كیف تكون السیاسة فی خدمة الشعب ولیس العكس؟  – د. عبدالباقی مایی 

 

تحلیل نفسی-إجتماعی للوضاع الراهنة فی كردستان 

كنیڤستا-السوید 

حسب علماء النثروپولوجیا لیزال الجتمع الكردستانی یعیش فی مرحلة السطورة (١ .*(فحتی التدین فی كردستان تكیف للشروط النفسیة والجتماعیة فی هذه الرحلة من التطور الجتماعی لكی یستطیع هذا الجتمع أن یهضم الدین ویجعله مقبول من قبل أفراده و شرائحه. لذلك نری بأن التصوف كان ولیزال الهیكل الناسب لحتواء الدین و نشره و ترسیخه فی كردستان. وحسب مراحل التطور الجتماعی وفق هذا العلم یجب أن یمر كل مجتمع بهذه الراحل التعاقبة من أجل بلوغ النضوج النفسی والجتماعی الضروری للمجتمع. ففی كل مرحلة من مراحل التطور الجتماعی لن یكون التطور متناسقا“ إذا لم تكن القابلیات الفردیة والجماعیة خلقة للنتاج الذی یغطی الكتفاء الذاتی إلی حد كبیر، سواءا“ كان هذا النتاج زراعیا“ أو صناعیا“ أو إجتماعیا“ أو ثقافیا“ أو صحیا“ أو سیاسیا“…الخ. 

كان الجتمع الكردستانی فی جنوب كردستان حتی ستینات القرن الاضی ینتج معظم آلیات معیشته لبلوغ الكتفاء الذاتی عندما كان الفرد مجهزا“ بالقناعة النفسیة فی ظل الحكم الغیبی التعلق بمرحلة السطورة (٢ .*(فالمیة كانت شاملة و مقبولة من قبل الغلبیة بینما العقیدة كانت راسخة لتأمین ما یكفی لسد الرمق فی حیاة الدنیا التی كانت ولتزال تعتبر لدی الغلبیة فی هذا الجتمع بأنها فترة تجریبیة قصیرة لتأمین الحیاة البدیة بعد الوت لیس إل (٣ .*(هذه العتقدات أدت ولزالت تۆدی إلی رضوخ فكرة البهلوان القاهر التمثل فی طیف شخص لزال یعتبر مقدسا“ من قبل مۆیدیه ومعتصما“ من الخطاء ویستحق أن یموت النسان فی سبیل الدفاع عنه. فهذا الشخص القائد الرائد الزعیم الوحد لزال رمزا“ لكل شé جید ولیمكن وصفه بعدم القدرة علی أی شé لن ذلك یجرح مشاعر مریدیه ویزعچ مۆیدیه إلی درجة قد تۆهلهم للقتال والفداء بالروح لهذا الرئیس أو ذاك لیسجل بعد ذلك فی سجل الشهداء فیكسب الجد والخلود تماشیا“ مع مرحلة السطورة، أو یحصل علی الكاسب الادیة التی زاد التفكیر بها والتخطیط لها فی الجتمع منذ تأسیس أقلیم كردستان العراق و إستیراد السلطة الكردیة فی القلیم للمفاهیم و الواد والستهلكات من العالم التمدن. 

ماذا جری فی الجتمع الكردستانی من تفاعلت نفسیة-إجتماعیة نتیجة للصطدام الثقافی بین القیم الستوردة من العالم التمدن و الضوابط التقلیدیة للمجتمع الذی یعیش فی مرحلة السطورة؟ لكی نفهم هذه التفاعلت علینا سرد بعض المثلة من الواقع: ١ -تجربة الحكم الفاشل فی أقلیم كردستان العراق: تفشی الفساد السیاسی والداری بین قیادات الحزاب الكلسیكیة نتیجة عدم كفائتها فی إیستیعاب دورها الجدید فی إدارة سلطة القلیم بعد أن كونت مشوارها الهنی فی الكفاح السلح جعل هذه السلطة أن تستعبد الشعب بدل من أن تخدمه، حیث تم تقسیم الوارد والرواتب والملك مناصفة بین الحزبین الرئیسیین فی السلطة وتكرمهم فی أحسن الحوال علی البعض من الواطنین بمحاسنهم ولكن فقط فی إطار نفوذ هذین الحزبین. وهذا أدی بدوره إلی نشر نوع من التقلید والنافسة الغیرشریفة للحصول علی الحاسن والتكریمات التی تم توزیعها من قبل أصحاب النفوذ من الحزبین الرئیسیین فی السلطة (٤.*( 

