ماذا بعد زيارة السوداني لتركيا ؟- مهند ال كزار

 

منذ ما يقارب العام بدأت تركيا بترتيب أولوياتها تماشياً مع المتغيرات العالمية التي من الممكن أن تشهد في قادم الأيام منعطفات خطيرة, خصوصا بعد إعلان بريطانيا تزويد أوكرانيا بالدبابات وذخائر اليورانيوم المنضب, لاستخدامها بالحرب مع روسيا التي تدور رحاها منذ 24 فبراير 2022, وكذلك تماشيا مع التطورات الإيجابية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والذي تمخض عنها الاتفاق الإيراني- السعودي برعاية بكين, والتي ساعدها بلا شك لاعبون إقليميون، ولا سيما العراق وعمان، والتي أفضت إلى مزيد من التعددية القطبية والوكالة داخل المنطقة في الشرق الأوسط.

إلا أن حجم الملفات المختلف عليها بين كل من العراق وتركيا لا يخفى على أحد, فلا زالت تركيا تتوغل في الأراضي العراقية لملاحقة حزب العمال الكردستاني, الذي تعتبره أنقرة مصدر تهديد لأمنها القومي, وهي ترى أنها تخوض حرب بالنيابة عن العراق وسوريا ضد هذه الحركة الانفصالية, فهي بالمقابل تريد من العراق أن يقدر هذا الموقف, ويقوم بضبط حدوده والسيطرة على التحركات العسكرية لهذه الحركة, وأن يكون له موقف واحد لا مواقف متعددة من هذه التحركات التي تنطلق من أراضيه.

في المقابل: العراق يعاني من أزمة مياه حادة بلغت مستويات قياسية خلال الأسابيع الأخيرة، وسط توقعات بموسم جفاف رابع يضرب البلاد, وقد حذرت وزارة الموارد المائية العراقية من أن السنة الحالية من أقسى سنوات الجفاف التي مرت على العراق منذ عام 1930، مع تجاوز نسبة انخفاض الخزين المائي 60% عن الأعوام السابقة, وأن موجة الجفاف في العراق تفاقمت بسبب تحكم تركيا وإيران في مصادر مياه أنهار العراق، وسوء الإدارة بعد عام 2003.

لا ننكر أن هناك قواسم مشتركية كبيرة بين البلدين, منها الجانب الاقتصادي حيث يبلغ حجم التعاون التجاري بين البلدين 20 مليار دولار, وتجمع البلدين حدود جغرافية مهمة وطريق لمرور البضائع التركية إلى الدول المجاورة, ومشروع ربط السكك الحديد بين الشرق والغرب الذي يبدأ من البصرة جنوب العراق وحتى تركيا, إلا أن تركيا بدأت بممارسة الضغط المائي على العراق لتحقيق أهدافها القومية.

مفاوضات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مع الجانب التركي أسهمت بزيادة الأطلاقات المائية من نهر دجلة لمدة شهر واحد فقط, في المقابل تريد أنقرة من العراق ضبط الحدود وأدراج حزب العمال الكردستاني على لائحة المنظمات الإرهابية, خصوصاً أنه يصنف من قبل الاتحاد الأوروبي وتركيا والولايات المتحدة على أنه فصيل إرهابي, وتحديد الأطلاقات المائية لشهر واحد من الجانب التركي يهدف إلى مراقبة مدى جدية العراق في تحقيق هذين المطلبين.

المشكلة تكمن في كيفية التوافق بين الموقفين, فالموقف العراقي الحالي يختلف عن مواقفه السابقة, فالحاجة إلى تفاهمات مع الجانب التركي تنطلق من أساسات ضعيفة, جعلت منه في موقف لا يحسد عليه أمام المرتكزات التركية القوية التي تستغل ضعف الموقف العراقي وحاجته إلى المياه للخروج من أزمته الحالية, وترتكز أيضا على قوتها العسكرية المتوغلة داخل الأراضي العراقية وتهديدها للسيادة العراقية منذ أبريل عام 2022, وسط تشضي المواقف العسكرية في الشمال بين البيشمركة من جهة والقوات العسكرية العراقية المركزية من جهة أخرى, وعدم قدرته على السيطرة على تحركات حزب العمال الكردستاني .

بغض النظر عن الموقف التركي, العراق مطالب بضبط حدوده مع جيرانه الإقليميين ومواجهة حزب العمال الكردستاني المتواجد على أراضيه وفق المعطيات الجديدة, وان لا تكون الأراضي العراقية منطلقاً لتهديد أمن أي دولة جارة, كما يجب أن يعمل على إيجاد البدائل المناسبة للخروج من هذه الأزمة بعيداً عن الضغوطات التركية, التي من المؤكد أنها سوف تستغلها في تحقيق مصالحها على حساب المصالح العراقية  .

ماجستير علاقات دولية ودبلوماسية

 

 

طهران والرياض في مؤتمر بغداد 2

مهند ال كزار

إن أختلافا في الرؤى والأهداف بين كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية أدت بشكل واضح إلى تبني نوع من العلاقة تميزت بالمنافسة والتضاد, فالرياض تسعى إلى تبني سياسة تحافظ من خلالها على الوضع القائم في المنطقة, ومواجهة أهداف طهران التي ترى أنها تعمل على تغيير الوضع بما يتناسب مع ثورتها الإسلامية, لذلك وجهت كلا منها أسلحتها الإعلامية لتحقيق هذا الغرض أو ذاك, حيث تقود كل منهما الحرب الباردة في الشرق  الأوسط, للسيطرة والنفوذ في كلا من سوريا واليمن وفلسطين والعراق ولبنان والبحرين.

إلا أن سياق تطورات الأحداث الحالية في منطقة الشرق الأوسط جاءت متوافقة ومتسارعة بشأن إمكانية حسم الخلافات بين البلدين, لا سيما أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أعتمد أسلوب التهدئة في جميع ملفات المنطقة, كما أن لكل طرف من الأطراف دوافعه في تهدئة الوضع في المنطقة, فالجانب الإيراني يسعى إلى تقليل الآثار التي نتجت عن تطبيع بعض دول الخليج مع إسرائيل, وهذا يساهم في تقليل جهد المواجهة في منطقة الخليج العربي ويثبت الدور الإيراني فيه.

أما الدافع السعودي يكمن في رغبة المملكة في تعزيز دورها ومكانتها التي كانت تتمتع بها قبل الحرب في اليمن, وخوفها من توصل الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي, بعد أن انسحبت منه واشنطن بشكل فردي عام 2018 في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب، وأعادت فرض العقوبات على إيران من جديد, فضلاً عن التداعيات التي خلفها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بعد قرابة عقدين من الزمن, على حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك ترى كلا من طهران والرياض أن هنالك فرصة حقيقية لحدوث تقارب تاريخي بينهما, في ظل هذه المعطيات والرغبة المتبادلة التي ترجمت على أرض الواقع من خلال جولات التفاوض الثنائية بين البلدين برعاية عراقية .

لذلك يعقد اليوم مؤتمر بغداد الثاني الذي يستضيفه الأردن, وهو المؤتمر الثاني بعد مؤتمر بغداد الذي عقد في آب/أغسطس 2021 في العاصمة العراقية بغداد, وكان عنوانه مؤتمر التعاون والشراكة وشاركت فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية فيه على مستوى وزير الخارجية, ويشارك في هذا الاجتماع كل من العراق ودول الجوار إضافة إلى فرنسا، ومن المقرر أن يحضره مسؤول السياسة الخارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، ومعاونه إنريكي مورا الذي تولى التنسيق المباشر لمباحثات الاتفاق النووي.

حتى الآن لم يتم وضع خطة لعقد اجتماع بين الجانبين الإيراني والسعودي على هامش قمة مؤتمر بغداد الثاني, خصوصاً أن هنالك بعضا من سائل الإعلام أفادت بإمكانية حضور السعودية الاجتماع على مستوى ولي العهد, لا سيما أن الفترة الماضية شهدت لغة دبلوماسية أكثر تقارباً، وقد أعقبها البيان الخليجي الأمريكي الختامي لـ قمة جدة الذي تمسك بالطرق الدبلوماسية لحل مشكلة إيران النووية، كما نفت الرياض وجود أي حديث عن تعاون أمني أو تقني بين دول مجلس التعاون ودولة الاحتلال, وكذلك مع اقتراب وصول السفيرين الإماراتي والكويتي إلى طهران لمزاولة أعمالهما بعد ست سنوات من التمثيل الدبلوماسي الضعيف.

هذا التغيير في المواقف كان واضحاً في تصريح أبي الفضل عموئي المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى في إيران عندما قال ” الحكومة اتبعت طريق الحوار لإعادة العلاقات مع السعودية، والمعلومات التي تلقيناها هي أننا وصلنا إلى مستوى جيد جدا في هذا المجال, ومن المؤمل إجراء محادثات دبلوماسية بين البلدين قريباً، لأن هذا الإجراء يمكن أن يكون بالتأكيد مقدمة لإحياء العلاقات السياسية”, ولفت آل عاتي إلى أن رضا البلدين عما توصلت إليه الجولات الخمس السابقة يبدو واضحاً في تصريحات الجانبين، مشيراً إلى أن علنية هذه المفاوضات قد تنهي العديد من عوامل فقدان الثقة وتعيد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بناء على اتفاقات وضمانات علنية.

إن دعوة إيران والتأكيد على حضورها في هذا الاجتماع تأتي رغم جهود بعض الدول الغربية عزل إيران على الساحة الدولية والإقليمية، ومشاركة الرياض كلاعب فاعل على الصعيد الإقليمي يحظى بأهمية للأطراف المشاركة في القمة, كما هي محط اهتمام وسائل الاعلام الدولية, وأن الحديث عن بقاء هذه العلاقة المتشنجة بين البلدين محكوم عليه بالفشل, في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية, وأن الفجوة بين الجولة الأولى والثانية والتي هي أقل من عام ونصف أو حوالي 16 شهرًا، جاءت بسبب تأخير تشكيل الحكومة العراقية, وأن التقارب بين البلدين كاد بين قوسين أو أدنى .

 

ماجستير علاقات دولية ودبلوماسية مختص بالعلاقات الأمريكية – السعودية