صور الإمام علي مرة آخرى !- نجاح محمد علي 

تعود ، بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام علي بن أبي طالب ، ظاهرة إنتشار ” صور ” على المنتديات في المواقع الاليكترونية الأنترنت يٌزعم أنها للامام علي عليه السلام ..
هذه الصور تبدو غريبة جداً ، ليس في شكلها فقط ، وإنما في التأييد الكبير الذي حصلت عليه ،سواء من عامة من يسمون أنفسهم بشيعة علي، أو من بعض المحسوبين على المرجعيات الدينية ، غالى بعضها الى درجة أنه صرح بأن الشيوعيين الملحدين في روسيا، يحتفظون بواحدة من هذه “الصور” للإمام علي في متحف في موسكو ويعتبرون علياً ” أمير المؤمنين” وأنه ليس منحصراً بشيعيته، أو بالمسلمين!.
كتبتٌ عن هذا الموضوع سابقًا ، وقلتٌ كثيراً في مقالات سابقة إن نشر تلك الصور ، يسيء ، ربما عن غير عمد، الى الإمام الذي كتب عنه الأديب المسيحي الراحل جورج جرداق موسوعة كاملة ، تقع هذه الموسوعة في خمسة أجزاء وملحق، تناول من خلالها الكاتب محطات ومواقف مهمة من حياة علي بن أبي طالب ليبين فيها بأن الإمام علي هو أفضل نموذج تجلت فيه القيم الإنسانية كالـعدالة والحكمة والإنصاف والشجاعة والقيادة والعلم على مر التاريخ.
ذات يوم عندما كنتُ في طهران، زارني الصديق العزيز الاستاذ محمد عبد القادر الجاسم، وكان رئيس تحرير صحيفة “الوطن” الكويتية ، وطلب مني أن نذهب الى مرقد الامام الخميني الراحل قدس سره ، وبالفعل ذهبنا وأريته المرقد وكيف يتهافت الناس على زيارة صاحبه الذي سحر القلوب وفجر من منفاه عند ضريح الامام علي بالنجف، ثورة عظيمة غيرت وجه العالم ولاتزال تأثيراتها مستمرة حتى الآن.
وعند أحد البوابات وجدنا رجلًا يفترش الأرض ويبيع صورًا مختلفة للامام الخميني، وهي إذاً “فرصة” للتكسب من “زوار” الأمام الذي يدفعون بسخاء بعد ” جو ” من الروحانية والسير نحو الله، حصلوا عليه قرب الضريح ” من إقامة الصلاة ،وقراءة القرآن والدعاء واستذكار ماكان يكتبه السيد الخميني عن الصلاة وسرها وقد أسماها رحمه الله بـ”معراج العارفين” ، وليس بالتبرك بالقبر أو التمسح بجدران الضريح أو أعمدة المسجد!
وقفنا نتأمل في الصور، وبعضها كان عن فترة شباب الخميني ،ولكننا وجدنا صورة مختلفة لا تشبهه، بل هي قطعًا لغيره .
كانت الصورة مرسومة لرجل مفتول الشاربين الى أعلى على طريقة الفرس القدماء، كثّ الحاجبين تجاوز الخمسين من العمر ، قوي العضلات كأنه مصارع ” بهلوان” جاء من الزورخانة التي تزدهر بها ايران منذ القدم وحتى الآن لممارسة رياضة ” الفتوة” بطقوس يتردد في صداها إسم الامام علي عليه السلام كرمز لهذه الفتوة في ايران!
سألني صديقي الجاسم :
– من هذا الرجل ؟ وربما حسبه واحدًا من شهداء الحرب العراقية الايرانية من الشخصيات المرموقة، لكن الصورة بلباس صاحبها وهيئته العجيبة، كانت تتحدث عن زمن قديم جدًا..
أعدت أنا طرح السؤال، ولكن على الشاب البائع وظننته قرويًا جاء من الريف أو من أطراف المدينة القريبة الى طهران العاصمة لكسب لقمة العيش :
– من هذا؟!!
