نظرية ُدارون من وجهة نظر الفلسفة! – د . ادم عربي

موضوعُ التطورِ في الكائنات الحية من نباتات وحيوانات في جوهره علاقةٌ بين الكائن والبيئة ، إنَّ البيئة التي يعيشُ فيها الكائن الحي لا بُدَّ أنْ تكون ملائمة له من أجل البقاء والتكاثر ، وهذا شرط بقائه وإستمراره على قيدِ الحياة ، والكائنُ الحي يُؤثر في بيئته ، يُغيِّر فيها بطريةٍ ما أو على نحو ما ولحدٍ ما ، لكنْ! ، تَغَيُّر بيئته شرط أنْ يكون مستقل عن عيشه وتأثيره بها، هو الأساس في تطوره.
إنَّ بيئة الكائن الحي تتغير بإِستمرار والمقصود بيئته الطبيعية وبسرعة ، ومن ثُمَّ تتراكم التغيرات في بيئته وتتعاظم وتتحداه مع تغيرها المستمر أنْ يتغيَّر ويُصبح أكثر ملائمة لبيئته الجديدة ، فإنْ تلائم عاش وإنْ لم يتلائم إنقرض.
إِنَّ سرَّ التطور يكمن في موضوع التكاثر ، كلُ كائنٍ حي يلدُ مئات وألالف الكائنات من جنسه ، إنَّه يرمي بهم ويقذف بهم إلى مُعترك الحياة ، وما من شكّ أِنَّ هؤلاء الأبناء وعلى كثرتهم ليسوا متشابهين في صفاتهم المكتسبة على الرغم أَنَّهم نوع واحد ، فبعضهم يحملُ صفات أفضل من أقرانه مما يُؤهله أَنْ يكون أَكثر ملائمة وتوافق مع البيئة التي يحيى فيها ، ومن ثم إِبناًشرعياً لها ، أما الذي يملكُ صفات سيئة فيموت ولا يتكاثر.
إنَّ هذا الكائن الحي مالك الصفات الأَفضل سيتكاثر وينقلُ مزيداً من الصفات الجيدة للجيل الجديد ، وباستمرار لنصلَ إِلى تراكم صفات جيدة مع مرور الوقت ، والوقت هذا هو ملايين السنين ، إنَّ هذا التراكم الهائل من الصفات الجيدة سيأتي مع مرور الوقت بجنسٍ جديد ، والتطور على هذا النحو إنَّما يتَّفِق مع القانون الجدلي الذي يُوضِّح لنا كيف يتحوَّل “الكم” إلى “كيف”. ومما لا شكَّ فيه أَنَّ تكَوُّن نوع جديد يُمثل إنقطاعاً بالتدرجِ وقفزة وهذا يستغرق ملايين السنين.
قد يحدث ما لم يحمد عقباه وهو آَنَّ البيئة الطبيعية لكائن حي قد تتغير تغيراً سريعاً ومفاجئاًَ ، وما من شكّ أَنْ النتيجة لهكذا وضع قد تكون إِنقراض النوع كله لعدم مقدرته على التكُّيف مع هذا الإِنقلاب البيئي ، لكنْ! ، قد ينجح بعض أفراد هذا النوع في التكُّيف مع البيئة الجديدة ،لكونها تملك من الصفات والخصائص التي كانت كامنة فيها ، ما يسمح لها بالتكُّيف مع البيئة الجديدة ، وهنا لا بدَّ من ملاحظة آَمر في منتهى الأَهمية أَنَّ هؤلاء يُطَوِّرون من الأعضاء والوظائف الفسيولوجية.. ما يسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة في هذه البيئة، وبالتكاثر.
