سلوان موميكا.. قضيب بالودان الشرق الأوسطي- مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، و باحث عراقي

اتفق جميع المُراقبين، إنَّ السيد سلوان موميكا، احرق كتاب المسلمين المُقدَّس، مرتين، في 28 يونيو و 20 يوليو 2023، مُضيفاً العلم العراقي في الثانيَّةِ، لضمان تجديد مدَّة إقامته في السويد كحدٍ أدنى. هذا التفسير يشبه الأحذية الزجاجية، لسندريلا فيلم “براءة المسلمين”، الممثِّلة سيندي لي غارسيا؛ التي أدَّعت أن السيد نيقولا باسيلي نيقولا، قد خدعها و خدع طاقم الفيلم، بدبلجة ما قالوه، بحوارات مُسيئة للرسول محمد و المسلمين، بعد اكتمال تصويره، و بدون علمهم.

مايكل جوزيف غروس، و الذي كَتَبَ قصة صحافية، عن هذا الفيلم، لصالح مجلة “فانيتي فير”، كان مثل جنَّية طيَّبة، لكن بدل أن يعطي موعد، الساعة الثانية عشر ليلاً، لزوال السحر، كان قادراً بـ (4773) كلمة، على فضح الكثير. كشف: ” إنَّ الممثِّلة غارسيا، و التي زعمت إنَّها شاركت في الفيلم، لمساعدة زوجها اقتصادياً. قامت بعد شُهرة الفيلم المُسيء، بتأجير شركة أمنيَّة خاصة لحمايتها، طيلة أربعٍ و عشرين ساعة، و بأنَّ هذه الحماية مجانية. كذلك استطاعت أن تحصل، على مساعدة كاتب و مُحرِّرَين، لكي تُنجِز كتاب “براءة غارسيا”، لكي تكشف للعالم مأساتها”!

غروس، رسم أيضاً خارطتها الروحية: “واعِظة إنجيليَّة، و لديها مُجمَّع كُنُسْي خاص بها، لا ينتمي إلى إحدى المذاهب البروتستانتيَّة المعروفة. لكنها بقيت مُصرَّة، بأنها لم تكُن تعرف، إنَّ الفيلم مُسيء للرسول العربي، رغم إنَّ الممثلين الأصغر سناً، و الأقلُّ خبرة دينيَّة، بيَّنوا إنهم أدركوا ذلك، بعد أيام قليلة، حيثُ أن فترةُ تصوير الفيلم، لم تتجاوز الأسبوعين، و الذي بدأ في أوغست 2011”.

السندريلا موميكا بدوره، أعلن إنَّهُ يريد تخليص بلدهِ المستقبلي، السويد، من شرِّ الكتاب المُقدَّس، القرآن. هذا الكتاب الذي يلعبُ دوراً محورياً، في حياة 2 مليار مسلم تقريباً. هكذا يبدو عرض موميكا، على الشعب السويدي،  مُغرياً، و مُجبراً الجميع على تناسي الدور الميليشاوي؛ الذي كان يلعبهُ في موطنه الأصل، الموصل العراقيَّة، طيلة سنوات، و ليس أسبوعين فقط، كما في حالة شقيقته السندريلا غارسيا.

هذه المقارنة تبدو ظالِمة للسيد موميكا. بدايةً، هناك فارق زمني، إحدى عشرة سنة تقريباً. كذلك، هو بعد كُل شيء، أكثر خبرة من السيدة غارسيا، في فَهِمِ طبيعة المسلمين وكتابهم المُقدَّس، باعتباره مواطناً أصلي، في بلدٍ تقطِنهُ غالبيَّةٌ مُسلِمة. لكن ربّما يجب ان نُمارِس حذراً كبيراً، إذ دائماً ما يكون طريق تدنيس مُقدَّسات المسلمين، مليئاً بـ “الحمير المسعورة”، على حدِّ تعبير المُثقفين الإسكندنافيين، الدنماركيين تحديداً، و الذين استخدموه في  سبتمبر 2022. إذاً ما سبب حماسة السيد موميكا لحرق القرآن مرّتين، مع تتبيله بالعلم العراقي في المرَّة الثانيَّة؟

