تاريخ وهوية أوركيش (گريه موزان) – دراسة تاريخية – الحلقة الخامسة – بيار روباري

 

Dîrok û nasnameya Orkêş (Girê Mozan)

سابعآ، أصل تسمية مدينة أوركيش ومعناها:

Koka navê bajarê Orkêş û wateya wî

الكتاب المستعربين العرب، إحتاروا ماذا يفعلون بإسم هذه المدينة الخورية العريقة، عندما لم يعثروا على قشة يستندون إليها، لم يناقشوا معنى وأصل تسمية “أوركيش”، كي لا يفضحون أنفسهم أمام العالم والأهم من ذلك عدم لفت إنتباه القراء العربان إلى هذا الأمر. فراحوا يناقشون التسمية الحالية أي (گريه موزان) وإدعوا كذبآ بأن كلمة (موز) تركية. دون تقديم أي شرح عن الكلمة وأصلها ومقارنتها بكلمات أخرى من اللغة التركية، إعتمادآ على “علم إصول الكلمات” المعروف عالميآ.

وبعض الباحثين الغربيين نظرآ لجهلهم باللغة الكردية، فسروا تسمية “أوركيش” على أنها تعني السرج وقالوا إنها مشتقة من كلمة “أوركا” الخورية، دون شرح وأي سند، وهذا أكبر خطأ فادح بقناعتي يمكن أن يرتكبها باحث يدعي المعرفة.

وبعض المتفلسفين إدعوا جهلآ بأن تسمية أوركيش تعني (مدينة السعادة أو الأحلام)، دون يقدم لنا شرحآ لغويآ وافيآ بالإعتماد على منهج “علم إصول الكلمات” ويفسر تفسيرآ علميآ كيف توصل إلى هذا المعنى، وهذه أيضآ فضيحة علمية. سؤالي لهؤلاء المفلسين الذين يدعون زورآ المعرفة باللغة الكردية: أي مقطع في إسم مدينة “أوركيش”، إعتمدوا عليه وإستنبطوا منه كلمتي (السعادة أو الأحلام)؟؟؟؟؟

سأشرح أولآ كلمة “موز” وأصلها بإختصار ومن ثم نركز على التسمية الأساسية ألا وهي “أوركيش”.

والشرح سيكون باللغتين الكردية والعربية، ومنهجنا هو “علم إصول الكلمات” المتبع في العالم بأسره.

في اللغة الكردية القديمة والحالية هناك عدة مفردات تشبه بعضها مثل: “مز، موز، موزه، مزك، مزر، مرزبان”. إن وجود هذه المفردات توضح بشكل جلي أن تسمية “موز” تسمية كردية وليست تركية، وبالتركي يسمونها (يابان أراسي). والسبب الذي دفع الكرد لإطلاق هذه التسمية على فاكهة الموز وحشرة الزنبور هو:

هو اللون الأصفر الممزوج ببعض السواد، حيث أن فاكهة الموز عندما تستوي يتخلل قشرتها بعض السواد. بمعنى كلمة الموز تعني الأصفر الممزوج ببعض السواد. ومصطلح الموز في اللغة الكردية له معنيين: المعنى الأول هو فاكهة (الموز)، وأخذ العربان هذه التسمية عن اللغة الكردية ومعهم الفرس والتتار (الترك). والمعنى الثاني، هو حشرة (الزنبور) الصفراء.

والنقطة الثانية في هذا الأمر، إن حالة الجمع في اللغة الكردية تتم بإضافة اللاحقة (آن) لنهاية الأسماء، إلا إذا إنتهى الإسم بحرف صوتي وهن (8) ثمانية حروف في اللغة الكردية، أما في اللغة التترية فالأمر مختلف كليآ. والذين قالوا أن التسمية مأخوذة عن التسمية الإنكليزية (موزيوم) فهذا غير صحيح، بالتركي يسمون المتحف (مووزا) وليس موز.

والأن دعونا نشرح معنى تسمية “أوركيش”، وهو الإسم الأصلي والحقيقي لهذه المدينة الخورية العريقة.