٢ -ظاهرة حرق الناث فی الجتمع الكردستانی: كانت ولتزال قیم الشرف والدب والطاعة والحترام فی الجتمع الهرمی الكردستانی تجری تحت سیادة الذكر علی حساب النثی فی ظل النظام الجماعی السائد فی هذا الجتمع. عندما إزداد وعی النثی فی كردستان نتیجة لطلعها التزاید علی حقوقها وإندفاعها فی الطالبة بهذه الحقوق، تنرفز الذكر وتعاند علی تسلطه علی النثی مما أدی إلی زیادة العنف ضد النثی لكبح جماحها، وأدی ذلك إلی زیادة مطالبة الرأة بحقوقها فتولد حلزون العنف الذی فی كثیر من الحیان إنتهی بمآسی وأحداث تراجیدیة مۆسفة فقدت فیها النثی حیاتها إما بالنتحار أو بالحرق لخفاء جریمة قتلها من قبل أقربائها فی كثیر من الحیان. فعلی سبیل الثال كان الحرق سبب الوفاة لدی أكثر من ٥٠ %من الناث و أقل من ٥ %من الذكور فی تقاریر الطب العدلی لسنة ٢٠٠٥ و ٢٠٠٦ و ٢٠٠٧ فی كل من محافظات السلیمانیة و أربیل و دهوك(٥.*( ٣ -تفشی ظاهرة الستسلم والبطالة القنعة والكسل السائد وعدم الشعور بالسۆلیة فی مجتمع أقلیم كردستان العراق بعد أن تم توفیر الرزاق وتقدیم الخدمات الجانیة من قبل النظمات العالیة وفق سیاسة النفط مقابل الغذاء(٦ ،*(وكذلك نتیجة لتعامل الحزاب مع الواطنین بتعیینهم شكلیا فی وظائف الدولة وصرف رواتب تقاعدیة لهم من خزینة الدولة دون أن یعملوا فی أجهزتها . ٤ -إعادة تقییم السلوك السلبی كالتملق والكذب والخداع لتصبح محل مدح وإعجاب تحت ظل الحسوبیة والنسوبیة فی عملیة إستعمال “الواسطة“ لتمشیة العاملت لدی سلطة القلیم بعد أن كانت تلك الصفات من دواعی الخزی والعار فی الجتمع

الكردستانی. وهذا مایحدث عادة فی الجتمعات التأخرة التی تستورد النتاج الحدیث من الدول التمدنة التی صنعت هذه النتوجات بإبداع أفرادها و حسب حاجات مجتمعاتها ولیست لتلبیة مطالب وحاجات الجتمعات التأخرة. هذا مایولد ظاهرة تسمی فی العلم الحدیث بظاهرة التحول الجتماعی السریع (٧.*( 

