الحداثة والتنوير يصنعهما النخبة الوطنية الحقة – الحلقة الأولى – بيار روباري

 

Pêşdeçûn û nûjenî tenê xwenedana niştimanî pêktîne

 

قبل الدخول في تفاصيل الموضوع الذي نحن بصدده، دعونا أولآ نتوقف عند أربعة مفاهيم مهمة ولها علاقة مباشرة بموضوعنا، لأن من دونه سيصعب علينا فهم الموضوع، ومن هنا تأتي أهمية شرح تلك المفاهيم، وثانيآ ضرورة إتفاقنا على فهم واحد لتلك المفاهيم، لأن دون من ضبط المفاهيم لا يمكن لنا أن نصل إلى نتيجة، وهذه المفاهيم هي:

 

أولآ، ما هي الحداثة؟

Nûjenî çî ye?

بالمختصر الحداثة هو إنقلاب فكري على ما هو سائد من الأفكار والقيم وأساليب الحياة وحكم المعابد أيآ كانت تسميتها كنيسة أو مسجد أو خرابة. والحداثة أول ما قامت كانت في أوروبا الغربية، تحديدآ في القرن (16) السادس عشر ميلادي. ومن ثم إنتشر في معظم أرجاء أوروبا، وتأصلت في عقول ووجدان الأوروبيين في القرن (18) الثامن عشر. ومعها بدأ عصر النهضة والتنوير العقلاني، الذي جاء نتيجة للتراكمات المعرفية والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والفلسفية، التي كان لها تأثير مباشر في إطلاق النهضة الأوروبية، التي أكدت على فصل الدولة والسياسة عن الدين، وتقليم أنياب الكنيسة ورجالاتها وإزالتها من عقول الأوروبيين، وإنها حكم رجال الدين وإغلاق دكاكيين الأفيون المسيحية التي ظلت لقرون تستغل الناس بإسم الرب وتبيع سكوك الغفران وتجني الأموال، وتستغل الأطفال الصغار جنسيآ وتقوم بتبيض الأموال القذرة، إضافة لتحالفها مع العائلات الحاكمة الأوروبية وإستغلالهم سويآ ملايين البشر بشكل بشع جدآ وسرقة عرقهم وجهدهم وقمعهم أي رأي مخالف بوحشية.

 

إنطلقت الحداثة بشكل فعلي مع بداية عصر النهضة، بعد أن فقدت الكنيسة الكاثوليكية البغيضة سيطرتها على عقول الأوروبيين وسُلبت منها السلطة، وإدارك المستنيرين من الأوروبيين مادية الطبيعة ومحورية الإنسان في هذا الكون، وذلك من خلال الفكير العقلاني المستنير، إلى جانب إكتشاف قيمة الفرد بوصفه ذاتاً خلاقة، مما أضاف عنصراً أساسياً إلى عناصر الحداثة.

وفق مفهوم الحداثة إن قيمة الفرد منا ينبع من ذاته، لا من نسبه ولا قومه ولا من قبيلته، وتلك هي القيمة الجوهرية للتطورات والمتغيرات التي إجتحات أوروبا وأدت إلى إشتعال الثورات البرجوازية التي أنهت سيطرة الكنيسة الكاثولكية على عقول الناس وقرارهم، ومن ثم قضت على النظام الاقطاعي البالي الذي ساد في أوروبا طوال أكثر من (1200) عام، منذ القرن (500) الخامس الميلادي وحتى القرن (1700) السابع عشر ميلادي.

ولولا ذلك لم نجحت الثورة البرجوازية في هولندا التي جرت في الأعوام (1568-1648)، وفي إنكلترا من (1641 -1688)، ثم الثورة الفرنسية الكبرى في القرن الثامن عشر (1789). في هذه اللحظة التاريخية المهمة، إنتقلت أوروبا الغربية من مجتمع محكوم بنظرية (الحق الإلهي) الكاذبة إلى مجتمع مدني، مجتمع يسوده الديمقراطية والحرية الفكرية، وإنطلاق الثورة الصناعية والعلمية والتي أحدثت زلزالاً في البنية الإجتماعية للمجتمعات الغربية، وفكرها الفلسفي حيث تخلى الفلاسفة والمفكرين عن التفكير في “العلاقة بين الله والعالم”، إلى البحث والتفكير في “العلاقة بين الإنسان والعالم وبين العقل والمادة”.

