العراق في ثورة تشرين :- بقلم( كامل سلمان )

هل ثورة تشرين خرجت بتوجيه فكري ثوري من جهة محددة ونزلت الجموع المليونية الى الشوارع تحت قيادة منهج معين ؟ الجواب أكيد لا . هل ثورة تشرين هي ثورة الجياع ؟ الجواب أكيد لا . هل ثورة تشرين هي حركة تحريضية تخدم مخططات اجهزة مخابرات دولة معينة ؟ الجواب أكيد لا . . . إذا ماهي ثورة تشرين ؟ واين مفكري ومنظري ثورة تشرين ولماذا لم تحقق اهدافها وماهي عيوبها وهل نستطيع البت بإنها ثورة فاشلة ؟ هذه الاسئلة وغيرها لابد من وجود اجابات مقنعة لها وليس تسطير كلمات إنشائية . والا ما معنى مئات الضحايا من الشباب والاف الجرحى والمعوقين في حرب اشبه ماتكون بالحروب الدولية من حيث الخسائر البشرية ولكن احد طرفي هذه الحرب اعزل يصرخ يريد كرامته ويريد وطنه ويريد حقه ، والطرف الاخر يقتل ويعذب بأريحية وبأساليب إبداعية .
ثورة تشرين هو اعلان عن انفصال الشعب عن المنظومة السياسية ومن يقف وراءها وعدم الاعتراف بشرعية الحكومة القائمة ولا حتى الكيانات التي تقود البلد او الدستور المحاصصاتي بالرغم من صورتها الديمقراطية وهذه صدمة من العيار الثقيل للمرجعيات الدينية والسياسية ، المحلية والاقليمية ، لذلك كانت ردة الفعل قاسية جدا وغير ممنهجة من قبل الاطراف المتضررة من انتفاضة تشرين ، خرجت مجاميع من الشباب العاطلة عن العمل تطالب بتوفير فرص للعمل ثم انضمت اليها مجاميع تطالب بحل المليشيات واعادة هيبة الدولة ثم انضمت اليها مجاميع تطالب بإعادة اموال الدولة المسلوبة المسروقة ثم انضمت اليها مجاميع برفض تدخل دول الجوار في الشأن العراقي ثم انضمت اليها المطالبة بتوفير الخدمات ثم القوى الوطنية والقوى الطلابية والنساء والاطفال وبدأت الملايين تزحف مساندة طلبات المجاميع الشبابية فأصبحت ثورة شعبية لها مطالب وطنية متعددة واولها ازالة الوجود غير الشرعي للأحزاب والمليشيات الحاكمة مما دفع القوى التي وجدت نفسها هي المقصودة من هذه الثورة الى الاستعانة بجيوشها الدموية الظلامية وبجيوش دول التدخل في الشأن العراقي للإجهاز على الثورة وقتلها في المهد وبنفس الوقت تمت تلبية شكلية لمطالب الشعب فقط لوئد الثورة مع العنف المفرط بشكل لا يمكن تصوره في العصر الحديث لأجل اسكات هذه الثورة ، وهذا ما حصل فعلا ان الثورة سكتت بعد اشهر والاف الضحايا والمجازر الدموية وهنا تنفس رجال الدولة ورجال الوكالة الصعداء وهللوا بانتهاء الثورة وفشلها وتيقنوا بإن الثورة ماتت والى الابد. ولكنهم لم يدكوا امور كثيرة وهي ان اعظم ما تحقق من اهداف للثورة هو ان القوى السياسية الحاكمة لم تعد تشعر بإنها جزء من الشعب وكشفت حقيقتها وانكشفت عورتها بإنها بيادق اجنبية لا يمكن التستر عليها وما تحقق من هذه الثورة هو ان الدين لم يعد جلباب يغطي الفضائح فسقط الدين السياسي وسقطت اقنعته ولم يعد الدين يصلح كوسيلة لخداع الناس .
