض العمداء الذين يتواجدون في المكان الخطأ في زمن تم اختياره من قبل البعض الذين يظنون ان لا مثيل قد ولد مثلهم في هذا الزمان.

في هذا الزمن من عمر الاقليم تعتبر المناهج العلمية من اكبر المشاكل التي يواجهها التعليم الاكاديمي في جامعات دهوك , فهي اما قديمة لا تتلائم مع المستجدات الحاصلة على التعليم في كل المؤسسات التعليمية الدولية , او انها ضعيفة البنيان وغير مشبعة بتلك المعلومات الضرورية التي عليها تغطية الاهداف التي من اجلها تم وضع هذا المنهاج ,

في السابق كان كل قسم من الاقسام التعليمية التي ورثناها من الحكومة العراقية يحتوي على كراس فيه منهاج القسم بصورة كاملة ومفصلة تم وضعه وتأليفه من قبل مختصين بذلك القسم يضم بين دفتيه كل المواد التي يتم تدريسها بصورة مفصلة ودقيقة لاتترك الاستاذ في حيرة من امره وهو يبحث عن المواضيع المتعلقة بمادته , وحتى ضمن الحصة الواحدة فان المنهاج قد احتوى على التفاصيل التي يجب تدريسها خلال كل ساعة,  اما الان ففي كثير من الاحيان يتم الطلب من مدرس المادة ان يقوم بتقديم منهاج مادته في بداية السنة الدراسية , ولان الكثير منهم ليسوا من ذوي الاختصاص لذا يكون المنهاج الذي قدموه ضعيفا ولا يستوفي المعلومات المطلوبة لتلك المادة . ولكن هل من متابع او مدقق لذلك المنهاج الذي قدموه , وهل هناك اي مسؤول يتبين فيما اذا طبق المدرس المنهاج الذي اعتمده ؟؟؟

اننا في كوردستان نفتقر الى اجراء مهم جدا في كل دوائرنا ومؤسساتنا وبالاخص الاكاديمية منها , هذا الاجراء هو المتابعة من قبل الجهات الاعلى للجهات الادنى منها , وهو الاجراء الذي ينظم العلاقة بين الموظف وبين واجباته وحقوقه , ويضع حدا للثقة التي توارثناها من العلاقة الاجتماعية المنتشرة في مجتمعنا ثم مارسناها ضمن دوائرنا ايضا , هذه الثقة هي التي اربكت الاجراءات الحكومية واضعفت قراراتها وجردتها من الحزم والجدية في التعامل مع السلوكيات غير القانونية لبعض الافراد ومنهم اولئك الذين يستغلون هذه الصفة ( الثقة ) وينتهزونها للحصول على مآربهم غير الشرعية وغير القانونية لعلمهم السابق بتنصلهم وتخلصهم من اي اجراء يتخذ ضدهم . كذا الحال في التعليم حيث يتصرف المسؤول الجامعي دون الالتزام بالقواعد التي تحدد التعامل مع موظفيه ومنتسبيه وطلابه , ويتصرف الاستاذ ويحاضر في المواد المكلف بها دون الرجوع الى تطبيق المنهاج المحدد له .

يحدث ذلك لعدم وجود ما ندعوه بلجان المتابعة ولعدم تطبيق الاجراءات الاحترازية المخصصة لتصرفات وسلوكية الموظفين المدنيين والاكاديميين حيث ان غياب متابعة المسؤول وغياب متابعة الاستاذ ستمنحه فضاء حرا خاليا من اي مراقبة , مما يشجعه على الانزلاق في الخطأ والاقتصار على اداء ادنى واجب مكلف به  او لايؤدي الواجب المطلوب منه اصلا . وللتعرف على هذه الحالة . نورد هذا المثال . محاضرة احد الاساتذة كانت تستغرق في جزئيه النظري والعملي من الساعة 8.30 صباحا وحتى الساعة 4.30مساء , ولكن لعدم وجود المتابعة من قبل مسؤوله فانه بدأ ينهي محاضرته قبل الموعد بساعة , وفي الاسبوع التالي انهاها بساعتين , ثم تعودنا بعدها لرؤيته وهو يغادر في الساعة الواحدة ظهرا . ولكن هذا الوضع الوردي لم يستمر معه عندما بدأ رئيس القسم بمتابعة كل الاساتذة مما اجبره اما الالتزام بالدوام المحدد له او سيتم البحث عن بديل له .

هكذا هو الوضع في الوقت الحاضر , الخلو من المتابعة والمراقبة , الوقوع في الخطأ , التصرف حسب الاهواء , اداء اقل واجب , والخطيئة الكبرى هو سرقة الوقت والجهد من الطلبة وخداعهم بمحاضرات ناقصة من المعلومات , او منحهم معلومات لا تدخل ضمن اختصاص القسم المنتمين له .

 

                دكتور عبدالعزيز رشيد                م. حاتم خانى