أوركيش تسمية مركبة من لفظتين هما: الأولى “أور” وتعني بالخورية والسومرية مدينة. والثانية “كاش”

وتعني هنا الصعود. أثناء إستخدام الإسم يتغير حرف (أ) إلى حرف (إ) وهي حالة قواعدية خاصة باللغة الكردية وسنعطي بعض الأمثلة على ذلك للتوضيح.

Or:  مدينة

Kaş: صعود، منحدر

Azad ——>  Azêd.

Azad hat. أتى أزاد (مضارع)

Azêd got. قال أزاد (الماضي)

Ka  —–> Kêş.

OR  +  kêş  —–>  Orkêş: مدينة الصعود (بمعنى الصعود أو التوجه للأعلى نحو الإله)

 

ولا ننسى أن مدينة “أوركيش” كانت واحدة من أهم المراكز الدينية اليزدانية – الخورية وبدليل أنها بعد تلاشي دورها السياسي، بقيت مركزآ روحيآ للخوريين مهمآ لأبناء المنطقة وليس فقط سكان المدينة وحدها. إضافة لمعبدها الضخم والذي كان يعتبر محجآ للخوريين لكل أهل المنطقة وكان قطعة ممعمارية فنية رائعة في زمانه هذا بشهادة جميع المنقبين. وكما سابقآ بأن المعبد يرتفع عن السطح الأصلي للمدينة القديمة بحوالي (27) متراً، لمنحه هالة معينة ومكانة عالية، لأن “اليزدان” أي الإله في مفهوم الخوريين يسكن في العلياء، ومن هنا إطلق عليه المعبد العالي. وهذا الشكل بتنا نعلم من أين جاءت تسمية أوركيش ولِمَ سميت المدينة بهذه التسمية الجميلة والمعبرة، هو تعبير عن حب الخوريين ليزدانهم، وبالتأكيد إطلاق هذه التسمية عليها لم يكن فعلآ إعتباطيآ.

Nivîskarên erebkirinî, jiber kû vê carê ti qirş nedîn kû pala xwe pêdên û bi vir û vûtan bajarê Orkêş bi bajarê xwe kin, ew kok li ser navê bajêr yê nijad û resen ranewestîn û naxiftin, jiber kû ew baş dizanin kû ev nav navek Xorî – Kurdî ye. Û jibûna xwe riswa nekin û bala xwendevanên ereb nekşînin ser vê kêşeyê, ew li ser navê bajêr yê niha tenê axivîn û tev wê jî derew kirin!!!!

Û gotin: Têgîna “Moz” peyvek tirkî ye û ew ji peyva îngilîzî (museum) hatî ye. Ev jî nerast e û ji binî de derew e. Çima?? Jiber kû tirk bi antîkxanê re dibêjin “müze” ne MOZ.

Û Tirk bi mêşola mozan re dibêjin “yaban arısı” ne Moz. Jiber wê ev kesên ev gotinan kirinî şerm û fedî nakin û derewên. Û herwis ti têkiliya wan bi zanistiyê re nîne û agotinên wan bi du qurşan nakin.

Dem lêkolînvanek bibêje ev nav kurdî, an erebî ye yan tirkî ye an fransî ye, divê

bide xuyakirin û belgeyên xwe pêşkeş bike û ew neçare pergela “Peyvsaziyê”,

bikar hûne û ev pergele li cîhanê pevde binavûdeng e û hemû netew bikartînin.

Û hin lêkolînvanên rojavayî, jiber nezanbûna wan bi zimanê kurdî kevin û niha, gotin: Wateya navê “Orkêş” ji zîn hespan hatî an kurtan!!! Ev jî çewtîk pir mezin e û gereke nekirana û pêwîstbû ev kêşe bi zimanzanên kurdî re giftûgo bikrana û piştî wê bi encamek dirust gihîştana. Lê mixwebe ev tişt nekirin û wan biçavek çûk li kurdan nêrin û dinêrin!!! Ev jî helwestek pir xerab û qerêj e û ticar netê pejrandin.