هذه الثورات تمكنت من القضاء على شيئ إسمه “مسلم به” وشيئ إسمه “مقدس” سواءً الأفكار والأديان أو النظريات أو الأشخاص، وحل محلها فكرة “الشك المنهجي والتحليل والاختبار والتجريب العملي”. ومن أبرز سمات الحداثة:

  • المادية: أي أن الطبيعة كيانآ مادياً مستقلآ وقائماً بذاته، تحكمه مبادئ وقوانين ونظم يمكن معرفتها، وأن الإنسان جزءاً من هذه الطبيعة.
  • النقد: كان أحد أهم سمات الحداثة، الذي للناس برفض سلطة المألوف والسلف والغيب، ونزع هالة القدسية عن الأشياء والعلاقات، وأخضع كل شيئ وكل فكر وكل شخص للنقد ووضعه تحت المجهر، وألزم الناس بإتباع العقل العلمي كسلطة رئيسية في التحكيم.
  • الثورة: الثورة على التخلف والتزمت، وإدراك مداية الطبيعة والمجتمع البشري.
  • العِلم: هما قيمة قائمة في ذاته ومطلقة الاستقلالية، ولا سلطان عليه ولا يجوز فرض عليه قيود من خارجه.
  • الإنسانوية: الإيمان بالإنسان وقدرته الخلاقة، إستقلاليته، حريته الذاتية وإعتباره مصدراً وأساساً لكل قيمة.

 

أنواع الحداثة:

في الواقع هناك أنواع عديدة من الحداثات أو لنقل الحداثة تشمل كافة مجالات الحياة الإنسانية منها:

الحداثة العلمية، الحداثة الفلسفية، الحداثة الحرياتية، الحداثة الاقتصادية، السياسية، الأدبية، الحداثة التكنولوجية، الحداثة الجنسية، الدينية، التربوية الفنية، الحقوقية، … إلخ.

 

إن الحداثة والتنوير، مكنتا الإنسان التخلص من قصوره الذاتي والقوقعة الكهنوتية العفنة التي حصرته الكنيسة الكاثوليكية فيها، وبات يتجرأ الفرد إنتقاد رجال الدين والكنيسة، لا بل يسخر منهما ومن عصابة الفاتيكان الإستغلالية الإجرامية، وتحول الإنسان الأوروبي لإستعمال عقله في كل شيئ بعيدآ عن وصاية وسيطرة هذه العصابة الدينية وغيرها من العصابات المالكة في أوروبا. وهذا كان إنجازآ عظيمآ حققته البشرية بعد مسيرة كفاح ونضال مرير، إستمر لسنين طويلة جدآ، ولهذا تجد الأوروبيين يقدسون الحرية الفردية، ويسخرون من كل الأديان والأنبياء والكتب الدينية وحتى الذات الإلهية، ويتعجبون من المسلمين الهمج الذين يغضبون لحرق نسخة من القرأن، وأنا أيضآ أتعجب مثلهم من تصرف هؤلاء الأوباش الذين لم يغضبوا عندما قتل تنظيم داعش ألاف الكرد الإيزيديين وقتل المجرم صدام مئتي الف مواطن كردي في عمليات الأنفال القذرة ضد الشعب الكردي المسالم!!! أي أن هذا الكتاب ذو الفكر الشرير أهم من حياة الناس عند هؤلاء الحثالات والأوغاد. وأنا واثق لو سنحت الفرصة لأي واحد من هؤلاء الهمج لطار على الفور إلى دولة السويد وعاش فيها سعيدآ.

تمكنت الحداثة الغربية من أن تشمل كل أوروبا مع الوقت، ومع السنوات شملت العالم كله، من شماله لجنوبه ومن غربه لشرقه. ودخلت الحداثة الغربية إلى: أفكارنا، بيوتنا، مدارسنا، أدبنا، فننا، طعامنا، عاداتنا، موسيقانا، نمط حياتنا، نمط تفكيرنا. وإلى جانب ذلك رفعت من سقف وعينا ومطالبنا وبقيا علينا أن نلحق بها وبالحضارة الغربية الرائدة، وأقصد بذلك شعبنا الكردي، ولكن علينا أن نتحرر أولآ من الإحتلال الأجنبي والعصابات العائلية والفردية التي تحكمنا والعشائرية وسلطة الدين الإسلامي الشرير حتى نستطيع اللحاق بالأمم الغربية وحضارتها.

 

ثانيآ، ما هو التنوير؟

Çî ye ronekbîrî?

