دراسة عن سلبيات ادارة التعليم العالي في دهوك-   الخلاصة –   دكتور عبدالعزيز رشيد –  م . حاتم خانى

 

من خلال التجربة والمشاهدة اتفق معظم الزملاء ان تعيين شخص غير كفوء وليست لديه القدرة على التأقلم مع مرؤوسيه ولا يمتلك خبرة مسبقة في التعامل معهم ولا يتمتع بالمرونة الكافية, لن يفشل في ادارة تلك المؤسسة فقط  ولكنه سيتسبب في توليد المشاكل وتكاثرها وتراكمها بحيث تتوسع هذه المشاكل لتنتشر في كل المحيط المجاور وتؤدي بالتالي الى اضعاف دور تلك المؤسسة وتراجعها عن تحقيق اهدافها وتهميش دورها حتى تغدو مؤسسة منبوذة غير قادرة على مجاراة مثيلاتها من المؤسسات الاخرى في المجتمع . وقد ظهر مثل هؤلاء الاشخاص الذين تولوا زمام المبادرة في بعض مرافق مؤسساتنا والذين اصبحوا فيما بعد مسؤولين عن قيادة التعليم العالي في دهوك بعد 2003 ولحد الان مما ادى الى انحراف دفة سفينة التعليم , فتلكأت مسيرتها وتوقفت  في احيان كثيرة .

لكن هل يعقل ان كل هذا النشاط الجامعي الكبير في دهوك والتوسع الهائل في منشآت التعليم العالي والزيادة الكبيرة في اعداد الطلبة الجامعيين وتوفر هذا الكم من الكوادر التعليمية بحيث غدت هذه المدينة الصغيرة تنافس مدن مجاورة عريقة في هذا المجال , هل كل ذلك يعني فشل اولئك الاشخاص الذين يقودون التعليم ام ان العكس هو الصحيح ؟

لنعد الى الوراء قليلا  : –

لقد ابدت حكومة الاقليم اهتماما كبيرا بقطاع التعليم ولا سيما في الفترة 1992 – 2003 حيث يمكن اعتبار ذلك الاهتمام الذي وجهته الى هذا القطاع انعكاسا لادراك المسؤولين في وقتها ان التعليم المتطور لا يتواجد الا في مجتمع متطور ولم يوجه مثل هذا الاهتمام الى اي قطاع آخر في الاقليم مثلما كان في التعليم والتربية وكان باكورة هذا الاهتمام زيارة الرئيس مسعود البارزاني للمعهد التقني في دهوك عام 1992 , وقد شهدنا في تلك الفترات على الكثير من التخصيصات المالية التي كانت حكومات الاقليم المتتالية تمنحها بسخاء للمؤسسات التعليمية في دهوك دون مساءلة ولا تقصير مثل جامعة دهوك الفتية التي تأسست في نهاية تشرين الاول 1992  والمعهد التقني في دهوك والذي كان موجودا قبل الانتفاضة ومنذ عام 1988, وذلك  لتشجيعها على التقدم والاستمرار ولتسهيل اداء عمل تلك المؤسسات بشكل سليم وتأدية الامانة الملقاة على عاتق مسؤوليها وقيادييها بكل اخلاص  .

ويمكن اعتبار ان الامورقد سارت بشكل ممتاز في بداياتها ولا سيما في مجال البناء ووضع اللبنات الاولى في تأسيس نظام جامعي مرموق وحجزت جامعة دهوك مكانة علمية مع المنظمات العالمية واصبحت منارة التعليم في المحافظة بحيث ان الكثير من ابناء هذه المدينة فضلوا العودة من المهجر للالتحاق بهذا الصرح وتقديم خدمة لابناء مدينتهم . ولو تم مقارنة الوضع التعليمي في دهوك في حينها مع عدم وجود جامعة في هذه المدينة قبل الان  فيمكن اعتبار ان كل شئ قد سار بشكل سليم في بداية العقد الاول من الالفية الثانية عندما كانت هناك متابعة من الحزب وقياداته .

لكن للاسف وفي العقد الثاني بدا ان القرار يتجه لينحصر بيد اشخاص معينين استغل البعض منهم  وجودهم في بعض المناصب الحزبية لتحديد رؤساء الجامعات وعمداء الكليات والمعاهد ومسؤولي الاقسام , بحيث تم تزكية اشخاص غير مؤهلين لاستلام مناصب مهمة في هذه المؤسسات التعليمية  لا لكسب ولائهم فقط وانما لتنفيذ مرام بعيدة عن المباديء التي قام عليها الحزب نفسه  فقد تداخلت المصالح الشخصية والعائلية لهؤلاء الاشخاص مع تلك التزكيات بحيث خدمتهم  شخصيا  قبل ان تخدم الاهداف البعيدة للحزب . ويتسائل الكثير من المدرسين والاساتذة في جامعاتنا ومعاهدنا , الا يوجد في دهوك بدائل لاستمرار هذه الفئة بهذه المسؤولية طوال هذه الفترة , وهل خلت هذه المدينة من اشخاص مخلصين وكفوئين . ولماذا الاصرار على بقاءهم طوال هذه المدة  بحيث ادت الى خلق ولائات شخصية بدلا من الحزبية , اي يكون ولاء اولئك الافراد الذين يتم تزكيتهم  لشخص هؤلاء المسؤولين  بدلا من اتباع سياسة الحزب العامة  وبذلك ساهم هؤلاء باعادة عجلة التقدم في هذا السلك وتراجعه مراتب كبيرة الى الوراء او تجميده نتيجة التخبط في السياسات التعليمية المتبعة من قبل اولئك الاشخاص غير الكفوئين والذين تمت تزكيتهم  من قبل تلك الفئة المنتفعة .