Li hêla din, hin rewşenbîrok û zanyarokên Kurd, jiber nezanîna peyvsaziya zimanê kurdî, navê Orkês wisa şirovekirin û gotin:

“Navê Orkês tê wateya bajarê kemîraniyê an xewinbariyê!!!!”

Bêyî ev kesane ji me re diyar bikin, gelo kîjan kîta ji navê Orkêş wateya kemîranî an xewinberî dide? Belgeyên wan çine?? Tiştek wisa ne gotin û nejî tiştek ji me re pêşkeşkirin!!! Hema jiber xwe gotin wateya navê bajarê Orkêş ev e û tewa !!!

Pirsa min li vir ev e:

Gelo, çi têkeliya van kesan bi zanistî û zimanê kurdî re heye

Li gor ti têkeliya van kesan bi dîrok, ziman û zanistiyê re nîne.

Navê bajarê “Orkês” navek lêkdirev e û ew ji du peyvan an bêjeyan yan şoran pêktê. Bêjeya yekemîn (Or) têwateya bajar bi zimanê kurdiya kevin ya (Xorî, Somerî). Bêjeya duyemîn (Kaş) tê wateya hilger yanê bi jor de.

Or: bajar, şar.

Kaş  —–> Kêş.

OR  +  kêş  —–>  Orkêş: Bajarê berjoriyê (yanê bi jor de berve Yazdan).

Wek em dizanin bajarê “Orkêş” yek ji girîngtirîn navendên dînî, yên Xoriyan bû, di herêma sêgoşeya Xabor tevde. Û piştî roya wê çûye ava û delameta xwe ya ramyarî nema, tev wê jî wek navendek dînî ma û Xoriyên herêmê diçûn serlêda mandegeha bajêr jiber kû wan wek Hega xwe didîtîn. Ev mandegeh li ser girekî hatî avakirin û ew (27) mitran ji derdora xwe, bajarê kevin bilindtir e, jibûna postek an ciyek bilind bi wê din, jiber kû ew mala Yazdên e.

Di raman û bawermendiyên Xorî de, Yazdan li jor (Ezmên) dimîne û jiber wê ev navê ciwan û bi wate li bajarê xwe kirin û navê wî kirin “Orkêş” yanê bajarê berve Yazdan.

Ev nav newisa Xoriyan lêkirin, ew bizanbûn lêkirn. Hemû bajar û gundên me kurdan, nav bi zanebûn hatinî lêkirin û herdem bi tiştekî ve hatinî girêdan. Û hemû navan wateyên xwe hene, lê mixwebe em wateyê wan nizanin û ev jî kêmkasiya me kurda ye û ne kêmkasiya kal û babên me ye.

ثامنآ، علاقة مدينة أوركيش بالمدن الأخرى:

Têkeliyên bajarê Orkêş li gel bajarên din

مع إزدهار مدينة “أوركيش” وزيادة قوتها، توسعت حدود الدولة وتوسعت معها شبكة العلاقات مع الدول والممالك المجاورة لها مثل مملكة “أكد” في الجنوب وممالك أخرى في الغرب، وبرزت أولى ملامح التوتر والمواجهة مع دولة مصر الفرعونية.

وكشفت لنا وثائق سلالة “أور” الثالثة، التي يعود تاريخها إلى أواخر الألف الثالث قبل الميلاد، إلى وجود صلات دبلوماسية بين مدينة “أور” ومدينة “أوركيش”. ولقد ذكرنا في محور تاريخ مدينة أوركيش، أن بعض النصوص المدونة أكدت بأن مدينة أوركيش كانت ترى نفسها ندآ لمملكة “أكاد”. كما ورد إسم المدينة في نصوص من العصر البابلي القديم مصوغة بأسلوب اليوميات، وهي تعدد محطات الرحل التجارية من مدينة “سيپار” (تل حبة) حاليآ في جنوب كردستان إلى مدينة “إيمار” (مسكنة) شرقي حلب عند منعطف نهر الفرات. حينها كانت مدينة أوركيش واحدة من تلك المحطات، وكذلك ورد إسم المدينة وبعض ملوكها في مراسلات مدينة “ميرا” الواقعة على نهر الفرات في القسم السفلي من الجزيره الفراتية.