مصطلح التنوير يعني قيام حركة فكرية تسعى للعقلانية ولسيادة مبادئها وتأسيس نظام سياسي وإقتصادي وإجتماعي أساسه الأخلاق والمعرفة، بدلا من الرب والدين والكنيسة والجامع. وعصر التنوير كان بداية ظهور الأفكار التي دعت إلى تطبيق العلمانية، ورواد هذه الحركة كانوا يعتبرون مهمتهم قيادة العالم إلى التطور والتحديث والتخلي نهائيآ عن التقاليد الدينية الغيبية والثقافية القديمة، والأفكار اللاعقلانية التي سادت عصورآ كاملة من تاريخ البشرية وسميت “بالعصور المظلمة”. وهذه الحركة التنويرية إنطلقت من أوروبا في القرنين (18-19)، وقام بها الفلاسفة والعلماء، الذين نادوا بقوة العقل وقدرته على فهم العالم، وإدراك جوهره وقوانين حركته. إعتمد التنويريون على التجربة العلمية والنتائج المادية الملموسة لها، بدلآ من الإعتماد على الخرافة والخيال والغيبيات.

الفيلسوف الألماني “إيمانويل كانط” الذي عاش في القرن (18) الثامن عشر ميلادي، عرف التنوير في معرض رده على سؤال القس “يوهان فريدريش تسولنر” (1753-1804): ما هو التنوير؟ عرف كانط التنوير على الشكل التالي:

“هو خروج الإنسان من قصوره الذي إقترفه في حق نفسه، من خلال عدم إستخدامه لعقله إلا بتوجيه من إنسان آخر”.

وحصر “كانط” أسباب حالة القصور هذه في سببين أساسيين هما: 1- الكسل. 2- الجبن.

فتكاسل الناس عن الإعتماد على أنفسهم في التفكير أدى من جهة إلى تخلفهم، ومن جهة أخرى منح  الفرصة للآخرين لاستغلالهم، وذلك بسبب عامل الخوف فيهم. وأكد “كانط” محورية الحرية في حياة المرء، وإن قام بتقسيمها إلى نوعين من الحرية ولا مجال هنا لمناقشة ذلك، ولكن يمكنني القول أخطأ  كانط في ذلك، لأن الحرية واحدو لا تتجزأ ولا يمكن تقسيمها على الإطلاق.

 

أهم أعلام التنوير في أوروبا:

1- اسحاق نيوتن (1642-1727م):

عالم إنجليزي يعد من أبرز العلماء مساهمة في الفيزياء والرياضيات عبر العصور، وأحد رموز الثورة العلمية، حيث قال في هذا المجال:

“أن العالم يسير حسب مجموعة من القواعد الطبيعية التي تحكمها قوى عوامل الجاذبية. وأكد نيوتن أن في إستطاعة الإنسان إذا إعتمد على نور العقل تفسير كافة الظواهر الطبيعية وإدراك دوره في العالم المجهول”.

2- فرانسيس بيكون (1561-1626م):

فيلسوف ورجل دولة وكاتب إنجليزي، معروف بقيادته للثورة العلمية عن طريق فلسفته الجديدة القائمة على “الملاحظة والتجريب”. وهو من الرواد الذين إنتبهوا إلى عدم جدوى المنطق الأرسطي الذي يعتمد على القياس، ولُقب “بيكون” بأب التجريبية.

طالب السيد بيكون الإعتماد على منهج علمي جديد، يقوم على أساس من التجربة. وأكد أن العالم سيكون في حالة جديدة أفضل في المستقبل، عندما تصبح المعرفة مصدر القوة، التي تمكن الإنسان من السيطرة على الطبيعة.

 

ثالثآ، ما هي النهضة؟

Çî ye nûjiyandin?

النهضة مفهوم واسع ويشمل جميع نواحي الفكر وبالتالية هي حركة ثقافية، والنهضويين سعوا الإنطلاق بشعوبهم وبلدانهم وإخراجها من الركود والسبات الثقافي القاتل، وسعوا إلى تجديد الفكر، الفن، المفاهيم، الموسيقى، العمران، … إلخ.

مهد حركة النهضة كما هو معلوم كانت أوروربا، وبدايتها كانت من إيطاليا، ثم أخذت تنتشر في بقية أرجاء القارة بفضل توفر الورق وإختراع حروف “المونوتيب” التي ساهمت في سرعة إنتشار الأفكار في أواخر القرن (15) الخامس عشر، وإستمرت النهضة الأوروبية تقريبآ ثلاثة قرون، حيث بدأت في القرن (14) الرابع عشر الميلادي وإستمرتى حتى القرن (17) السابع عشر ميلادي. وهناك إجماع بين المؤرخين والباحثين الأوروبيين، على أن عصر النهضة بدأ تحديدآ في مدينة “فلورنسا” الإيطالية في (14) القرن الرابع عشر كما ذكرنا أنفآ، وإن كان البعض وهم قلة يقولون أن النهضة بدأت في القرن (13) الثالث عشر ميلادي.

