ترتيب الأولويات : كامل سلمان

هذا موضوع اجتماعي فكري مهم ، قليل من الناس يلتفتون الى أهميته وهو ترتيب الأوليات . أنت ترغب في شراء سيارة ورغبتك بالسيارة تذهب الى موديل السيارة والمنشأ واللون والمتانة والسعر ، لكن ترتيبك للأولويات هو الذي يحدد صواب اختيارك ، أنت تريد الزواج من أمرأة ، ترغبها جميلة عاقلة شريفة متعلمة غنية قوية ، لكن ترتيب اختيارك الصحيح هو الذي يحدد نجاح علاقتك الزوجية فيما بعد . الناس كلهم يرغبون بجميع المزايا للزواج او لشراء البيت او السيارة او العمل او غيرها ، ولا يختلفون في المزايا ولكنهم يختلفون في الأولوية لهذه المزايا ، وهذا الترتيب في المزايا هو الذي يحدد صواب اختيارهم والنجاح فيما اختاروا . وهذا الشيء ينطبق على اختيار الاشخاص الذين يقودون البلد عند الذهاب الى صناديق الاقتراع فمنهم من يختار عنوان المرشح واسمه وشهاداته او لباقة لسانه او تأريخه او شكله او اية صفة اخرى فيفشلون في الاختيار ويدفعون ثمن فشلهم لأن ترتيبهم للأولويات كانت فاشلة ، كانت مبنية على اساس غير صحيح ، لأن بعض المواصفات المطلوبة يمكن التلاعب بها من قبل المرشح فيتم خداع الناس بها فتنطلي عليهم الخدعة ، إذاً العيب كل العيب في ترتيب الأوليات ، وهذا الكلام ينجر حتى في العلاقات الاجتماعية والعمل والتربية ، مشكلة الإنسان عندنا إذا أحب الجزء أحب الكل ، فمثلاً إذا أحب جزء او صفة في المرأة لا يلتفت الى الاجزاء الاخرى فينبهر بها من خلال الصفة التي أحبها ويتناسى ضرورات الصفات الاخرى ، ثم لاحقاً يكتشف حجم الخطأ الذي أرتكبه ، الجزئية في الاختيار سببها قلة المعرفة من ناحية ومن ناحية ثانية الميول العاطفية . في اي اختيار إذا كانت للعاطفة دور ريادي فإن الفشل سيكون مؤكداً ، في الدول المتقدمة يذهب الناخب الى صناديق الاقتراع وفي ذهنه اختيار من يخدم مصلحته الشخصية ومصلحة المجتمع بعيداً عن ان ميول عاطفية او دينية او مذهبية او ايدلوجية ، لأن ايدلوجية المرشح او نزعته الفكرية سوف لن تقدم الخدمات التي يرجوها المواطن ولن تنفعه في شيء . الوعود الكاذبة فيها مجال كبير للتلاعب بعقلية الناخب . هذه المشكلة تجدها فقط في المجتمعات القليلة الثقافة وتغلبها العاطفة فتكون النتائج عكسية . الكل عقلاء والكل يرغبون في الافضل ولكن القليل هم من يستطيعون ترتيب الاولويات . ماذا أفاد الناخب الشيعي عندما اختار مرشح شيعي بغض النظر عن المواصفات الاخرى ، وكذلك السني والكوردي وغيرهم ، هل العاطفة المذهبية او القومية أفادتهم بشيء ؟ راحة الإنسان وسعادته تبدأ من هذه النقطة . من المؤسف جداً ان يسلم الإنسان امره لمن ضره أكثر من نفعه ويحرم نفسه جمالية الحياة ويبيت نادماً على سوء اختياره ، وكأن حياته ملك لغيره وليست ملك لنفسه ، هذا الاسفاف بقيمة الحياة لا يفعلها إنسان عاقل يحب نفسه ويحب الحياة ، أنا لا أسمي هذا الشيء جهالة بل أسميه احتقاراً للذات وتنكيلاً بالنفس حينما تختار بناءاً على ميولك الدينية او المذهبية او القومية او العاطفية . ان اعظم شيء يفعله الإنسان هو ان يقدس نفسه ولا يحط من قيمتها ولا يجعلها رخيصة من اجل غيره ، وحتى الوعي لا يمكن ان يكون موجوداً فعلاً الا عند من اعطى لنفسه قيمتها . ما نراه اليوم عند كثير من الناس رخص النفس ، هل تتذكرون الشعارات التي كان يهتف بها الناس لصدام حسين ( بالروح بالدم نفديك ياصدام ) اية نفس رخيصة هذه التي تفديها لحاكم او قائد ونفس الشعار مازال الناس تردده فقط تم رفع اسم صدام و وضع اسم اخر ، حتى وان كان هذا الشعار غير نابع من القلب فهو احتقار للنفس . مشكلة الناس انهم لا يتبعون القادة لمصالحهم بل يحتقرون انفسهم ويتبعون نوازعهم الايدلوجية ، والسبب دائماً هو نفس السبب الذي اشرنا اليه ، وهذه طامة كبرى لمجتمع يريد ان يكون بمصاف المجتمعات الاخرى . هيهات ان تتغير الاحوال والعقول ثابتة ولا تتغير . لا يوجد مجتمع في الدنيا يشكو سوء حظه مثل مجتمعنا ، والحقيقة هو ليس سوء حظ وإنما سوء تدبير وسوء اعتقاد وسوء اختيار ، فياليت الناس تتحرر من عقولها المتقولبة على الخطأ ليروا كم هم ظالمين بحق انفسهم ومجتمعهم واجيالهم .