وكانت لأوركيش علاقات قوية مع مدنة المنطقة مثل: “هموكاران، گوزانا، گر- براك، سيكاني، سريه كانية، ميرا، باخاز، هسكه، درزور، رقه، إيبلا” وغيرها من المدن. كما كانت تربطها علاقة مميزة مع مملكة أكد، حيث حرص ملوك أكاد إكتساب أوركيش وعدم الإصطدام بها، فسعوا إلى مصاهرة سياسية مع حكام وملوك مملكة أوركيش القوية والمزدهرة حينذاك. وبالفعل تزوج ملك أوركيش ببنت الملك “نارام سين”، الأميرة “تارام أكاد” التي تزوجت بالملك “توبكشين” ومن هنا رأينا عددآ لابأس بها من الأختام التي إكتشفت في القصر الملكي منقوشة عليها شعارات الملك الأكدي.

وكما كان لمدينة أوركيش علاقات مع مصر، تبين ذلك من التحارير الكثيرة الموجهة إلى “أمنحوتب الثالث” و”أمنحوتب الرابع” حكام مصر في ذاك الوقت. والتحارير مكتوبة باللغة الأكادية كونها كانت لغة المراسلات في ذاك الوقت، كما هي الإنكليزية حاليآ. ولكن تحريراً منهم كتب باللغة الخورية لغة الدولة الرسمية فيما بعد، وتبين للعلماء أن الخوريين من أهل المدينة إستخدموا لغة ثالثة ألا وهي اللغة المسمارية، وتبين لهم ذلك من خلال اللوحة الفخارية التي كتب عليها إسم الملك توبكيش وإسم زوجته الملكة “أوكنيتوم”، كونها لم تكتب لا باللغة الأكادية ولا الخورية بل كتبت باللغة المسمارية الأقدم. وهذا الاكتشاف قد زاد من عمر الحضارة الخورية تاريخيآ ألف عام، بحيث يعود تاريخ الخوريين بحوالي  (1500) عام قبل نشأت مدينة أوركيش نفسها وهذا يعني أن الخوريين سكنوا المنطقة حوال (6000) الألف السادس وفق هذا الإكتشاف فقط، ولكن نحن نعلم أن تاريخ أسلاف الكرد في هذه المنطقة يعود لمئات ألاف السنين.

إن العلاقات والتواصل بين الناس كأفراد ومجتماعات سمة إنسانية وطبيعة بشرية، ولا يوجد مجتمع في التاريخ عاش لوحده. فجميع المجتماعات تحتك مع بعضها البعض وتتواصل فيما بينها. بالطبع التواصل والإحتكاك والتجارة تجلب معها فوائدة كثيرة، ولكنها تجلب معها أيضآ مشاكل وسلبيات. هذا النوع من الإحتكاك والتفاعل والتواصل بين المجتمعات أمر طبيعي.

ولكن هناك تواصل مفروض فرض، وعادة يكون عبر الإحتلال العسكري المباشر، ويستخدم فيه القوة المسلحة كما كان الحال مع الإحتلال: الكنعاني، الأموري، الأكدي، الفارسي، المصري، المقدوني، الروماني – البيزنطي، العربي الإسلامي، المغولي، التتاري، العثماني لكردستان. وأخطرهم هو الإحتلال الإستيطاني – الإحلالي. وهذا النوع من الإحتلال كارثي بكل معنى الكلمة، وهو في الواقع ليس تواصل إنسانيآ بل هو عملية إبادة وإلغاء شعب أخر عبر إستخدام القوة والترهيب والتهجير، وفرض ثقافة أخرى غريبة على شعب ما مثل الشعب الكردي. والإحتلال العربي والثماني كان من النوع الثاني، أي الإحتلال ‏الإستيطاني – الإحلالي.

