.الناتو الاقليمي الذي ولد ميتاً.. – نجاح محمد علي

كاتب وسياسي عراقي –

كثف عدد من الدول العربية وإسرائيل اتصالاتها الدبلوماسية وسط أجواء متوترة في الشرق الأوسط قبل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ، والتي من المتوقع أن تسفر عن مزيد من التنسيق العسكري والأمني في المنطقة.

ستتم زيارة بايدن في الفترة من 13 إلى 16 يوليو ، لكن المنطقة تعج بالفعل بالشائعات والتكهنات حول جدول أعمال القمة التي التي ستلتئم في جدة بالمملكة العربية السعودية .

لم تتحدث الولايات المتحدة رسميًا عن أي نوع من الإعداد العسكري في المنطقة يمكن أن يكون مشابهًا لحلف شمال الأطلسي.وفقًا لبيان البيت الأبيض ، سيناقش بايدن خلال زيارته “تهديدات إيران” المزعومة و “اندماج إسرائيل المتزايد في المنطقة الكبرى” ، من بين قضايا أخرى. وفي المملكة العربية السعودية ، سيشارك بايدن في قمة دول مجلس التعاون الخليجي التي سيحضرها أيضًا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني و ربما رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي.
لكنووسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية أثارت تكهنات بشأن خطة الولايات المتحدة لتشكيل تحالف عسكري في المنطقة. وزاد العاهل الأردني عبد الله الثاني من تفاقم هذه التكهنات من خلال الإعراب عن دعمه للتحالف الذي أطلق عليه اسم الناتو الاقليمي أو العربي .
أعلن الملك الأردني خلال مقابلة له مع قناة cnbc ، أنه يؤيد إنشاء حلف “ناتو” شرق أوسطي، على أن تكون مهماته واضحة للغاية. مشيرا إلى أنه يمكن بناء الحلف مع البلدان ذات التفكير المتشابه (في إشارة إلى حلفاء أمريكا في المنطقة وعلى رأسهم إسرائيل). زاعماً أن بلاده تتمتع بقوة انتشار سريع، وكشف بأنها تعمل بنشاط مع حلف شمال الأطلسي الناتو في جميع أنحاء العالم.قال: “أود أن أرى المزيد من البلدان في المنطقة تدخل في هذا المزيج”.
قال عبد الله: “سأكون من أوائل الأشخاص الذين يؤيدون إنشاء حلف ناتو في الشرق الأوسط”.
وأضاف: “يجب أن يكون بيان المهمة واضحًا جدًا جدًا. وإلا فإنه يربك الجميع “. قال الملك الأردني: “آمل أن يكون ما تراه في عام 2022 هو هذا الجو الجديد ، على ما أعتقد ، في المنطقة ليقول ،” كيف يمكننا التواصل مع بعضنا البعض والعمل مع بعضنا البعض “.

تم الحصول على القليل من التفاصيل حول ما يسمى بحلف الناتو في الشرق الأوسط. لكن مصادر أردنية مطلعة ، قالت إن “البنتاغون يسعى إلى إقامة حالة من التنسيق المشترك بين حلفائه في الشرق الأوسط ، من خلال غرفة عمليات خاصة وتوحيد أنظمة الرادار في الدفاع الجوي بحيث تكون مرتبطة بغرفة عسكرية أو غرفة عمليات واحدة”.
و يشير حديث العاهل الأردني عن ضرورة تحديد مهمة التحالف الجديد ، الى أن الاستعدادات قد تمت و قد يعلن عن الناتو الاقليمي خلال زيارة بايدن للمنطقة .

حتى الآن ، التزمت الدول العربية الأخرى ، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي ، الصمت حيال هذا التطور الجديد . كما التزمت وسائل إعلامهم الصمت حيال هذه القضية . لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية ضخمت المبادرة الأمريكية القديمة  الجديدة وسعى إلى تصويرها على أنها موجهة ضد إيران.و قد أشار تسفي بارئيل ، المحلل البارز في صحيفة هآرتس ، الى التقارير التي تتحدث عن إنشاء تحالف دفاعي إقليمي سيضم “إسرائيل” وبعض دول المنطقة تبث حياة جديدة في فكرة مألوفة حول إنشاء “ناتو” الشرق الأوسط”، وقال إنه لا يوجد شيء باسم “تحالف دفاع إقليمي “تريد إسرائيل الانضمام إليه ، لكن سيكون هناك تحالف متوازن بين الدول العربية وإسرائيل لبناء جدار دفاعي ضد “التهديد المشترك” الذي تمثله إيران . ورأى أن الحديث هنا عن نوع من تحالف الدول العربية التي ستقيم سوياً مع “إسرائيل” جدارًا دفاعيًا ضد تهديد مشترك يسمى إيران. لكن في إحاطات يقدمها هذه الأيام مستشارو ومساعدو الرئيس الأمريكي جو بايدن حرصوا على عدم الحديث عن تحالف عسكري، ويركزون بدلا من ذلك على رسالة لرفع مستوى اندماج “إسرائيل” في المنطقة كاستمرار للاتفاقات الإبراهيمية.

عموماً ، إذا كان هذا التحالف صحيحًا ، فهو لن ينجح بسبب وجود التناقضات بين الدول العربية على عدة نقاط هيكلية، أولها ما يرتبط بتحديد مصادر التهديد .لكن  مع ذلك إن صحت الفكرة في أنها ضد ايران ، فذلك يعرقل الجهود الدبلوماسية الحالية لإصلاح العلاقات بين إيران وبعض الدول العربية المجاورة .

منذ عام 2021 ، شرعت إيران في تنفيذ أجندة سياسية خارجية جديدة تسمى سياسة الجوار والتي تعتمد على تعزيز التعاون مع الدول المجاورة . تبادل المسؤولون الإيرانيون والعرب الزيارات خلال الأشهر القليلة الماضية وما زالوا على اتصال وثيق مع بعضهم البعض. وبالتالي ، من غير المرجح أن تنضم الدول العربية إلى تحالف إقليمي يركز على أجندة معادية لإيران، وإذا حصل فستتجه الأمور الى تصعيد لا يصب على الاطلاق في مصلحة هذه الدول.

ستعارض إيران بشكل مؤكد هذا النوع من جهود بناء التحالف الذي يدمج كيان إسرائيل الغريب في المنطقة، ويمنح الولايات المتحدة ، قوة أجنبية معادية للعرب والمسلمين ، موطئ قدم جديد في المنطقة. وسيدفع هذا الأمر أكثر ، إيران و عموم الحلفاء في محور المقاومة وحتى العراق الذي يعاني من تدخلات خارجية ، نحو سياسة خارجية إقليمية مبنية على رفض التدخل الأجنبي في المنطقة. وسيحرج هذا المشروع العراق أيضاً ويضعه بين فكي كماشة لا ينجو منها إلا برفض الانضمام اليه.

وقبل ذلك يجب التذكير بأن ايجاد “حلف الناتو الاقليمي” مشروع كان قد دعا له الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب -و هو في الواقع ليس إلا مشروع سلفه باراك أوباما- الذي كان قد وُلد أو جاء إلى الحياة ميتاً بسبب أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست على متفقة على تعريف العدو المشترك. فبينما ترى السعودية والإمارات والبحرين أن العدو هنا هو إيران، لا ترى قطر والكويت وعمان ذلك وتنظر إليها قوة إقليمية يجب احترامها أولا، ومن ثم ترى أهمية الحوار والتعايش معها بل وحتى التعاون في مجال الأمن الاقليمي.