شذرات عن بعض المجتمعات الأيزيدية- ليس بحثا/2 – مراد سليمان علو

 

لا يمكن أن تقهر الظلام في النهار من فلم ـfinding fanny

(1)

ما يهمني في هذه الكتابات المتتالية (شذرات عن بعض المجتمعات الأيزيدية) وربمّا غيرها، هو إن أؤكد لكم ثقافتنا الشنكالية تمر بمرحلة انتقالية. تلك الثقافة الخليطة من البيئة المحيطة ومنها الكرمانجية الأصيلة بطبيعة الحال التي بقي منها أوشال، والعربية، أو الأوربية، تلك العادات والتقاليد البدوية القديمة المخلوطة حديثا بالتمدن والعولمة معا.

أنا أفهم الأيزيدياتي كفلسفة ونور يضيء الدرب وثقافة يومية. وبالتالي هي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمجتمعات الأيزيدية أينما وجدت؛ وتأسيسا على ذلك عليك كأيزيدي أن تقوم بفروض معينة، وتضع نفسك في إطار لا تريد الخروج منه. بل لا يسمح بالخروج منه، وأعلن كم هو مجهد ومضني هذا الأمر في عصر الأتمتة والأنترنت الذي نعيش فيه وقد أصبح العالم، كل العالم ليس مجرد كقرية بل كحارة بوسعك الاطلاع على مقتنيا كل دار فيها.

الأيزيدياتي بذلك أقرب ما تكون إلى الهندوسية كفكرة وفلسفة. كما يقول الباحث الدكتور خليل جندي، ولكنها ككل شيء آخر في الحياة تتغير بتبدل أفراد مجتمعاتنا. ليس كنور في قلوبنا، فهو باقي ما بقيت الشمس تشرق. بل كتصرفات أخشى من بعضها أن تتأصل إلى عادات أو تقاليد تتمسك بها بعض الناس.

أزداد عدد النفوس نتيجة تقدم العلوم والقضاء على الأمراض وتوسعت المدن وكثرت القرى وتعددت الفئات وتنوعت في المجتمع الواحد. والآن العشيرة الواحدة أكبر من قبيلة بني هلال في أوج مجدها. وكل فخذ في العشيرة يترأسهم شخص ويدعي نفسه رئيسا حاله حال رئيس عشيرة القيران الأخير (الشيخ خدر)، هذا الرقيع السكير يظن لا فرق بينه وبين (الشيخ خدر) أو (داود الداود) أو (الفقير حمو شرو) فهو شيخ، وهم كانوا شيوخ أيضا وعلى رأي بعض الأفلام المصرية التجارية (مفيش حد أحسن من حد).

هذا الشيخ أو رئيس العشيرة له الحق أن يتفاخر بعشيرته وبمناصبه، وبعدد هوياته ومستمسكاته الرسمية وشبه الرسمية التي يحتفظ بها إينما ولى بوجهه، وشكرا للمنصات الاجتماعية وقنوات التلفزيون الفضائية والأنترنت، فكل واحد لديه جيش ألكتروني من العاطلين عن العمل عن قناعة، ولديه صفحة باسمه مكتوب عليها (إعلام الشيخ…). ويقف خلفه كتاب من العشيرة وشعراء ومثقفون من طراز خاص. يشبهونه في الصفات ولو سنحت لهم الفرصة لربمّا أصبحوا أسوأ بكثير.

هؤلاء همهم في الدنيا أن يكتبوا عن شيوخهم ورؤساء عشائرهم ومدرائهم ومسؤوليهم وينظمون فيهم القصائد النثرية السمجة والخطب السخيفة تلقى على مسامع الناس في المناسبات، وفي الدواوين، وحتى دون مناسبة.

(2)

أذن الفرق بين وعاظ سلاطين الأمس ووعاظ الشيوخ ورؤساء عشائر، وجسم المرأة اليوم بالدرجة لا بالنوع. فهم من نفس النوع ومجبولون من نفس الطينة ولكن الزمان يختلف. إنهم يتنعمون الآن بالكهرباء والأنترنت الذي يتيح لهم التجوال في الشبكات العالمية. يتباكون على الفراشات وشفاه الحلوات، وخدودهن الحمر ومازالوا يشبهونهن بالتفاح اللبناني ـ رغم خراب لبنان ـ وحبذا لو يستخدمون بعضا من الضمير والرهافة في أحاديثهم وأشعارهم عن شعبهم وبلادهم الجريحة التي تتكالب عليها الذئاب لأنهم منذ أجيال يشكون من ظالم ويقدسون ظالم. وهم مثل الأطفال اليتامى التائهون الذين يبحثون عن أي أجنبي يتبناهم ويستعبدهم، أو يطبطب على ظهورهم ويغشهم من جديد.

كل ما نجده لدى بعض هؤلاء الشعراء والفنانين وهم الأغلبية: تلاعبات لفظية مملة وسخيفة عن الحب، ولا تعني شيئا من مشاكل تطوير أدبنا وفننا الشنكالي أو الأيزيدي الناطق بالعربية، خاصة الجانب الشعري والغنائي، همهم الانسياق وراء تخيلات للوصول إلى مكانة (نزارية) أو (كاظمية) ولكن طبعا بغياب عشر الموهبة النزارية أو الكاظمية التي تعتبر ظاهرة ثقافية نادرة في الشعر والموسيقى في هذا الزمان.