أذا ألقینا نظرة علی ممارسات و مواقف الحزاب السیاسیة فی أقلیم كردستان العراق نجدها تعكس هذه التفاعلت النفسی- إجتماعیة الذكورة أعله لكونها تتكون من نخبة من أصحاب النفوذ تكونت خلل فترة الكفاح السلح للحركة التحرریة فی كردستان. ففیها ممثلو القطاع والغوات والشیوخ وورثائهم فی الجتمع العشائری الكلسیكی الوازی لرحلة السطورة فی تطوره الجتماعی، ومنها من إرتقی إلی الناصب بالتملق والتحایل والخداع فی ظل الحسوبیة والنسوبیة و الفساد السیاسی الذی تم تطبیقه ولزال یطبق من قبل الحزاب السیاسیة الكلسیكیة فی كردستان لكونها تستند علی مرحلة السطورة فی قیمها الجتماعیة و شخصیتها النقسمة بین النوستالجیا والرتیاب النفسی. فهذه الحزاب تعتمد بطبیعتها علی السلطات الحتلة لكردستان والقوی العظمی الساندة لها لتنفیذ الشاریع والخططات التی تناسب مصالحها وتحصل بذلك علی مصادر القوة والال والسلح لكی تبقی محتفظة بكرسی الحكم والسلطة بینما تستعمل هذه الحزاب آلت و أدوات ومستهلكات مصنوعة من قبل الجتمعات التقدمة كما ذكرنا أعله. فهذه السیاسة تبقی غیر ملئمة للمجتمع الكردستانی مادامت تستعمل منتجات الجتمعات التطورة وهی بطبیعة تكوینها غیر قادرة علی صنع إنتاجها الخاص أو إنشاء الۆسسات أو تشجیع الواهب أو البداع فی النتاج الحلی لتلبیة حاجات الشعب. أما الخطوات الفردیة التی وجدت محلها فی بناء الجتمع خلل فترة حكم هذه الحزاب فی أقلیم كردستان العراق مثل تدریب الكوادر العلمیة والفنیة فی الداخل والخارج، إنشاء الفرق والراكز العلمیة والهنیة والفنیة بمبادرات فردیة معظمها خارج نطاق السلطة وكذلك تبادل الزیارات العلمیة و إنشاء الشاریع الشتركة مع الجهزة والراكز العلمیة فی الخارج كانت السبب الرئیسی لتلك النجاحات التی تشاهد فی القطاعات الختلفة فی الجتمع خارج نطاق السلطة الحاكمة. وكذلك نجد تدهورا“ تدریجیا“ فی الوضع الجتماعی والقتصادی لدی عامة الشعب بعیدا“ عن الترف الذی تعیشه الطبقة الحاكمة فی أقلیم كردستان العراق.  كیف للمجتمع الكردستانی إذا“ أن یجد الطریق الناسب لنقاذه من الحنة النفسیة-الجتماعیة التی أوقعته فیه القیادة السیاسیة الكلسیكیة بین الاضی البدائی الذی یتفق مع مرحلة السطورة فی تطوره وبین العیش الصطنع الستوردة آلته وأدواته من العالم الخارجی التمدن و التقدم علیه بعدة مراحل وعقود؟ أین توجد سیاسة مناسبة فی كردستان تنبع من أحلم وأمال و طموح و حاجات شعب كردستان الضطهد منذ قرون والقسم علی ثلث قومیات كبیرة ناهضة لكی یسترجع طاقاته ویستجمع قواه لیشاور ممثلی هذه القومیات “الخوة العداء = عادل إمام“ لیطمئنها علی الكف عن سیاسة الحتلل الفاشیة والشوفینیة و تكون بدل“ من ذلك علقات جدیدة بناءة مبنیة علی الصالح الشتركة و الحترام التبادل و التعایش السلمی لكی تكفل بتوفیر الحقوق وضمان الواجبات لجمیع أفراد الشعب لیعیشوا ویتعایشوا بحریة و سلم و أمان؟ ماهی تلك السیاسة التی تخدم مصالح الشعب بدل من إستعباده وتبحث عن طموحه وآماله بدل من التشكك بقدراته و إتهامه بالعمالة وأن تتعامل مع الواقع لكی یتفادی الشعب الوقوع فی كوارث أخری من الحروب والصراعات الهدامة فی الداخل والخارج؟ ماهی الۆشرات الیجابیة للحركات الجماهیریة والشعبیة التی أثبتت وجودها فی الساحة الكردستانیة بجمیع أقسامها وأظهرت قدرتها علی لم الجماهیر من الناث والذكور فی جمیع مكونات الشعب؟ متی یتمكن الشعب فی كل بقعة من أرض كردستان أن ینتخب لجانه من جمیع مكونات الشعب فی تلك القریة أو الدینة أو النطقة التی تحررها الجماهیر الناضلة والواعیة والخلصة فی إعتبار مصلحة الشعب فوق أیة مصلحة أخری شخصیة كانت أم حزبیة أم أجنبیة؟ ماذا ینقص هذ الشعب من مستلزمات العیش الحر ومقومات الحیاة السعیدة إذا تكاتفت قواه فی شخصیة قویة موحدة تتكون من آراء مختلفة ومعتقدات متباینة وشرائح متعددة تلم أجزاءها التناثرة فی وطن مشترك یتم بناءه علی أعمدة الثقة بالنفس و إحترام الرأی الخالف والعتماد علی الطاقات الذاتیة لتوفیر الخدمات بصورة عادلة وحل الشاكل بطرق سلمیة لكی یتمتع الشعب بالعز والمان؟ كیف یتم الوقایة من الفكر التطرف والشخصیة الضعیفة البنیة علی الخوف والخجل والخطیئة لكی نتفادی تكرار الوقوع فی مكالب الصالح الجنبیة وإستغللها لنا فی تدبیر الحروب وتكلیفنا بتنفیذها فتجلب لنا الكوارث والدمار؟! 

یمكنك الجابة علی هذه السئلة إذا تجردت من النظرة الحزبیة الضیقة و أمعنت النظر بجدیة فی الواقع السائد حالیا“ فی جمیع أجزاء كردستان. رأیك مهم وإن خالف رأیی، و مشاركتك ضروریة فی العمل من أجل توحید الوطن والشعب والقوی فی كردستان.   

*یمكن طلب قائمة الصادر من الۆلف. 

نشر فی شبكة صوت كردستان بتأریخ ٦\١\٢٠١٧  

http://www.sotkurdistan.org/index.php/articels/politic/item/798-2017-01-10-23-51-20

One Comment on “كیف تكون السیاسة فی خدمة الشعب ولیس العكس؟  – د. عبدالباقی مایی ”

  1. شكرا” جزیلا للنشر. ولكن مع الأسف الشدید یصعب قراءة و فهم المقالة بسبب سقوط بعض الحروف بتكرار فی المقالة كلها كما تلاحظون. هل من الممكن إزالة هذه النسخة من النشر وإعادة نشر المقالة من الأصل المنشور فی صوت كوردستان بتأریخ ٦\١\٢٠١٧ بدلا من النسخة المنشورة هنا؟ و إلیكم هنا الأصل الصحیح:
    مع الشكر والتقدیر
    د. عبدالباقی
    https://drive.google.com/file/d/1V0WNW8ZUUVZZuo1BUj3pkDBYFPryJXpY/view?fbclid=IwAR1Zc2proRU52mlysBsy0R9CevIStPZCHd2ahlB5KZ66YIVrBS4OQ8J6EnU

Comments are closed.