الأممية البيضاء توسِّع طابورها الخامس

تقعُ الثقافة السويدية، بحسب علماء اجتماع دنماركيين، ضمن قوَّةِ جذبِ بلادِهم. كما إنَّ الدول الإسكندنافيَّة؛ التي توصف بـ “أرض الشبق”، عموماً، تشهدُ تيّاراً سوبر يميني. هذا المزج بين الشبق و السوبر يمينيَّة، انتج راسموسن بالودان، أحد أشهر “الحمير المسعورة”، و زعيم حزب “مسار ضيَّق”؛ الذي درجت الميديا العربيَّة، على تسمية حزبه بـ “الخط المُتشدِّد”، كإجراءٍ وقائي، ضد إيحاءات التسمية الأولى. إذ إنَّ العالم و الشرق الأوسط؛ سيكونان مُجبرين، على التعاطي مع بالودان لسنين طويله، باعتباره أحد مُلَّاك مسرح السوشيال ميديا، و بالتالي لا داعي لتذكيرهما، بأنهما يتواجدان، في عالم “ضيَّق”، الموازي لـ واقعهما.

التسمية الأولى لحزب بالودان، و التي تبدو مُغطاة برقائق خفيفة من البورنو، تُساهِم فيها عدَّة أدلَّة، منها، أحدُ أهمِّ مُرشَّحيْ الحزب، أوي ماكس جِنسن، “فنان القضيب” كما يُدعى. أيضاً، انتماء بالودان و اليمين الدنماركي، إلى ما تُعرف بـ “الناشيَّة الجديدة”، تيمُّناً بـ يورغن ناش، مؤسس “الناشيَّة” الأصليَّة. أحدُ أعضاء النُسخة الأصليَّة، المدعو ثورسن، كان قد صنع فيلماً، عن حياة المسيح الجنسيَّة!

السيد موميكا، و الذي عبَّر عن إعجابه بـ السيد بالودان، و بحسب الكثير من مقاطع الفيديو، على مِنصتيَّ يوتيوب و تك توك، مارس الإباحيَّة اللفظية، في حواراته الحضاريَّة، لتفسير حرقهِ للقرآن، في المرَّة الأولى، مُسبِّباً هيجان الألفاظ الجنسيَّة، في عالم السوشيال ميديا.

السيد موميكا، ليس رائداً، في الحِراك ضد اللاجئين المسلمين، في أوروبا، أو “الدول الحُرَّة”، على حدِّ تعبير النرويجي اندرس بيرينغ برايفك (بحسب اللفظ الإنكليزي)، و الذي قام بحراكٍ قاتل ضدهم. حصد أرواح (77) مواطن نرويجي، معظمهم من أصولٍ إسلاميَّة، في حفلة متفجِّرات و رصاص، منتصف سنة2011!

يبدو موميكا مقارنةً بـ برايفك، مُجرَّد بعوضة سوشيالية، تمتصُ اهتمام المتابعين، و قانون حُريَّة التعبير السويدي، لتضخيم فُرص حصوله على الإقامة، و تاج جنسيَّة هذا البلد الإسكندنافي، المعروف بوداعتِه مع اللاجئين.

هذه النوعيَّة من التفسيرات، الطافية في البحر الليبرالي، تستطيعُ مع الأسف، إغراق شعوبٍ في الدم، و ملء السماء بالأشلاء بدل الطيور المُغرِّدَة. السندريلا العراقي، كان يمارس وظيفة الترويج لـ “النيكرو بوليتكل”. هذا المصطلح؛ الذي يليق بـ: النازيين الجُدُد، السوبر يمينيين، داعش، الميليشيات، “مسار ضيَّق”، تعريفهُ البسيط: هناك من يستحق الحياة و هناك من يستحق الموت.