كان للنهضة الأوروبية دورآ مؤثرآ في: الفلسفة، الأدب، الفن، الموسيقى، السياسة، العلوم، الدين، وغير ذلك من الجوانب الحياة الفكرية. علماء عصر النهضة إستخدموا الأسلوب الإنساني في دراستهم، وبحثوا عن الواقعية والمشاعر الإنسانية في الفن. كما بحث إنسانيو عصر النهضة الإيطاليين مثل: السيد “بوجيو براشيوليني” في المكتبات الرهبانية الأوروبية عن الأدب اللاتيني، والنصوص التاريخية والخطابية للعصور القديمة، حيث مع سقوط القسطنطينية في العام (1453) هجرت موجات من العلماء اليونانيين إلى إيطاليا جالبين معهم مخطوطات باليونانية القديمة.

هذا وقد ساهم كتاب الفيلسوف والمفكر الإيطالي “بيكو ديلا ميراندولا”، الذي عاش بين الأعوام (1463- 1494) الذي حمل عنوان: “خطاب في كرامة الإنسان”، بدور مؤثر في النزعة الإنسانية في عصر النهضة الإيطالي في العام (1486م). حيث إحتوى هذا النص على سلسلة من الأطروحات المعتمدة على المنطق تخص الفلسفة والفكر الطبيعي والإيمان والسحر. هذا بالإضافة إلى دراسة اللغات اللاتينية واليونانية التقليدية. الكتاب منع من التداول وحتى نقاشه، بقرار من الفتيكان الذي كان يرأسها حينذاك البابا “إنوسنتيوس الثامن”، وأعتبره معادٍ للعقيدة المسيحية ومخالف لها. الفتيكان كان على الدوام مجرد عصابة من رجال (الدين) يمارسون التخلف وكل عمل قذرة ولليوم هذا المخاور يلعب دورآ سلبيآ جدآ ويحاول إعاقة تطور البشرية كما هو الحال مع ماخور “الأزهر” في مصر وماخور الوهابية في السعودية وماخور الأثنى عشرية في قم بإيران.

مؤلفوا عصر النهضة في إيطاليا إستخداموا اللغة العامية في كتاباتهم، وهذا التحول بالإضافة إلى بداية إنتشار الطباعة كل ذلك ساعد على إنتشار القراءة بين الناس، وخاصة قراءة الإنجيل. قبل ذلك لم يكن الناس تعلم ماذا يحتوي هذا الكتاب المليئ الأكاذيب والخزعبلات على غرار التوراة والقرأن. إن عصر النهضة كان محاولة من قبل المفكرين المتنويرين دراسة وتطوير الجانب العلماني والدنيوي، وذلك من خلال إحياء بعض الأفكار القديمة بالإضافة إلى إيجاد مناهج فكرية جديدة ومبتكرة.

 

رابعآ، مَن هم النخبة؟

Kîne xwenedan?

النخبة بالمختصر هم مجحموعة من الأفراد يتميز ون عن عموم الشعب كونهم أكثر وعيآ ومقدرة ونفوذآ وقادرين على التأثير والتغيير إن شاءوا، للأفضل ويكونوا قاطرة تجر خلفها المجتمع ولا تنتظر إلى أن يوعى كل الناس ويصبحوا واعين. ثم لا يمكن توعية كل أفراد المتمع ولهذا من العبط إنتظار أن توعى الناس جميعها. هذا إذا كانت تلك النخبة الحاكمة والمتنفذة حقآ وطنية، وليست تلسطية وإنتهازية وتابعة للخارج.

مفهوم النخبة بهذا المعنى لم يكن منتشراً في العلوم الاجتماعية والكتابات السياسية سابقآ، بدأ هذا المفهوم يتبلور في أواخر القرن (19) التاسع عشر وبدايات القرن (20) العشرين، وخاصة في فترة الثلاثينيات منها، وإنتشر هذا المفهوم، أولآ في ن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ومنهما إنتشر في القارة الأوروبية ومن ثم في باقي العالم. وأكثر الناس ترويجآ لهذا المفهوم كان العالم الفرنسي “فلفريدو باريتو” الذي كان من الأوائل، الذين إهتموا بمفهوم النخبة ومنحوه جهدآ كبيراً من وقته وجهده.