تاسعآ، الحياة الإقتصادية في مدينة أوركيش:

Jiyana aborî li bajarê Orkêş

إن الحياة الإقتصادية في مدينة “أوركيش” عاصمة الدولة الخورية، لم يختلف كثيرآ عن إقتصاديات باقي المدن الخورية وتحديدآ مدن الجزيره الفراتية بقسميها العلوي والسلفي. ويمكننا تقسيم مصادر إقتصاد المدينة إلى ثلاثة وهي:

أولآ، الزراعة:

كان سكان مدينة “أوركيش” وكل مثلث نهر الخابور، لا بل كامل منطقة الجزيره، يعتمدون في حياتهم الإقتصادية بشكل أساسي على الزراعة. والزراعة في هذه المملكة كانت بعلية في المقام الأول، وتعتمد على الأمطار الموسمية وتحديدآ الشتائية منها والربيعية. ومع الوقت وتطور الوعي البشري وتطور المعدات الزراعية، إهتدى سكان المدينة إلى فكرة شق القنوات المائية وسقاية المحاصيل الزراعية من مياه الأنهر والجداول والبحيرات والروافد، بهدف زيادة الإنتاج والنوعية.

كان الأوركيشيين يزرعون بشكل أساسي الحبوب مثل: القمح، الشعير، الذرة، السمسم، والقطن إضافة لبعض أنواع من الخضروات مثل: البندورة، البامية، الباذنجان، البقدونس. أما الفواكهة فكانوا يزرعون العنب، الجوز، التفاح، الإنجاص، التين، الرمان. ومع الوقت تنوعت الزراعة وشملت أنواع أخرى مثل الكتان والقنب. في البدء كان الهدف من الزراعة هو تأمين حاجات السكان الغذائية، لكن مع نمود عدد السكان وتوسع المدن أدت إلى ظهور مهن أخرى، مثل الحرف المهنية وهذا ما ولد مفهوم البازر لتبادل السلع، ونتج عنه مفهوم التجارة الذي نعرفه اليوم.

ثانيآ، تربية المواشي والدواجن:

بجانب الزراعة كان سكان المدينة يقومون بتربية المواشي (الغنم، الماعز)، البقر، الجواميس، الأحصنة

والدواجن. فمن جهة كانوا يستفيدون من حليب المواشي والبقر، إضافة إلى لحومها وجلودها وصوفها.

وبخصوص الدواجن فكانوا يستفيدون من بيضها ولحمها. أما الدواب مثل الأحصنة والجواميس والحمير والبغال، فكانوا يستفيدون منهم في الزراعة، ونقل المواد والتنقل على ظهرها. ومن المؤكد أن تدجين الخيل يعود إلى بدايات (2000) الألف الثاني قبل الميلاد ولربما قبل ذلك بوقت كبير، والكرد هم أول من دجنول الخيل، أدخلوه ومعه العربة الحربية ذو دولابين إلى مصر.

ثالثآ، المهن والحرف الصناعية:

في فترة إزدهار مدينة “أوركيش”، كانت الحرف اليدوية قد شهدت تطورآ ملحوظآ وخاصة في صناعة الفخار والأختام، هذا إضافة إلى صناعة الجرار والأفران، وصناعة الأدوات الزراعية والأسلحة وأساس البيوت وصناعة الجلود والألبسة الصوفية والقطنية. ولا شك أن مدينة أوركيش تأثرت بحضارة مدينة “گوزانا” تأثيرآ كبيرآ كباقي المدن الخورية في منطقة الجزيره وخارجها، وعلى كافة الأصعدة. ثم إن الحضارة البشرية هي تراكم التجارب الإنسانية، ولا أحد يبدأ من الصفر، سوى الأوائل فقط ومرة واحدة في التاريخ، ومدينة “گوزانا” كما معلوم سبقت مدينة أوركيش في النشأة بكثير.