وهكذا تُعاد نفس العملية والقفزات لنصل إلى تفرُّع أنواعاً جديدة من أصل واحد ولكنها مختلفة وتعيش في بيئات مختلفة ، كل يذهب في حال سبيله ،ونحن نتحدث عن ملايين السنين ، وقد ينقرض الأَصل وينشأ من كل فرع من فروعه أَصلاً ، إِنَّ هذا يتوافق مع قانون التَّبدُّلات الكمية المتراكمة  تؤدِّي في نهاية المطاف  إلى تبدًّل نوعي كيفي ، ولا بُدَّ لهذا التبدُّل قيدَ الوصل أنْ يكون على شكل قفزَّة وعلى هذا الأَساس لا يمكن أن يكون نوع أو حلقة تتوسط النوع القديم والجديد ، وللتقريب ، الماء عندما يتحول إلى جليد ، لا نعرفُ نوعاً ثالثا يتوسطهما ، فالماء هنا إمَّا أنْ يكونَ صلباً أو سائلاً ولا يوجد شيء يُشبه العجينة بينهما.
وفي سعينا في هذا الإتجاه نقول أنَّ الإنسان لَمْ يتطور عن قرد ، فنحن ولقرود لنا أَصل واحد أو جداً مشتركاً وهذا الجد المشترك إِنقرض أصلاً وهو ليس إنسان وليس قرد.
إنَّ الحلقة الوسيطة ناتجة بلا شك عن قفزَّة نوعية ، فحسب نظريات التطور فإِن هناك حلقة وسيطة بين الثديات والزواحف ، وهي بحسب هذه النظريات جسر إنتقال من الزواحف إِلى الثديات ، انَّما هذا النوع ليس من نوع الزواحف وليس من نوع الثديات ، انَّه نوع قائم مستقل بحد ذاته ، نشأَ كما أَسلفنا سابقاً عن طريق قفزَّة نوعية ، فإنَّ بعضاً من نوع الزواحف تحوَّل فجأة إلى هذا النوع الحيواني الجديد المسمَّى الحلقة الوسيطة بين الزواحف والثدييات ، وإنَّ بعضاً من هذا النواع أيْ من أفراد هذا النوع تحوَّل فجأةً إلى ثدييات.
من الصعب الحصول في المُتَحَجِّرات على هذا النوع المسمى الحلقة الوسيطة وذلك لأَنَّ العمر الزمني لها مقارنة بالأَنواع المستقرة قليل جداً.
بصورة عامة فإِن موضوع التطور في الكائنات الحية يحكمه قانون الإِنتخاب الطبيعي وحسب هذا القانون يبقى الأَصلح ، مع ملاحظة أنَّ هذا القانون يتوافق مع القانون الجدلي “قانون نفي النفي” وهذا القانون والذي أساسه هيجيلياً وتبنته الماركسية لاحقاً يتضمن ثلاثة عناصر : إلغاء ثُم َّإستبقاء ثُمَّ إضافة ، وعليه ما هو سييء من صفات النوع القديم يُلغى أَي فلسفيا النفي، والحسن والصالح من الصفات في القديم يبقى مستمراً في الجديد وهي الإستبقاء ، والذي لا يمكن أَنْ يخرج للوجود إٍلَّا ومعه صفات جديدة  وهي الإضافة.
أَخيراً الكائن الحي يتكاثر ويقدم للبيئة ألاف المرشحين مختلفي الخصائص والصفات ، فتقوم البيئة بعملية الإِنتخاب بإِِختيار الأَصلح تاركة للأَضعف الهلاك .
إنَنَّا ندرس التطورمن خلال السجل الجيلوجي ، وهذا السجل يرصد لنا تطور الكائنات الحية نباتية أو حيوانية ، كل طبقة جيولوجية تمثل حقبة زمنية عاشت فيها أنواع نباتية وحيوانية ، وفي كل حقبة يجد العلماء أَنواع محددة من الحيوانات والنباتات ، على شكل مُسْتَحْجَرات ولو وَجدَ العلماء في طبقة جيولوجية واحدة على مُسْتَحْجَرات لديناصورات وبشر عند ذلك يحق لخصوم وأعداء هذه النظرية الإَحتفاء بسقوطها و  النَّيْل منها .