دراسة عن سلبيات ادارة التعليم العالي في دهوك- الجزء  السابع- الزيارات واستنزاف ملايين الدنانير –  دكتور عبدالعزيز رشيد    م . حاتم خانى

 

برنامج الزيارات فی التعلیم العالی وجد لحل معضلة النقص الحاد في الاختصاصات التدريسية ومنها الاختصاصات الدقيقة  ومحاولة خالصة لخدمة الطالب وحصوله بصورة متساوية مع بقية اقرانه من الطلبة في اي مكان وفي اي جامعة  على المعلومة المطلوبة في منهاج تعليمه وتدريبه في الجامعات والمعاهد  .

فقد تحتاج احدى جامعاتنا  مثلا في مدينة زاخو الى أستاذ ذو اختصاص  لا يتوفر في مؤسساتها التعليمية فتبحث عنه في مؤسسة تعليمية في مدينة اخرى ( سندعوها المدينة الثانية ) مثلا في دهوك او عقرة فتتفق مع أستاذ يحمل ذلك الاختصاص وتقوم بتكليفه لتدريس طلابها, فيقوم هذا المدرس بزيارة تلك الجامعة في زاخو حسب الجدول الخاص بمحاضراته كل اسبوع , وتحسب له في كل زيارة مبلغ ( اجور زيارة ) يفوق اضعاف مضاعفة فيما لو كان ذلك المدرس من نفس الجامعة ,  وللتوضيح اكثر فان الاستاذ يتقاضى 4,500 دينار عن الساعة الواحدة اذا كانت المحاضرة في جامعته ومدينته وبمعدل ثلاث ساعات عن كل محاضرة عادية  فالمجموع عن المحاضرة الواحدة 13,500 دينار , في حين انه يستلم 125,000 دينار عن كل زيارة يقوم بها الى جامعة في مدينة اخرى لالقاء نفس المحاضرة وبنفس عدد الساعات .

هذه الطريقة او هذا البرنامج يسد نقصا في الاختصاصات التي يحتاجها الطلاب ولكنه للاسف تحول الى واجهة كبيرة جدا للفساد في سلك التعليم واحد اسباب  تدهور المسيرة العلمية في مؤسساتنا التعليمية العليا وهو مصاحب لاستنزاف  اموال كبيرة من ميزانية الدولة دون ان يحقق الاهداف المرجوة منه سوى بنسبة لا تستحق هذا البذخ الهائل من الاموال التي يتم تخصيصها لهذا الحقل .

ومن المعتقد ان هذا الموضوع غائب عن المتابعة والتدقيق من قبل حكومة الاقليم  كونها على يقين بان وزارة التعليم بايدي اشخاص اكادميين ومثقفين ومطلعين لايمكن ان يسلكوا طرقا ملتوية اثتاء التدريس  , كما قد تعتقد الحكومة ان هؤلاء الاشخاص لايمكنهم ان يسمحوا للوزارة  باستمرارتجاهل امر داخل مؤسساتها يؤدي بالنتيجة النهائية الى ظهور حالات فساد كبيرة , وفي الحقيقة ان الغاية المرجوة من برنامج الزيارات هي غاية نبيلة لكن اغلب المنفذين لهذا البرنامج هم افراد فاسدون قاموا بتحويل البرنامج لتبادل المنافع الشخصية والحصول على المكاسب المادية . ولان هذا البرنامج فيه ثغرات كبيرة يمكن استغلالها  للتحايل , لذا اصبح لا يؤدي الوظيفة التي سن من اجلها بقدر ما اصبح وسيلة تشجع الآخرين على الانحراف والكسب غير الشرعي . ويقال ان قسم من الخيرين من الحريصين على بلدهم قد حاولوا اقناع المسؤولين في الوزارة بعبثية هذا البرنامج وما يسببه من اتباع اساليب غير صحيحة في الكسب وما يسببه من نتائج خطرة تؤدي الى التعلق به كنتيجة وليس كغرض وهدف سام . لكن المسؤولين في الوزارة لم يقتنعوا .

وتكمن الخطورة في استمرار هذا البرنامج انه قد اصبح هدفا يسعى الكثيرون من الاساتذة والمدرسين الحصول عليه والبحث عن طرق غير شرعية يسلكونه من اجل نيل هذا الهدف مما يؤدي بالتالي وبمرور الزمن الى نتائج اخطر وهو تقليد المنحرف لانه هو الذي يكسب في هذه الحالة واصبح هو الظاهرة التي يجب الاقتداء بها ,  وفي مؤسسات اكاديمية وعلمية مثل جامعاتنا ومعاهدنا فان الفساد لن يقتصر على الاموال فقط بل يتسع ليشمل الافكار والعقول وطريقة واسلوب المعيشة والكسب غيرالشرعي. لذا فبعد ان كانت الحالة محصورة في فئة قليلة , انتشرت وغطت الجميع بحيث من لا يسلك هذا الطريق يكون من السذج و ( المغفلين ) .