وصناعة النسيج  شهدت تطورآ وإزدهارآ ملحوظآ في أوركيش، حيث كانت صناعة النسيج، تلعب دورآ مهمآ في إقتصاد المدينة وكانت تعتمد على مادة القطن والصوف المحليين بشكل رئيسي. وكان سكان المدينة الأوكيشيين الخوريين يصنعون منها الملابس، السجاجيد، السلال، الحبال، وغير ذلك من الأشياء والمنتوجات. إلى جانب ذلك شهدت المدينة صناعة أدوات الزينة المعدنية وخاصة النحاسية منها. وفي مجال البناء والعمارة شهدت المدينة تطورآ في فن العمارة والبناء والتخطيط، وتنظيم الشوارع وتبليطها. هذا إضافة تطور فن الرسم والنحت وبان ذلك في شكل التماثيل المنحوته والرسوم والنقوش التي رأيناها على الأختام. فيما يخص التماثيل الحيوانية فقد عثر في مدينة أوركيش، على مجموعة كبيرة منها، التي نحتت من الطين بأشكال صغيرة وأقرب إلى الواقع. وهذه المنحوتات هي لحيوانات مدجنة مثل: الثور، الكلاب، القطط الماعز، الأغنام، الطيور، الفرس وحيوانات غير مدجنة مثل: الماعز البري، الدب، القط البري، الأسد والضبع، بالإضافة إلى فصيلة الخيول كالحصان البري، البغل والحمار.

إلى جانب ذلك تم العثور على العديد من التماثيل والمنحوتات التي صنعت من مواد معدنية إضافة للحجر بخلاف مادة الطين. من هذه التماثيل مجسم لأسدين تم تصويرهما بشكل واقعي جدآ قريب لشكل الأسود الحقيقي، حيث إستطاع الفنانين الخوريين – الأوركيشيين، إظهار هيبة وعظمة الأسدين بواقعية وحيوية لاتجدها في أماكن آخرى من ذاك العصر. كما وعثر العلماء على تمثال أسد آخر من الحجر، ورأس لإنسان وتماثيل مصنوعة من الطين على هيئة جرار كالمرأة العارية، التي نحتت لإستخدمها في أداء طقوس دينية معينة، بالإضافة إلى تماثيل نفذت بطريقة النحت الناتئ كتلك المصنوعة من الحجر والتي تمثل مشهد الرجل الذي يقوم بأعمال الحراثة على أحد الوجوه، ومشهد لحيوانات ترعى على الوجه الآخر، هذا إضافة للوحة الناتئة التي تظهر كل من “أنكيدو وجلجامش” بحسب عالمة آثار الأمريكية السيدة “مارلين بوتشيلاتي”.

رابعآ، التجارة:

شكلت التجارة رافدآ مهمآ لإقتصاد مدينة “أوركيش” وحياة سكانها، إضافة إلى فتح باب العلاقات مع المدن والدول الأخرى في المنطقة وخاصة مع جنوب كردستان مع “أكد” والمدن والممالك الخورية في غرب نهر الفرات وتلك الواقعة على شاطئ البحر المتوسط. فكان الأوركيشيين يصدرون ما ينتجونه من مواد زراعية وحرفية ويبيعونها في المدن الأخرى، ويستوردون ما يحتاجونه من مواد لا ينتجونها أو غير متوفرة في مناطقهم. وكان الأوركيشيين يسلكون الطرق التجارية البرية بشكل أساسي والطرق النهرية، لممارسة تجارتهم مع الممالك الأخرى والتواصل مع العالم الخارجي. كل ذلك جعل من مدينة أوركيش مركزآ للإشعاع الروحي والسياسي والإقتصادي لفترة طويلة.

وفي نهاية الألف الثالث قبل الميلاد، تراجع دور مدينة أوركيش كمركز إقتصادي، بعدة فترة إزدهار طويلة، وهذا أثر بدوره في تراجع مستوى الحياة الإقتصادية، وحد ذلك من نمو المدينة ديموغرافيآ وجغرافيآ.

عاشرآ، الوجود الكردي في مدينة أوركيش ومحيطها:

Hebûna kurdan li bajarê Orkêş û derdora wê

وفق أكثرية المؤرخيين فإن الوجود البشري في جبال زاگروس وطورس والمناطق السهلية الجنوبية المحيطة بهما يعود لأكثر من (2000.000) مليوني سنة. والإستيطاني البشري في هذه المنطقة لم ينقطع نهائيآ، ومنطقة غرب كردستان التي يطلق عليها اليوم زورآ (سوريا، لبنان) هي تقع ضمن هذه المنطقة التي نتحدث عنها وجزء كبير من شمال كردستان.