السيد نيقولا باسيلي نيقولا، و هو أمريكي، من أصولٍ قبطية مصرية، و مُنتج الفيلم المُسيء “براءة المسلمين”، كان أوَّل تجربة يمينية بيضاء، في استخدام المواطنين الأصليين، من شعوب الشرق الأوسط، لتشويه صورة الإسلام. اختيارُ شخصية الرسول العربي، ليست اعتباطيَّة البتَّة، على اعتبارهِ قيمة مُتفق عليها، بين جميع المذاهب الإسلاميَّة. السيد نيقولا و جماعته، كانت لديهم علاقة وثيقة مع القس الأمريكي، تيري جونز، حارق القرآن الأشهر.

استخدام السيد موميكا، بعد أثنتي عشرة سنة تقريباً، من قبل أحزابٍ مسيحيَّة مُتطرِّفة في السويد، و واقعة تحت ثقافة التطرُّف الدنماركيَّة، بمعية واجهات مثل حزب “مسار ضيَّق”، تُعيد التجربة، بإبدال الرسول محمد، بـ القرآن، و هو قيمة أُخرى، تحظى باتفاقٍ نادر بين المسلمين.

هدفُ السيد موميكا، و الذي هو في الحقيقة عبارة عن كُرة قدم، مصنوعة من الجِّلد السوبر يميني، يبقى غامضاً، شعبوياً، و غير قادر على كشف نتائج مُحدَّدة، لحرق القرآن و أعلام الأوطان. حتى السوابق التي تحدَّثنا عنها، لا تُفلح بتوقُّع “مسار ضيَّق” لهذا الهدف. و عليه نسأل: ما هو الهدف؟

صناعة نُسخة ثانية من “بنغازي غيت”

نجحت الأحزاب اليمينية البيضاء في الولايات المتحدة، و بمعيَّة مراكز دراسات، هي في الحقيقة لوبيات ضغط إسرائيلية، مثل مركز “السياسة الأمنية”، و الذي يرأسهُ السيد فرانك غافني الأبن، بإقناع الأمريكيين، بأنَّ الأحزاب الإسلاميَّة، الناشِطة في بلاد العم سام، تُريد إبدال الدستور الأمريكي بـ “قانون الشريعة الإسلامية”.

نجحت هذه الدعايات، بإقناع المُشرِّعين الأمريكيين، على مستوى المقاطعات، بسنِّ تشريعٍ مُعادٍ للشريعة الإسلامية، رغم إنَّ الخبراء، اعتبروا ذلك شيئاً يُشبه الثرثرة فوق ضفاف المسيسبي (استخدمتُ هذا الوصف تيمُّناً برواية ثرثرة فوق النيل لنجيب محفوظ)، لأن الدستور، خالٍ من ثغرات تسمح باختراقه، و ذلك بحسب مركز قانون الفقر الجنوبي، الأمريكي. كُنت قد كتبت مقال (صراع العقيدي مع إلهان عمر.. تنافس حزبي أم إسلاموفوبيا متطورة؟) عن تفاصيل تلك المُبارزة التشريعية، في 2021.

نجح اليمينيون الأمريكيون بذلك، باستخدام مسلمين أمريكيين، من أصلٍ عراقي! ضد مسلمين آخرين، من أصولٍ عربيَّة و أفريقيَّة. لكن هذا الضد المسلم، لم يكن سوى دَّبُّوس باهت، على بدلة هذا النجاح، و لهذا رُمي في الدُرج اليميني كما يبدو.

الأرجح إنَّ السيد موميكا، سوف يكون النُسخة الأوَّليَّة، من ببغاوات الشرق الأوسط، لـ “توسيع واقعية الدولة”. هذه الجملة تعود لجوناس ستال، و التي استخدمها لوصف سلوك اليمينيين، في البلاد الإسكندنافية. هذا التوسيع سيحصل بتضييق المرونة الليبرالية للدولة السويدية، عبر تشريعات مُهاجرة من الولايات المتحدة الأمريكية.