وللدلالة على مثل هذه التصرفات المنحرفة  فقد اتفق احد العمداء من احدى جامعات مدينة دهوك مع عميد من مدينة زاخو بتبادل الزيارات بحيث يلقي كل منهما محاضرة في احدى المواد في كلية الاخر , علما انه توجد على الاغلب خيارات واسعة امام كل منهما لكي لا يضطران الى القيام بهذه الزيارات التي تكلف الدولة  اموالا هي بامس الحاجة لها ,  ومن هذه الخيارات

اولا : ان العميد نفسه يمكن ان يلقي هذه المحاضرة في كليته . ( نفس الاختصاص )

ثانيا : وجود اساتذة من نفس الكلية او الجامعة ومن نفس الاختصاص يمكنهم سد هذا النقص .

لكن الذي يحدث ان السيد العميد لا يلقي هذه المحاضرة في كليته او جامعته لانه لن يحصل على نفس المبلغ الكبير الذي سيحصل عليه عند قيامه بالزيارة, وهو لا يسمح بتكليف استاذ من جامعته بهذه المحاضرة لانه في هذه الحالة فان العميد الآخر من زاخو لن يتمكن من القدوم الى كليته فلا يستطيع هو ايضا من القيام بزيارة الى مدينة زاخو , حيث على الاثنين تطبيق اتفاق تبادل الزيارات حتى لا يتضرر احدهم , وهكذا  فالاتفاق بينهما هو تبادل المنافع وليس لحاجة الكلية . وهنا يستخدم العميد صلاحياته ليجبر المدرسين الاخرين على الانصياع الى نزواته وقراراته , حيث بامكانه ( وهو ما يفعله للاسف الشديد ) عدم تكليف اساتذته ومدرسيه حتى مع امتلاك قسم منهم للاختصاصات الدقيقة , وذلك لكي تكون لديه مساحة كبيرة من المناورة بين تطبيق رغباته المريضة بالضغط على هؤلاء المدرسين , وفي نفس الوقت يستطيع وقتما يشاء الاتفاق مع مدرسين آخرين من خارج مدينته لاستقدامهم الى مؤسسته لغرض احتساب زيارة لهم تنفيذا لضغط مسؤول حزبي او جامعي او لان القادم هو احد اصدقاءه او سوف يحتاج الى خدمتهم في المستقبل .

احد رؤساء الاقسام وبعد ان تم اعفاءه من منصبه , تم الغاء زيارته التي كان يقوم بها, لان رئيس القسم في المدينة الاخرى اتفق مع رئيس القسم الجديد . لكي يتم التبادل بينهما .

حالة اخرى : احد رؤساء الاقسام ولكي تحسب له محاضرته كزيارة في نفس قسمه , طلب من زميل له في مؤسسة تعليمية في المدينة الثانية ان يتم تسجيل اسمه في هذا البرنامج فقط على ان يقوم هو( رئيس القسم ) بالقاء المحاضرة ويستلم مبلغ الزيارة سواء لوحده او مناصفة او حسب الاتفاق الذي لايمكن ان يقبل به اي دين او شرع او حتى قانون .