وأثار سؤالي “غير المؤدب” من وجهة نظر البائع ومن كان حوله دهشة واستغراب بعض من كان حاضرًا يطالع الصور، ورد البائع بتثاقل واضح، وباستنكار :
– ألا تعرفه؟!!..
فقلت بعفوية وصدق:
– لا والله لكنني أعتقد أنني رأيته في مكان ما ، ربما قرب منزلي ..
– أجاب البائع باختصار شديد يلخص غضبه من “جاهل” مثلي لايعرف صورة إمامه، وهو يُخرج ما في فمه ببطء شديد ، ولكنه كان يلقي بـ” مُسَلمَةً ” لانقاش حولها:
– إنه الإمام علي ..وقالها بفارسية تحوي الكثير من الاستهزاء بجهلي وجهل صاحبي الكاتب والصحافي والاعلامي الكويتي المعروف.
ووقعت إجابة ” بائع الصور” عليّ تحديدا كالصاعقة لأن صاحبي لم يكن معنيًا كثيرًا. يفترض بي وأنا المحسوب على مدرسة أهل البيت عليهم السلام، أن أعرف الإمام علي وأعرف أوصافه وكل ما قاله عنه الرسول صلى الله عليه وعلى آله الكرام..
فعليّْ بالنسبة لي ليس مجرد شخصية تأريخية أو إماماً مفترض الطاعة، أو خليفة لرسول الله ..
إنه الطريق الذي يوصلني الى سُنّة رسول الله ، والباب في ” وأتوا البيوت من أبوابها ” وفي قوله صلى الله عليه وآله ” أنا مدينة العلم وعلي بابها ….” الحديث.
وإنّي أُشهدُ الله أني أحبُ عليا لأني أحبٌّ رسول الله روحي فداه، وأحب عليًا وأتبع نهجه لأن الرسول أمرني بذلك وهو صلى الله عليه وآله ” لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحيّْ يوحى”..حيث قال :” من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ومن” ” أبغض عليا فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض الله” …
وقال تعالى :
” قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم..”
سرحتُ بعض الوقت في ” علي” وصورته التي أعرفها له في ذهني، ولم أتمالك نفسي فصحتُ في البائع ، في خطاب موجه لكل الحاضرين:
– ويحكم ..هذه صورة “محمد القصّاب” ، بائع اللحم عندنا في شارع دولت بطهران حيث كنتُ أقطن، وكان يبيعنا اللحم بسعر السوق السوداء ، وبعض الدجاج المنقوع بالماء لأيام كي يزداد وزنه..
في أيام وسنوات خلت أيضا ، أعاد البعض، نشر صورة قالوا إن راهباً رسمها للامام علي، وهي موجودة في متحف بروما، وربما هي نفس الصورة التي أشار لها البعض في موسكو بقوله إن وزيرًا للشاه السابق أطلع عليها في عاصمة الاتحاد السوفيتي السابق.
ولهذا فانه يحق لي أن أتساءل :
– كيف يسمح عقلاء القوم بنشر مثل هذه ” الخزعبلات” وترويجها ولايستنكرون نشرها، في زمن نحن أحوج فيه الى الالتزام بنهج علي وفكره وخطه . وأن البحث عن صور بالتباكي وما وصفه بعض المخلصين البسطاء تعليقًا على
“الصورة” التي يقولون إن راهبًا رسمها في الكنيسة التي تحولت الى مسجد بُراثا في بغداد بالقول ” إن علينا إعادة الصورة من متحف روما ” وكأنهم قرروا وقضوا جازمين بأنها هي فعلا للامام علي!
لماذا تغض المؤسسات الدينية غالباً،الطرف أو تتغاضى عن انتشار ” الخرافة ” ولاتتصدى لها، بل وتدعمها في الكثير من الأحيان أطراف محسوبة عليها ، وهي لاتقتصر على الصور ؟
في الزيارات الى مراقد الأئمة نجد الكثير من ” الخرافة” أو ممارسات غير مقبولة ، وأفضل الحالات الاستهانة بالزمن والتفريط به ، وهنا نتحدث عن زيارات للامام علي وابنه سيد شهداء أهل الجنة الحسين، وحفيديه موسى الكاظم ومحمد الجواد، وطبعاً الامامين العسكرين عليهم السلام جميعًا، وما تشهده الزيارات ” الطويلة زمنيًا ” من تفجيرات يذهب خلالها المئات من الضحايا، عدا تعطيل البلاد لأشهر في العراق، وكأن صراعنا مع نظام البعث السابق، كان فقط من أجل هذه الزيارات وحسب، برغم أنني شخصياً أؤيد بقوة دورة هذه الطقوس في التعبئة الثورية والعقائدية نحو مكافحة الظلم والاصلاح.
صرخة أطلقها للمرجعيات الدينية لكي تحفظ ” الطقوس الدينية ” من بعدها المعنوي ومن التسييس الطائفي المثير لنعرة طائفية في الجهة الأخرى بما يكرس الفرقة والانقسام داخل المجتمع المسلم الواحد بما يحمل ذلك من تداعيات خطيرة على الوطن الواحد ويلغي أو يضعف مفهوم ” المواطنة” عند الشيعة في أوطانهم.
وأما الصور التي تنتشر ويحرص الكثيرون على الاهتمام بها حتى التقديس، فإني أرى أنها تسيء لعلي عليه السلام ،كما تسيء لمحبيه وهي إذاً واحدة من أوجه تحول الولاء الديني الى عقيدة انتماء قبلي، فلعلي إبن أبي طالب صورة واحدة هي المرسومة في العقل والفكر والقلب وليست في متحف في روما أو موسكو أو حتى في القمر والشجرة كما يقولون ، وهي صورة ذلك الفتى المطيع لرسول الله ويقول عنه هو : ” ولقد كنتُ أتبعه إتباع الفصيل إثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه عِلماً ويأمرني بالإقتداء به” ، العامل بأحكام شريعته وفق شروط الزمان والمكان، الذي كان يقول : قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً ..
الصورة التي أراها للامام علي عليه السلام أنه كان ولايزال نموذجًا حيًا وراقيًا، لعملية تأسيس الوحدة الإسلامية والترفع عن الخلافات، والسعي المتواصل نحو التوحيد لا التشتيت..
ورحم الله المفكر الايراني الراحل علي شريعتي عندما قال عن الامام علي بن أبي طالب عليه السلام إنه : « كان أول من وضع حجر الأساس وأرسى قواعد الوحدة في المجتمع الإسلامي، وأول من قدم القرابين وضحى، وتحمل أثقل ضريبة، ودفع أغلى الأثمان التي يمكن للإنسان الراقي والسامي لمستوى الكون أن يدفعها من أجل الوحدة»..
أليست هذه هي صورة علي التي يجب أن تكون له، أم أن نرسمه بكل اسقاطات ذهن تربى على الأنا والقوة ، وإقصاء الآخر كما تظهره الصور التي تحاول أن تعكس شجاعته، بصورة فارس أو قصاب أو حتى طرزان؟..
وعذرا لوليد الكعبة وشهيد المحراب ..
إلهي: لا تجعل إيماني بالإسلام،ومحبتي لآل الرسول(ص)، كإيمان المتاجرين بالدين، وبالتعصب، وبالرجعية.. كي لا يأسر رضى العوام حريتي، وكي لا يدفن ديني خلف “دكان ديني”،وكي لا تصوغني العوام مقلدا ً للذين يقلدونني، فأسلم من كتمان ما أراه حقا ً لأنهم لا يستحسنونه!
إلهي : أنا أعلم أنَّ إسلام رسولك قد بدأ بـ ( لا ) مثلما أعلم أنَّ تشيع وليك قد بدأ بـ ( لا ) أيضًا فاجعلني يا باعث محمد ويا حبيب علي بـ ( إسلام نعم ) وبـ ( تشيع نعم) كافرًا !!
نجاح محمد علي صحفي استقصائي مستقل من العراق. خبير في الشؤون الايرانية والإقليمية
لمتابعته على تويتر @najahmalii