وسأورد ثلاثة دلائل مادية تاريخية على وجود الشعب الكردي وأسلافه في هذه المنطقة، منذ مئات ألاف السنين قبل الميلاد:

الأول، كهف دو- دريا، وشاندر:

Şikefta duderya û şander

إن تاريخ الوجود الخوري – الكردي في منطقة الجزيره الفراتية بقسميها العلوي والسفلي وسلسلة جبال

زاگروس وطوروس المتمدة من الهضبة الإيرانية وحتى مدينة كهرمان الكردية في شمال وأقصى غرب كردستان، يعود إلى مئات الألاف من السنين، وخير دليل على ذلك كهفي: كهف “دو- دريا”، وكهف “شاندر”.

1- كهف “دو- دريا”:

يقع هذا الكهف في منطقة “چيايه كرمينج” على السفح الغربي لجبل “ليلون” والتي عثر فيها البعثة اليانية في العام (1993) على هيكل عظمي لطفل “نياندرتالي” عمره (2) عامان ويعود تاريخه إلى ما يقارب  (100.000) مئة الف عام. ووجد العلماء اليابانيين هيكل الطفل المتوفى موضوعاً على ظهره، ويداه ممدودتان وقدماه مثبتتان، وتحت رأسه بلاطة حجرية، وعلى صدره وفوق قلبه أداة من حجر الصوان. كان لهذا الاكتشاف أهمية علمية وتاريخية كبيرة، كونه الأقدم من نوعه في كل أنحاء كردستان ومنطقة غرب أسيا برمتها والأول في العالم. إضافة إلى كونه يشير إلى عملية دفن شعائرية بسبب وضعية الدفن النظامية ضمن حفرة مستقيمة.

2- كهف شاندر:

يقع على سفح جبل “برادوست” (145 كلم شمال شرق مدينة أربيل) ويعتبر أقدم وأكبر كهف مكتشف حتى الآن في جنوب كردستان (كامل العراق)، ويقع على إرتفاع نحو (2200) متر فوق مستوى سطح البحر ويطل على واد عميق كثيف الأشجار.

عثر العلماء في الكهف على بقايا (10) عشر من النياندرتال يرجع تاريخهم إلى ( 65-35) ألف عام. يحتوي الكهف أيضآ على مقبرتين تعودان إلى العصر الحجري الحديث، ويرجع تاريخ إحداها إلى (10.600) سنة ويحتوي على (35) فردآ.

الكهف على شكل مثلث عرضه يصل إلى (53م) وطولة (40م) وإرتفاعه حوالي (8م)، ويقدر سعة الكهف وإرتفاعه عند البداية بحوالي 25م، ويتسع عرضه فى الداخل فيصل إلى (175) قدمآ، ويرتفع سقفه فى الوسط بنحو (45) قدمآ من الارضية الحالية للكهف، بعد أن توالت عليها طبقات المخلفات والاثار الطبيعية والبشرية خلال السنين.

اكتشف هذا الموقع الاثري المهم والمعروف عالميا من قبل عالم الآثار الامريكى “رالف سوليكى” وذلك في العام 1951م، يوم كان عضواً في بعثة جامعة مشيغن الاثرية والتي جاءت إلى جنوب كردستان قادمة من الولايات المتحدة. وإكتشف الباحثون خلال التنقيبات بان هناك طبقات متراكمة من بقايا لقى وآثار في أرضية الكهف،و تشير إلى أن اجناسا بشرية عديدة سكنته على مر أجيال متتالية وعصور متعاقبة، ويعتبر واحد من بين أقدم المستوطنات البشرية، ويعود تاريخه الى العصر الحجري القديم والمعروف باسم (الدور المستيري).

