عصر السرعة ، وعصر اللصوص :- كامل سلمان

لم يشهد اي عصر من العصور نوعيات والوان واحجام من السرقات مثلما يشهده عصرنا الحالي ، فأينما نولي وجوهنا نجد اللصوص امامنا ونجد سرقات بحلة جديدة ، كل اللصوص المعاصرين مبدعين ، السياسي يسرق ، رجل الدين يسرق المقاول يسرق التاجر يسرق ، الطبيب يسرق ، الحكومات تسرق الشعوب ، الاغنياء يسرقون الفقراء ، الاحزاب تسرق ، كلهم يسرقون ، ولكن يسرقون من ؟ يسرقون المواطن . منهم من يسرق جيبه ، ومنهم من يسرق عقله ، ومنهم من يسرق حقوقه الفكرية والاخلاقية والمادية والقانونية ، ومنهم من يسرق قلبه ، ومنهم من يسرق حريته ومنهم من يسرق كرامته ، ومنهم من يسرق روحه ليبقيه جثة هامدة ، يعني ان حال المواطن هو حال الذبيحة ، منهم من يأخذ اللحم والعظم ومنهم من يأخذ الاحشاء ( كبد وكلية والقلب والرئة ) ومنهم من يأخذ الصوف والجلد ، ومنهم من يأخذ الرأس والارجل وماتبقى ترمى للكلاب والقطط ، يفصخون الإنسان ويتلاعبون به ، ويتبايعون به ، لأنه إنسان يسعى للعيش بسلام وآمان ، ولكن هيهات ان يرى السلام والأمان . إذا لم تكن مثلهم متضلع بعلم او فقه اللصوصية فعليك الجلوس مع الضحايا ، لأنك نظيف المنشأ ، وكل نظيف عليه ان يدفع ضريبة نظافته لكي يحافظ على نظافته وطهارته . لم أعد أقتنع بأن من أرتفع قليلاً لم يكن احدهم اي من اللصوص ، اي من الملوثين . الفقير يحمل هويته وهي هوية الطاهرين وغير الملوثين ولا يحتاج الى تزكية من أحد فأن ألم الجوع تزكية له.. من غرائب عالم اللصوصية ، ان اللص الوقح العدواني الجسور ينال الاحترام والتبجيل من قبل أقرانه اللصوص لأن يده كريمة ممدودة اليهم و يزيد من عطاءه اليهم وعند السهرات الليلية يذكرون بطولاته ، وكذلك ينال الاحترام والتبجيل من قبل الضحايا أنفسهم الذين سرقهم لأنه يواسيهم ويبكي معهم ويصرخ معهم ويشاركهم المصائب ، وايضاً ينال التقدير والاحترام من المجتمع لأنه صاحب مال وصاحب جاه ومكانة مرموقة . فلم يعد اللص المحترف يرضى الا ان ينال شهادة المليونير وتتبعها الملياردير عندما يصبح حوتاً . فهي درجة الاستاذية العليا ولا يصلها الا ذو خباثة عظيمة . وبما اننا نعيش عصر السرعة فلابد ان يتم ذلك بأسرع وقت ، أي في ليلة وضحاها حتى وان كلف ذلك قطع بضعة الاف من رؤوس الابرياء ، والتبريرات جاهزة والاعلاميين اصحاب الضمائر الميتة موجودين لتحويل الفعل البربري الى فعل بطولي او جهادي . . . يقال قديماً عن السارق المحترف بأن له القدرة على سرقة الكُحل من العين ، وهذه المهارة تؤهله لسرقة حاجة منزلية صغيرة ، اما لصوص اليوم الذين نالوا شهادة المليونيرية والمليارديرية فأنهم قادرون على سرقة العين نفسها وترك الكُحل بلا عين ، هذه الامثلة لم يعد لها مكانة في عالم السرقات ، فعلم السرقات قد تطور كثيراً ووصل الى مراحل سبقت العقل البشري ، واليكم واحدة من الامثلة على تطور علم وفقه السرقة هو ان احد المسنين وهو راقد على فراش الموت ، يترك في وصيته سرقة خطط َ لها ولم ينفذها طالباً من ورثته اكمال المهمة ، اتدرون ماذا يعني هذا المثل ؟ أنه يعني حتى الموت لم يثبط عزيمة اللص ياله من وقاحة . قديماً كان اللص هو احد النماذج المنبوذة اجتماعياً ، اما اليوم اللصوص هم القادة والاساتذة والعلماء والتجار ورجال الدين ، اي فقط الطبقات المحترمة تسرق . ولا تستغرب ان ترى لدى اللصوص الكبار موظفين وعاملين من حملة الشهادات العليا ولديهم مؤسسات خيرية شاخصة ولديهم جيوش من الحمايات وحتى وسائل اعلامية وفضائيات ، فأياديهم وحدها قادرة على الوصول الى الثريا ، فاللصوص الكبار يصنفون أنفسهم النبلاء في المجتمع ولكن الإنسان النظيف لا ينظر إليهم سوى أنهم مرضى نفسياً وهم حثالات المجتمع يقززون النفوس البريئة ولا يزيدهم المال الحرام الا عفونة و قبحاً .

2 Comments on “عصر السرعة ، وعصر اللصوص :- كامل سلمان”

    1. السيد محمد توفيق ، مفهوم مفردة الشرفاء عند المجتمعات الغربية يجب ان تكون مقرونة بالشجاعة والتحدي ، اي لا معنى للثقافة والشرف بدون الجرأة والشجاعة والتحدي ، لذلك عندهم الشرفاء يقودون المجتمع والناس تهابهم ، اما في مجتمعاتنا للأسف الشرفاء هم الاكثر خوفاً ، و ترى الناس تهاب اللصوص لأنهم أشجع من الشرفاء وأشجع من المثقفين . هذه مفارقة نمتاز بها بأمتياز . الشرفاء والمثقفين عندهم مرعبين ، وهذا ما نلاحظه بشكل واضح . هذا سر من اسرار تفوقهم علينا !!!، شكراً لتعليقك ، تحياتي

Comments are closed.