الهدف الآخر، هو نقل عدوى السياسة الدنماركية، المسماة بـ “حزمة الجيتو”، إلى السويد. إحدى سياسات هذه الحُزمة، دفعت كوبنهاجن، لوضع طالبي اللجوء في مخيمات، بالقرب من أماكن عسكرية، لضمان إرعابهم بالأصوات الصدرة منها. كذلك هي قد تُشجِّع الدولة السويدية؛ التي تقوم بمراجعات، لسياسة الرعاية الاجتماعية فيها، و التي تُركِّز على أخذ أبناء اللاجئين و الجاليات الإسلامية، بحجة العُنف الأُسري، و إعطائهم لعائلات بديلة كيفما اتفق، حتّى لو كانت عائلات مكوَّنة من أفراد مْثليَّ الجنس. من الممكن تتبع ذلك، من 19 فبراير 2022.

الهدف العراقي لموميكا، و نقصد به إحراق القرآن للمرَّة الثانية مع العلم العراقي، يوم الخميس الماضي، الـ 20 من يوليو، حفَّزته عدَّة أحداث، رغم إنَّهُ قد أعلن سابقاً، بأنَّه سوف يعيد الكرَّة، منها، الموقف النبيل، للسويدي من أصولٍ سورية، السيد احمد علوش، في الـ 15 من يوليو، و الذي رفض فيه، حرق الإنجيل و التوراة، لأنهما كتابات مُقدَّسان. مبيَّناً، بأنه أراد تنبيه الآخرين، إلى خطورة حرق نُسخة من كتاب المسلمين المُقدَّس. إضافة إلى قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في الـ 16 من يوليو، و الذي أدان حرق الكُتُب المُقدَّسة، و اعتبرها جريمة “كراهة دينية”.

السيد موميكا، يُشارك أيضاً، عراقياً، سواء بعلمه أم لا، في مشروعٍ افتراضي، اسميتُه “بغداد غيت”، و هو نُسخة عن “بنغازي غيت”، الحادثة التي أودت بحياة السفير الأمريكي في ليبيا، كريستوفر ستيفنز، في 11 سبتمبر 2012، و ذلك بعد أيّام من نشر الفيلم المُسيء للرسول العربي. السفيرة الأمريكية إلى الأمم المتحدة آنذاك، سوزان رايس، علَّقت على ما جرى،  بأنه “ردَّة فعل عفوية”. لكن الشك يبقى مُحلِّقاً بجناحيه، عن سبب اختيار هذه العفوية لمناسبة 11 سبتمبر!

تظل ردود الفعل العراقيَّة الحزبيَّة، بعد حرق موميكا الثاني للقرآن و العلم العراقي، و التي كان أبرزُها، طرد السفيرة السويدية، و حرق المقر الدبلوماسي لبلادها، مستمرة بالتصاعد، لتؤشِّر إنَّ هناك “مسار ضيَّق”، مصنوع من المماحكات الحزبيَّة و الأجندات الإقليمية، لإيلاج مزيد من الفشل، في جسد المؤسسات العراقية، و ربّما المزيد من الاختراق الدولي، لبقية الدولة.

ردود الفعل العراقية، عزيزة جداً على قلوب المتطرَّفين اليمينيين في أوروبا، و تؤكد نجاح السندريلا موميكا. خفض قيمة أسهُم حرق القرآن، تحتاجُ ترويج الأبعاد الروحية لهذا الكتاب المُقدَّس، بشكلٍ مستمر، و اللجوء إلى الطُرق القانونية، لا الشعبوية؛ التي تضعُ موميكا و من ضده في بيتٍ زُجاجي، صالح للفُرجة و لغة الحملات الصليبية، فقط لا غير. تبقى لي أن أُذكِّر، إنَّ أول فيلمٍ مُسيء عن الرسول محمد، كان المفترض عرضهُ، في 18 سبتمبر 2002، في هيوستن الأمريكية، بحسب الأسوشيتد برس. لكن لم يُعرض. ربّما لم يكُن موجوداً حتّى! و هذا تعبيرٌ تهكمي أترك للقارئ تفسيره، بدفعِ دراهمٍ من البحث و التفكير.