ثورة تشرين بدأت بلا منظرين وبلا مفكرين ولكن لم يمر سوى عامين على بداية هذه الثورة حتى بدأت الطروحات الفكرية والتنظيرية للثورة تظهر للسطح ومع تكامل الصيغ الفكرية لهذه الثورة ستعود الثورة من جديد بثوب جديد لا تستطيع اية قوة في الارض اجهاضها لإن العشوائية لن تتكرر هذه المرة .
نعم لم نعد نرى المجاميع الشبابية في الشوارع ولكننا نرى الاقلام الحرة المستوعبة للثورة بالشروع في جمع الثمار وتدوينها ورسم الملامح بدءا من شهداء الثورة وانتهاءا بمقاطعة الانتخابات ، فالشعب بعد ثورة تشرين رغم العنف اصبح الرقم الصعب الذي لا يمكن اهماله وهذا الرقم الصعب سيتعاظم قوة بشكل سريع وسيحقق جميع الاهداف التي خرجت الملايين من اجلها ، فالثورة لها اليوم مفكرين ومنظرين يعملون بجهود استثنائية لجعل الثورة ذات نكهة وطابع عراقي خالص وتوثيق ذلك ليصبح لهم وللشعب مرجعا ودستورا يبنى عليه قيام الدولة العراقية الصحيحة بقيادة ابناءها وليس ابناء دول الحقد ضد العراق .
نحن بحاجة الى الاقلام الحرة لتنظير الثورة ، فإن ثورة قدمت المئات من الشباب قرابين لا يمكن ان تموت ولا يمكن ان تمحى من الذاكرة ، فأنا استطيع ان اسميها ثورة الوجدان العراقي ، علينا جميعا توثيق كل المزايا التي صاحبت هذه الثورة ، فلم نسمع في كتب التأريخ ان ثورة تشترك بها جميع الطوائف والقوميات والطبقات الثقافية والاعمار والاجناس والمهن بشكلٍ عرس يومي فطوال مدة الثورة كانت عبارة عن اعراس يومية ، فهي ثورة الجمال وثورة الافراح وثورة الورود ، وحتى ان الاغاني الثورية والاناشيد الطوعية للفنانين بلغ تعدادها بالمئات وكل اغنية او انشودة هي بحد ذاتها نشيد وطني خالد ، إذا هي تأريخ وحاضر ومستقبل ويمكن لأي مثقف ان يغرف من هذا النهر العذب ويكتب عنه ونتاج هذه الثورة يجب ان يكون الاساس لبناء العراق الدستوري المستقل في المستقبل ، وأجمل مافي هذه الثورة ان شكلها ولونها وصياغتها عراقي خالص وبنفس ونكهة عراقية ولولا المطالبات بالحفاظ على سلمية الثورة لحرقت هذه الثورة الاخضر واليابس و لإشتعل العراق من شماله الى جنوبه ولكانت ثورة تدخل الموسوعات العالمية ولكن نقولها وبشكل واضح ، لا أحد سيضمن في المرة القادمة بإن الثورة تكون سلمية لإنها ستكون عازمة مصممة على قلع رؤوس الفساد واعادة الوطن لأصحابه ، خاصة بعد ان بينت نتائج الانتخابات الاخيرة بإن الشعب هو صاحب الكلمة العليا وهو من يقرر مستقبل البلد وقد تيقن اصحاب القرار السياسي هذه الحقيقة واصبحوا الان يتسابقون لإرضاء الشعب ولو بالتصريحات ، وهاهو التيار الصدري يستنسخ ثورة تشرين ولو بشكل جزئي ، لأنه ادرى بقيمة وعظمة ثورة تشرين ،، وستشهد المرحلة المقبلة تنازلات اكبر للشعب حتى تصل بهم الحال ان تقوم بعض الكتل بتسليم المجرمين قتلة شباب الثورة الى العدالة وهذه ثمرة اخرى من ثمار الثورة ان تحقق هذا الشيء اي ان الشعب لابد ان يخشاه الجميع لا ان يعاديه الجميع ، فهو الرهان الناجح في كل مكان و زمان . تحية لشهداء تشرين وأدخلهم الله الجنة مع الصديقين والصالحين . آمين