وفي رأي: يتميز الكثير من هؤلاء المثقفين بانعكاس ذكوريتهم وفحولتهم من الناحيتين الجنسية والنفسية ـ الرمزية على كتاباتهم، وقصائدهم، وأغانيهم. أي أن اللغة تعكس وتفضح مكنوناتهم الداخلية في سمة مميزة للعقل الغائب والإلغائي للآخر المختلف. فهم يتصورون انهم امتلكوا البهجة والمتعة المطلقة، وسرّ تخلف مجتمعاتهم. بل السرّ والدواء المثالي لتقدم وتطور هذه المجتمعات.

فلا تتعجبوا أذن، إذا رأيتم هؤلاء الأقزام يصرخون ويتصارعون ويحاولون فرض آرائهم، ويعد الواحد منهم نفسه المالك الأوحد لأسرار الفن أو الأيزيدياتي أو أصول العشائر، بل قد يلقب نفسه بـ (كاتب بالشأن الأيزيدي). وإن عجز الكثير من المثقفين والكتاب عن تبادل الحوار والأفكار وفق العقلانية التواصلية تستثير مكامن الذكورة والفحولة عندهم، فيبدأون بشتم الآخرين المختلفين عنهم، أو قطيعتهم والابتعاد عن مكاتيبهم التي تؤرقهم. وهي علاقة تشبه علاقة الحيوان الذكر المسيطر بمنافسيه من الذكور والذين يستبعدهم من المنافسة لقوته ليستفرد وحده بالإناث في القطيع. ويمكن مشاهدة أمثلة كثيرة عن ذلك الصراع الحيواني على قناة (ناشيونال جيوغرافيك) وأخوتها بالرضاعة.

هكذا يعاني مجتمعنا الشنكالي الشمالي والجنوبي من هذا الفكر الفحولي الذكوري، وعقلية الشتائم والتخوين والإقصاء والاستهزاء والرفض. ومما يزيد الطين بلة إن بعض من يدعون الثقافة البعشيقية التي يظنها أرقى من غيرها ينضمون إلى هؤلاء المرتزقة ويتجاوزون معا الإخصاء الذاتي في محاولة لاخصاء الاخرين ثقافيا. هؤلاء لا يدرون بأن الثقافة والآداب والفنون وبناء المجتمعات تختلف عن قناني (العرق البعشيقي) وكمية الكحول فيها، ليتم مقارنتها.

أن هتافي هذا ومن هم على شاكلتي من غير المنتمين ومطالبتنا أولى الأمر من التخلص من هؤلاء كمن يستجير من النار بالرمضاء كما يقال. فهم يشتمون عضو البرلمان الذي انتخبوه مرات ومرات سابقة ثم يقومون بانتخابه مجددا. ويؤدون فروض الطاعة لشيخهم ورئيس عشيرتهم رغم استغلاله البشع لهم. أنها العقلية الأبوية البطريركية التي لا تستطيع التفكير الحر وتكون تابعا للحاكم ورئيس العشيرة وزعيم الحزب.

 

(3)

عليك أن تدرك، يقوم مشروع هؤلاء على إبراز ثقافة العري في براز ثقافي يمثل العفونة الثقافية وستجد الكثير من هذا الكلام في مواقعهم على الفيس بوك، أو في دواوينهم أو حفلاتهم.

لا نحتاج إلى براز ثقافي وإسهال فيسبوكي ودواويني يهدم ولا يبني. لا نحتاج إلى تحشيش في الحفلات لا معنى له بحجة الحداثة والعولمة وتقليد الأوربي.

ماذا يمكن أن تفرز والمهضوم جهالة وتخبط وديماغوجية وتسطح وحضيض معرفي وثقافي إلا البراز الكريه الرائحة فعلا؟

أنصح هؤلاء الأوغاد بالإكثار من أكل التين الشنكالي المجفف مع شرب لبن الغنم.

من تراثنا الشنكالي التين المجفف المعمول على شكل قلائد يوزع على المتواجدين أثناء دفن أحدهم وخاصة ما نسميهم بـ (الخلمتكارية) أي حفارو القبور. ويقدم معه اللبن أو الماء.

هذه الشذرات غير مخصصة لنقد شخص بالذات، بل جماعة كبيرة تنخر جسد هذا المجتمع المسكين منذ ما بعد السنة الأولى من الفرمان الرابع والسبعين فكثر الدجالون والمنجمين والقمارجية ومتعاطي مشاهدة مباريات الدوري الإسباني والرثاثة الاجتماعية والدعارة العلنية والعنف المنزلي والانتحار. وينتج عن كل ذلك تفكك المجتمع على أيدي هؤلاء المرتزقة، وهو فرمان بطيء ومستمر. ومن يمتلك الشجاعة منهم ليكتب تعليقا، ولكنهم يتبادلون الأدوار كعادتهم تحت الطاولة فأنا أعرفهم جيدا.

كانت هذه محاولة ثانية في محاربة النفايات الثقافية والاجتماعية التي تزيد في تلوث بيئتنا وستليها محاولة أخرى، وتقبلوا شكري وتقديري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *