دراسة عن سلبيات ادارة التعليم العالي في دهوك- الجزء الحادي عشر- الاقتراحات التمهيدية –  دكتور عبدالعزيز رشيد –     م . حاتم خانى

 

من الاحاديث المهمة والشائعة التي تدور بين الاوساط الشعبية وبين النخب وحتى بين الاحزاب واعضائها هو الشكوى والتذمر والانتقادات الحادة التي توجه الى الحكومة والاحزاب الحاكمة  التي قد تصل في بعض الاحيان الى  تفضيل العودة الى احضان الحكومة العراقية بدلا من البقاء في هذا الوضع . والحقيقة ان هذه الاحاديث تحولت الى عادة لا يكاد يجتمع شخصان الا وكان نقد الحكومة وتوجيه اللوم اليها حديثهما النهائي . ولا ندري هل هذه العادة موروثة من حقبة النظام السابق أم انها حديثة العهد بواقعنا الحالي او انها احدى الخصائص المتأصلة بشعبنا او بالمنطقة الاقليمية ككل , ما يهمنا هو ان هذه العادة انتقلت الى الوسط الجامعي , بين منتسبيها وبين طلابها على الرغم من الرواتب المغرية التي يستلمها موظفو وكادر المؤسسة التعليمية , وهي الدائرة الوحيدة التي لا تلتزم باوقات الدوام المرسومة للموظفين , ومعظم الاساتذة لا يداومون الا  عندما تكون لديهم محاضرات , كذلك على الرغم ان التعليمات الجامعية تفرض عليهم التفرغ , الا ان معظم هؤلاء المدرسين من اكثر الموظفين انشغالا وذلك لانتقالهم بين هذه الجامعة وتلك وهي الفئة التي تحسب على الطبقات التي تتمتع بالرفاهية في المجتمع . اما الطالب فقد يكون من حقه الشكوى لعلمه المسبق بان الحصول على وظيفة او عمل يتلائم مع اختصاصه اصبح اقرب الى المستحيل . , لذا يمكن منح الشرعية لشكوى الطالب , ولكن من الصعب منح هذه الشرعية للكوادر التعليمية الا اذا كانت نابعة من :-

1 –  الحرص على تصويب العملية التعليمية وتوجيهها الى المسار الصحيح

2 – تقويم الاخفاقات المرادفة لمناهج الطلبة

3 –  تقديم المقترحات التي تحدد الاخفاقات والمشاكل وتساهم في ايجاد الحلول

4 –  المشاركة في الخطوات التي تؤدي الى تقليص الفساد المصاحب لتولي المسؤولين المناصب الحساسة واستغلال هذه

المناصب لمصالحهم الشخصية .

5 – كشف المدرسين المحاضرين المقصرين في اداء هذه المحاضرات .

وفساد المسؤولين هو الاكثر شيوعا في مؤسساتنا التعليمية وهو نفس الامر الذي ادى الى تراجع العملية التعليمية وتدهورها وانحرافها عن جادة الصواب وذلك لاهتمام هؤلاء المسؤولين وتركيزهم على الامور التي تدر عليهم اموالا اكثر من اهتمامهم باداء واجباتهم الاساسية ومسؤولياتهم للوصول بها الى الوجه الاكمل .

فبعد ان كانت جامعة دهوك في المراتب الاولى على مستوى الاقليم تراجعت الى المراتب الخلفية , ولم يتم الاعتراف بجامعة بوليتيكنيك الا قبل اشهر وهذا الاعتراف لم يخل من بعض الشروط  , اما الجامعات والمعاهد الاهلية فلا مكان علمي لها الا في كوردستان وفي عقول مسؤوليها فقط  فهي خالية تماما من ابسط  مقومات التعليم ولا تتطابق مع مفاهيم التعليم التي نعرفها ولا نبالغ اذا قلنا ان التدريس في مدارسنا النموذجية افضل بكثير من تلك المعاهد والجامعات الاهلية . وكمثال على المستوى الهابط للتعليم فيها فهي تخل من المختبرات الضرورية او الكادر الاختصاص , وبدلا من المختبرات يتم الاستعانة بالعروض الفيديوية لايصال الفكرة العملية الى الطلبة وهي بهذا لا تختلف عن الدراسة عن بعد التي لا يتم الاعتراف بها في معظم دول العالم بما فيها العراق .

نماذج الجامعات اعلاه هو ما يشغل افكار كادرنا  الجامعي وهو الذي يشغل احاديثه اليومية ويوجهها نحو انتقاد المسؤولين بما فيهم مسؤولي الحكومة , لكن يمكن القول ان الغالبية من هؤلاء الاخوة الذين يتبادلون هذه الاحاديث انما يفعلون ذلك لقضاء اوقاتهم فقط وهي احاديث بلا معنى او شوشرة على الفاضي كما يقول المصريون فعندما تسألهم ماذا يبغون من هذا النقد وماذا بامكانهم ان يقدموه لكي يتوصلوا  الى تعديل تلك المفاهيم والافعال التي ينتقدونها او تطلب منهم المساهمة في ايجاد الحلول واقتراح  بعضها للخروج من هذا الوضع , فاما انهم يحاولون التهرب من الاجابة او يجيبون بان الحكومة ادرى بالحلول ولكنها لا تقوم به او يقدمون حلولا مثالية لا تتلائم مع واقعنا او يتلعثمون في الكلام خوفا من اتهامهم بالوقوف ضد الحكومة حيث ينسحبون من تلك الجلسات بهدوء .

هذه الاحاديث الى حد ما قد تكون صحيحة ولكنها ليست كل الحقيقة , فمن يشارك بالحكومة هو واحد من هذا المجتمع  وقد ينتقد الوزير عمل وزير آخر ايضا مما يعني انهم لا يمتلكون عصا سحرية لكافة الحلول كما انهم لا يمثلون نخبة المجتمع بل احيانا قد يكون احد الوزراء غير كفوء تماما لعمله .

وحتى لا تتحول دراستنا هذه الى مجرد النقد من اجل النقد وحتى لا يشعر المتابع انها كتبت لمجرد التذمر واللوم تجاه الوزارة والحكومة اومسؤولي التعليم العالي  كتلك الاحاديث التي اشرنا اليها ,  فكان لابد ان تتضمن هذه الدراسة  كل الجوانب المتعلقة بها ومنها ايجاد بعض الحلول واقتراح بعض الخطوات التي يمكنها تحوير السلبيات الى ايجابيات في العمل الجامعي او على الاقل محاولة تحييدها او الغاؤها من قاموس العمل في هذه المؤسسات ثم البحث عن بدائل لا تحتوي على ثغرات او اخطاء يتم من خلالها مرة اخرى العودة الى خرق التعليمات والقوانين المتعلقة بالتعليم  .

والاقتراحات التالية قد تكون موجهة الى الحكومة او الوزارة او تتعلق بالمسؤولين في مؤسساتنا التعليمية الذين قد يستطيعون من خلال صلاحياتهم تطبيقها او الطلب من الوزارة لتعديل بعض الفقرات من قراراتها وتعليماتها لصالح العملية التعليمية ,  وسنبدأ بأهم نقطتين .

1 – البقاء في الواجهة

نحن مجتمع لا زلنا في بداية طريقنا نحو تأسيس نظام مؤسساتي وظيفي خال من الفساد والمحسوبية ولنكن صريحين , فنحن مجتمع عشائري لازالت الروابط العائلية والعشائرية تؤثر على اتخاذ قراراتنا , ومن اكثر العوامل التي توجهنا نحو تأييدالمسؤول اوتدعونا الى اتباع تعليماته هو بقاء هذا المسؤول في الواجهة اي مشاركتنا مشكلاتنا وافراحنا واخفاقاتنا وتوجيهنا نحو اتخاذ طريق يختاره هو لنا ( كما كنا نفعل ذلك في الايام التي نتبع فيها الاغوات والبكات والشيوخ والملالي ) , وهذا ما تريده السلطات ايضا اي ارضائنا وارضاء من هم اعلى من مسؤولنا ايضا ومحاولة التنسيق بين القوانين والتعليمات الصادرة وبين الرغبات التي لا تتطابق مع تلك التعليمات , لكن بحيث لا تكون على حساب حقوق اشخاص آخرين .

كذلك يمكن البقاء في الواجهة بأستغلال كل مناسبة وكل حدث والمشاركة والظهور فيه مباشرة او عبر قنوات مرتبطة به او انشاء الحدث والانتفاع من المناسبات التي يمكن لجامعاتنا ان ترتبط بعلاقة ما معها مثل معارض الكتب , معارض الاجهزة المختبرية والعلمية , مهرجانات فلكلورية ترتبط بقسم او كلية معينة وتضخيمها بحيث تكون على مستوى الجامعة , معرض خاص لكل جامعة كأن يكون يوم الجامعة او اي يوم وطني تحاول الجامعة ربطه باحد نشاطاتها ويكون مناسبة سنوية يصبح احد سمات تلك الجامعة وهوية اقليمية ووطنية لها .

محاولة دعوة كل الوفود التي تزور المحافظة الى زيارة الجامعة بالاتفاق مع المسؤولين في المحافظة او فرع الحزب واطلاع تلك الوفود على الكليات او الاقسام او المختبرات المرتبطة بعمل تلك الوفود , لذا يجب ان تكون وحدة العلاقات وحدة نشطة ومدعومة وفيها كوادر تتمتع بمواهب اقامة تلك العلاقات ومتمكنة لغويا لتسهيل مهمة الزوار , كما يجب تنشيط وحدة الاعلام والتي تقع على عاتقها ابراز هذه النشاطات وخاصة تلك المتعلقة بمسؤول الجامعة حيث ستتحمل هذه الوحدة  العبء الاكبر في نجاح هذه النقطة فبدونها لا يمكن ان يكون المسؤول في الواجهة .

ان نجاح ادارات مؤسساتنا التعليمية يعني نجاح  منتسبيها مما يعني ايضا انعكاس هذا النجاح على اداء وعمل هؤلاء المنتسبين ونجاح العمل يمهد الطريق امام استقرار المسؤولين في مناصبهم او تدرجهم لاستلام مناصب اعلى  . ونعتقد ان هذا طموح مشروع لمن يعمل بجد ومثابرة ونزاهة .

ولننظر الى الوراء قليلا , فمثلا في السنين الاخيرة اكتفى المسؤول الاول في جامعاتنا للبقاء مختفيا عن انظار كوادر الجامعة وانخفضت زياراته الميدانية حتى وصلت الى الصفر واقتصر تواجده على الاداء الروتيني , واصبح العمل لديه هو اداء الفرض وهو الدوام , حيث بانتهاء هذا الدوام انتهى كل شيء , ورويدا رويدا تولد ستار حاجب بينه وبين ما يجري في جامعته وتولدت الاخطاء التي لم يعد يهتم بايجاد حلولها او التدخل لوقف استمراريتها , وتضاءل التفكير بمصالح مؤسسته ومستقبلها الى التفكير بمستقبله … وهكذا اختفى عن الواجهة , ومن يختفي عن الواجهة يعني انه لا يريد الاستمرار في العمل ولا يريد التطوير والتقدم واستلام زمام مناصب اخرى . هذا مثال حي الى اهمية ان يبقى المسؤول في الواجهة .

هنا لابد من الاشارة  ان معظم من يخالفنا الرأي سيتذرع ان هذه الاعمال ليست من اختصاص الجامعات وانها قد تحرفها عن اهدافها وتقودها الى وجهات اخرى قد تتعارض مع كل واجباتها , فنود ان نبين , ان معظم السلبيات التي وردت في هذه الدراسة غير مرتبطة كليا او جزئيا بالواجبات التي يجب ان تتبناها المؤسسات التعليمية , كذلك ان تنسيق عمل الجامعات مع  مجتمعنا العشائري سيصب لصالح الاهداف البعيدة المدى لهذه الجامعات

ان الغرض من تحقيق النقطة اعلاه او الاقتراح المذكور هو رؤية مسؤول ناجح , فالنجاح يعني القوة , والقوي هو القادر على القضاء على السلبيات التي اشرنا اليها , كذلك القوة تعني عدم الضعف , والضعف ينبع على الاغلب نتيجة الاتجاه نحو الحفاظ على المصالح الشخصية والانغماس في الفساد وارتكاب الاخطاء وهذا ما لا نتمنى تكراره  , كذلك فان الغاية من هذه الدراسة ايضا هو التوصل الى طرق مكافحة كل ذلك  ولاجله فقد رأينا اهمية ان نوضح النقطة المهمة التالية ايضا كجزء من الاقتراحات التمهيدية .

2 – عدم التعجيل بالتغيير

من عوامل النجاح هو تغيير الموظف المرتبط ارتباطا وثيقا ومصيريا بالمسؤول السابق والذي يحمل افكاره بما فيها الاخطاء والاخفاقات والسلوكيات والمسارات والطرق الملتوية التي تم ممارستها سابقا , وكمثال عندما سئل احد هؤلاء الموظفين عن هذا التغيير قال ان مصيره مرتبط بمصير مسؤوله ( السابق طبعا ) , لكن التغيير المتسرع قد يؤدي الى ظهور عراقيل ويخلق متاعب للمسؤول الجديد , منها اجادة عمل الموظف القديم وسرعة اداءه واطلاعه على اسرار ذلك العمل , وعدم اهلية الموظف الجديد لذلك العمل , كما يجب العلم ان هذا التغيير سيولد احساسا لدى بقية الموظفين بانهم مهددين في اي لحظة للتخلي عن مناصبهم او مسؤولياتهم  , وان كان هذا الاحساس ايجابيا في بعض الاوقات حيث يؤدي الى التزام الموظف بصورة ادق بممارسة عمله , لكنه قد يؤدي الى خلق حالة من التذمر قد تتوسع لتشمل كل المرتبطين بالمسؤول السابق وبالتالي قد تصبح حالة عامة . وقد حصل ذلك فعلا في احدى مؤسساتنا التعليمية حيث فقد المسؤول الاول منصبه نتيجة لذلك ,  ولتلافي ذلك يجب الانتظار وانتهاز الفرصة المناسبة التي يمكن اتخاذها ذريعة لتبديل اي موظف فاسد ومهمل . على ان يتم ذلك بصورة فردية ,  وهنا يتسائل البعض ماذا لو تأقلم ذلك الموظف واصبح يؤدي وظيفته بصورة طبيعية بعيدة عن الاساليب السابقة , فنبين ومن خلال التجارب السابقة والتي مرت امامنا وفي مثل مجتمعاتنا ان الموظف الجديد او المسؤول الجديد قد ينزلق الى اتباع نفس الاساليب التي تبناها سلفه وبالتالي ارتكاب نفس الاخطاء لكن لن يكون بمقدور الموظف السابق التغيير والتاقلم مع الوضع الجديد ونسيان ما نشأ عليه في منصبه .

في الجزء القادم من هذه السلسلة سنستمر في تقديم بقية الاقتراحات .