 

أما المدرسة الإيطالية عرفت النخبة على الشكل التالي:

النخبة هي مجموعة صغيرة من الأشخاص المسيطرين على موارد مالية ضخمة وقوة سياسية تأثيرية كبيرة. وبشكل عام النخبة تعني مجموعة من الأشخاص الأكثر قدرة وتأثيرآ من غيرهم. ومن مؤسسي هذه المدرسة هم: فيلفريدو باريتو (1848-1923)، غايتانو موسكا (1858-1941)، وروبرت ميشيلز (1876-1936)، وهذه المدرسة تحديدآ أثرت على نظرية النخبة اللاحقة في التقاليد الغربية. تستند نظرة المدرسة النخبوية الإيطالية إلى فكرتين هما:

1- النخبة موجودة في موقع السلطة، وفي المؤسسات الاقتصادية، والسياسية الرئيسية.

2- قسم من النخبة يميزها أنها بيدها القرار والإمكانيات أي السلطة، والقسم الأخر من النخبة لديها المال وذات كفاءت شخصية مثل الذكاء، المهارات.

 

قبل نسمي من هم النخب، لا بد من القول وهذا رأي: أن النخب الكلاسيكية التي كانت موجودة قبل مئات الأعوام تغيرت وتوسعت وإن بقيا القرص الصلب للنخب على حالها، ولكن لم ظهر في بلداننا المشرقية ومنها كردستان النخب الوطنية الحقة بعد!!!! أسباب عديدة وهناك طرق لمعالجة هذا الخلل والعطب الذي تعاني منه بلدان الشرق الأوسط وغيرها من البلدان في العالم، ولكن هذا ليس مدار بحثنا.

 

النخبة في وقتنا الراهن هم:

كل من له نفوذ سياسي، إقتصادي، روحي، ثقافي، أمني، عسكري، إعلامي ينتمون للنخبة. ولكن دور كل فئة من هذه الفئات يختلف عن الأخرى. الفئة الحاكمة هي الأقوى وبالتالي دورها هو المحوري والرئيسي بحكم إمتلاكهم لسلطة والإمكانيات التي تحدت يدهم. ثم يأتي أصحابي رأس المال، ويلحق بهم حاليآ مالكي وسائل الإعلام، ثم يليهم رجال الدين، قادة الأحزاب، وأخيرآ المثقفين. دورآ المثقفين يأتي في المرتبة الرابعة أو الخامسة بعكس ما يظنه الكثيرين من الناس. المثقف لا يملك قوة مادية وتنظيمية التي يملكها الحاكم والرأسمالي والحزبي. في مجتمعاتنا الشرقية المثقف مقموع وسلطته معنوية وأخلاقية، هذا إذا كان المثقف نزيهآ وليس بوقآ للسلطان كما هو حال أكثرية المثقفين والإعلاميين.

 

نعم إن كان هناك نخبة وطنية حقآ، فهي قادرة دون شك على صنع الحداثة والنهوض بالبلد وسكانه وتذليل كل العقبات، وتغير ظروف حياة الناس وجر المجتمع خلفها، كما تجر القاطرة عربات القطار خلفها. لا يوجد مجتمع في العالم ورث الحداثة والتطور والتنوير والنهضة الثقافية والعلمية والتربوية. الذي صنع الحداثة الأوروبية هي النخبة الوطنية، وللأسف مجتمعاتنتا ومنها المجتمع الكردستاني تفتقر لهذه النخبة الوطنية الصادقة الواعية والتي تملك قرارها.

يتبع … وإلى اللقاء في الحلقة الثانية والأخيرة.

 

 

2 Comments on “الحداثة والتنوير يصنعهما النخبة الوطنية الحقة – الحلقة الأولى – بيار روباري”

  1. كاك بيار روباريالمحترم
    تحية
    للاطلاع
    “الحداثة والتنوير يصنعهما النخبة الوطنية الحقة – الحلقة الأولى – بيار روباري”.
    الحداثة والتنوير تصنعهما النخبة الوطنية الحقة – الحلقة الأولى – بيار روباري
    محمد توفيق علي

    1. عزيزي محمد توفيق علي،
      أشكرك أولآ على تفضلك بقراءة المقال، وثانيآ على ملاحظتك الصائبة.
      تحياتي لك ودمت محبآ للقراء وهي نعمة.
      بيار.

Comments are closed.