وقد انتشرت مسألة الزيارات هذه  حتى ان معظم رؤساء الاقسام اصبحوا يبحثون عن امثالهم من المدن الاخرى للقيام بالتبادل فيما بينهم على الرغم من حملهم نفس الاختصاصات , بل ذهبوا ابعد من ذلك ,حيث ان التعليمات تفرض على رؤساء الاقسام والعمداء تأدية نصابهم من الساعات اي ان يقوم بالقاء محاضرات بعدد معين من الساعات وهي من ضمن واجباته , فللوصول الى هذا العدد من الساعات او النصاب فانهم يشاركون اسماءهم مع مدرسين آخرين وخاصة في المحاضرات العملية التي تمتلك ساعات عديدة ولكنهم لا يحضرون المحاضرة , وهكذا يكتمل نصابهم دون ان يقوموا بواجباتهم ,ويستغلون فراغهم وعدم انشغالهم للذهاب الى اداء زيارة الى مؤسسة تعليمية في مدينة اخرى ,  وللاسف اصبحت مشاركة الاسماء هذه حالة عامة  ويستلم قسم منهم لقاء ذلك اجور محاضرات دون ان يلقي اي محاضرة وهو باب آخر من ابواب الفساد , ولقد رأينا البعض من هؤلاء الذين يفضلون هذه الطريقة في الكسب انهم عند الحديث مع الآخرين فأن السنتهم لا تكف عن التسبيح ويستخدمون الايات والاحاديث في الاشارة الى الامثال وفي نفس الوقت يستهزؤون بالتعليمات والقوانين التي لا تردع امثالهم . والسبب الرئيسي في انتشار وتزايد امثال هؤلاء  هو عدم وجود رقيب او محاسبة من قبل الحكومة على الكوادر الوظيفية بصورة عامة ومن ضمنها كوادر التعليم لتنفيذ الواجبات التي يجب عليهم القيام بها لقاء رواتبهم واجور محاضراتهم غير الشرعية .

اذن اصبحت الغاية الرئيسية من هذه العملية هو جني الاموال بصورة قانونية لكن مشكوك بشرعيتها فبرنامج الزيارة يؤهل الاستاذ الزائر الحصول على اجرة ضخمة تصل الى مبالغ كبيرة كل شهر عدا الراتب , لايمكنه  الحصول عليها عند القاءه محاضرة من نفس النوع في جامعته او مدينته بل ان معظم الاساتذة اصبحوا يرفضون تماما القيام بالقاء محاضرات عند اكتمال نصابهم او حتى عدم اكتمال النصاب في احيان كثيرة خاصة اذا كان هذا الاستاذ قريب من المسؤول في الجامعة او هو المسؤول عينه وتعليلهم في ذلك ان اجرة الساعة عند القاء محاضرة في جامعته ومدينته قليلة  جدا لاتضاهي ما يصرف له عند قيامه بزيارة جامعة او معهد في مدينة اخرى  وهو تعليل غير مبرر لو تم مقارنته بما يستلمه موظفوا بقية الدوائر من رواتب لا تضاهي ما يستلمه الاستاذ في مؤسسات التعليم العالي .

معظم مسؤولي جامعاتنا يعتبرون انفسهم نخبة المجتمع وان الحكومة هي بقرة حلوب من حقهم انتزاع الاموال منها متى ما  شاؤوا  فبدلا من محاولة الاقتصاد في النفقات فان هؤلاء المسؤولين يفرضون على بعض الاساتذة القاء المحاضرات ضمن نصابهم فقط او امتلاك مادة دراسية واحدة فقط , لكي يتمكنون من استدعاء من يشاؤون من خارج جامعاتهم من محاضرين خارجيين يكونون تحت امرتهم وقراراتهم , وهذا الامر يكلف ميزانية الدولة اموالا اضافية من المؤسف انها لاتسبب وخزة ضمير لأولائك  المسؤولين , علما ان البعض من اساتذتنا الموقرين لا يعترضون على القيام بالقاء محاضرات باكثر من نصابهم خدمة لابناء محافظتهم ومدينتهم . وفي الحقيقة غالبا ما يتم اختيار استاذ او مدرس نتيجة وجود علاقات شخصية وليس بسبب الحاجة الفعلية لخدماته . لذا فان هذا الاختيار الذي يعتمد على العلاقات الشخصية او المنافع المتبادلة في تبادل الزيارات او الكسب غير الشرعي اثناء عدم حضور المحاضرات التي يستلم اجورها  قد ترك آثاره على نوعية التدريس والتعليم ودفعها الى الضعف وفقدان اهميتها ووزنها التي كانت تتمتع به سابقا قبل اقرار هذا البرنامج . فالاستاذ الزائر يكون شغله الشاغل هو الحفاظ على الاستمرار بهذه الزيارات لذا فانه سييلجأ الى تبسيط مادته اي عدم اعطاء المعلومات المطلوبة والتساهل في منح الدرجات حتى لا يسبب لنفسه مشاكل مع الطلاب ومع مسؤولي تلك المؤسسة وخاصة ان تقييم المدرس والاستاذ قد اصبح يعتمد على مدى رضا الطلبة عنه وزيادة نسبة نجاحهم , ولا يهم اسلوب التعليم او مدى اغناء المادة . ومن المفارقات الغريبة  كلما زادت الاجور كلما هبط مستوى التعليم , وانعكست الحالة  عن السابق حيث كانت الاجور قليلة ولكن عطاء العلم كان كبيرا