المسافة بين الكهفين يبلغ حوالي (950 – 1000) كيلومتر، أي مسير (12) ساعة متواصلة على الأقل بالسيارة. وفي كل هذه الجغرافيا الطويلة سكنها الشعب الخوري قبل الميلاد بعشرات ألالاف السنين ولا

يزال الكرد يسكنونها لليوم ودون إنقطاع ديمغرافي، ولم يكن هناك شعب أخر في هذه المنطقة حتى الألف الثالث قبل الميلاد، عندما بدأت أولى الغزوات السامية الإستيطانية السرطانية وبدأها الكنعانيين لجنوب وطن الخوريين أسلاف الشعب الكردي قادمين من اليمن. وبجهده الخاص تمكن الشعب الخوري المجد والمبدع من بناء حضارة جد متطورة في تلك الحقبة التاريخية من الزمن، وهي أول حضارة عرفتها البشرية في تاريخها، وكل ما تلا ذلك بني على قواعد تلك الحضارة الرائعة، وإنطلقت حوالي (8000) الألف الثامن قبل الميلاد من مدينة “گوزانا” العريقة.

الثاني، معبد گرزك:

هذا المعبد هو أول هيكل بناء في التاريخ البشري وتم بنائه في منطقة خوران (هران) ولم يكن بيتآ وإنما معبدآ، والذي يعود تاريخه إلى (12.000) أثنى عشر ألف سنة قبل الميلاد. ويقع المعبد على بعد (12) كيلومتر من مدينة “أورفا” الكردية في شمال كردستان، وتم إكتشاف المعبد في العام (1995)، وفي عام (2018)، تم إدراجه رسمياً في قائمة “اليونسكو” للتراث العالمي.

تقع أطلال المعبد وسط تلال، وهو أقدم وأكبر معبد معروف في التاريخ. يعد هذا الموقع، الذي يتكون من أعمدة عملاقة حجرية منحوتة على شكل حرف (تاء) اللاتينية. والسبب في دائرية هذا المعبد وغيره من المعابد اليزدانية، هو إيمان أسلاف الشعب الكردي، بالإله “خور” والذي يعني إله الشمس، والشمس كما هو معروف قرص دائري، لذا معابد الخوريين بنيت بشكل دائري. فهذا الإختيار لم يكن إعتباطيآ مثل ما يظن البعض من الجهلاء بحقيقة الديانة اليزدانية وتاريخ أسلاف الشعب الكردي. وبما أن الشمس ترمز للإله أي النور، والشمس (النور) في الديانة اليزدانية الخورية – الكردية مقدسة مثلها مثل بقية عناصر الحياة الثلاثة “الأرض والماء والهواء”.

والمعابد الدائرية الشكل، الموجودة في منطقة الجزيره الفراتية، وتحديدآ في الجزء العلوي منها ومدينة “گوزانا” التي تتصدر المدن التي تحتوي هذا الشكل من المعابد الدائرية اليزدانية، هي إستمرارية لهذا المعبد الأول، ومن زار المعبد يعلم بأنه خالي من التماثيل لأن الشعب الكردي لم يعبد الأصنام يومآ. وهذه الأحجار التي صنعت على حرف (التاء) اللاتيني هي ترمز للإنسان الخوري وهم يعبد الإله “خور”. السؤال المنطقي هنا هو:

هل كان هناك أي وجود للساميين بكل مسمياتهم (الكنعانيين، الأموريين، الأكديين والعرب المسلمين)، الفرس، الأرمن، المقدونيين، الرومان – البيزنطيين، المغول – التتار (العثمانيين، الأتراك)، شعوب البحر، في هذه المنطقة في تلك الحقبة الزمنية أي قبل (12.000) الألف الثاني عشر قبل الميلاد؟؟

الجواب بالتأليد لا. فأقدم غزو لبلاد الخوريين أسلاف الشعب الكردي، كان من قبل الكنعانيين، وكان ذلك حوالي منتصف الألف الرابع (3500) قبل الميلاد، قادمين من “اليمن وإيرتيريا” هذه وفق ما دونه أبو التاريخ “هيرودوت” اليوناني.

 

نهاية هذه الحلقة وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.

نحن بإنتظار أرائكم وملاحاظتكم ومنكم نستفيد.