وكما لم يكن لوزارة التعليم اي دور في ظهور جامعة دهوك فكذلك لم يكن لها دور في تحسين الاداء الاداري لمؤسساتنا التعليمية في هذه المحافظة .

ولابد من الاشارة ايضا ان التوسع في الابنية والمنشأت الجامعية ليس بالضرورة صورة للتقدم العلمي لتلك الجامعة , فكثير من الجامعات التي تحتل المراتب الاولى في العالم لا تملك نصف تلك الابنية التي تمتلكها جامعاتنا . ولكنها تتميز باهم نقطة وهي وجود استراتيجية واضحة ومفهومة لكل المطلعين عليها والمتعاملين معها , بحيث ان التعامل مع الجامعة يعني التعامل مع مؤسسة قائمة بحد ذاتها لها هيكليتها وتلتزم بقانون وتتبع تعليمات يلتزم بها ويسير عليها ويتبعها كل العاملين والموظفين ومسؤوليها وكادرها التدريسي , ولا يعني التعامل مع تلك المؤسسة اننا نتعامل مع رئيسها او مسؤولها بصفة شخصية كما هو الحال لدينا . لذا لابد لمسؤولينا ان يحددوا استراتيجية واضحة لكل مؤسسة تعليمية , تلتزم بمبادئها  وتنتهج ببنودها ولا تحيد عنها ولا تتغير بتغيير احد مسؤوليها وان تحتوي هذه الاستراتيجية على رؤى  شفافة غير ضبابية وغير قابلة على الطي في بعض الاوقات او على الالتواء نتيجة لضغوط  المتنفذين او المتمكنين في السلطة أو الحزب .

هذا كله لا يعني عدم ولاء  تلك المؤسسة الحكومية للدولة او الحزب , فالاستقلال في اتخاذ القرارات الخاصة بتقدم البلد وتقدم وتطوير التعليم  لا يعني التعارض مع سياسة الحزب العامة , وتقديم خدمة خالصة نزيهة لابناء البلد لا يعني ان نتجاوز على القانون , والحفاظ على العلم كهدف نهائي في هذه المؤسسات لا يعني الغش والتحايل للحصول على شهادة جامعية ,وهو ما يحاول اولئك الاشخاص خداعنا به وايهامنا بحتميته , فهم يودون ان يوضحوا لنا ان الحزب هو الذي يسعى الى كل ذلك , بينما الحزب براء من اعمالهم ومما يخططون له وما ينوون عمله .

الخاتمة

لقد اصبحت السلبيات المرافقة للتعليم العالي ظاهرة تنمو وتتسع ليصبح لها وجود ملموس لا يمكن تجاهله , وما هذه الدراسة المتواضعة الا وسيلة لتعرية تلك السلبيات ووضعها في اطارها المحدود . وايجاد السبل الكفيلة بالقضاء عليها وازالتها من امام مسيرة التعليم لكي لا تقف عقبة في طريق تقدمها وتقدم مجتمعنا وبلدنا , وليس الغاية من هذه الدراسة الاساءة الى اي مسؤول جامعي او التجني على اي شخص او كادر ضمن هذه المؤسسات , وانما الغاية هي ايقاف الانحدار الذي يسير اليه الوضع التعليمي ووضع حد لتجاوزات البعض من الافراد داخل المؤسسة التعليمية الذين يطرحون انفسهم باعتبارهم القانون والدستور الذي يجب على الاخرين اتباعهم وطاعتهم دون اي مناقشة او اي استفسار

ان ما حاولناه هنا هو محاولة اعادة بناء المفاهيم الاساسية التي ترسخت فينا ومحاولة تعديل افكارنا من موروثات لم تراجع وتركت مهملة وتراكمت حتى صارت عائقا امام اي مناقشة تتم في هذا المجال حتى اصبح التطرق اليها من ( باب الكفر والخروج عن الملة )  .

وفي قائمة المطاف هي اجتهادات قد تصيب وقد تخطئ ولهذا فاننا لا ندعي اننا على يقين تام او ان ما تطرقنا اليه هو القول الفصل . ولكنه قد يكون شمعة واحدة قد تكبر لتصبح شمسا دالة لطريق التقدم والتطور واللحاق بركب الحضارة المتسارعة .

دكتور عبدالعزيز رشيد –     م . حاتم خانى