فسادهم هزمنا -/سمير داود حنوش

سوف نستيقظ يوماً ونجد أن من أيقظنا غريباً قد طرق بابنا ليُخبرنا بالرحيل وترك منازلنا، لِمَ العجب بعد كل الذي حدث ويحدث للعراقيين حين يصحون يوماً ليجدوا أنفسهم سبايا أو عبيداً قد بيعوا في سوق النخاسة إلى من دفع فيهم ثمناً بخساً، وسيكون كل شيء مدهش غير مدهش في حالنا، لِمَ الإستغراب وقد إقترب اليوم الذي سوف نشتري فيه قدح الماء من الجارة بعد أن جفّت أنهارنا.

سُئل جان جاك روسو عن الوطن فقال :”الوطن هو أن لايبلغ المواطن من الفقر مايجعله مضطراً لأن يبيع نفسه أو كرامته، الوطن هو رغيف الخبز والسقف والشعور بالإنتماء، الدفء والإحساس بالكرامة”.. تُرى كم من الشعب تنتابه تلك المشاعر؟. 

أدركنا متأخرين أن هذا الوطن لم يعد يتسع لنا ولهم حين تكدست أرضه باللصوص والسُرّاق، وجعلوا هذا الوطن أسيراً في سجونهم المهترئة، لم يتركوا للشعب شيئاً يقتات منه أو يعيش عليه سوى أُمنيات بالدعاء بالقول “الله كريم” تلك الكلمة التي ظلّت كل ما يملكه الفقير في وطننا.

“يأكلون لفرط الجوع أنفسهم ..لكنهم من قدور الغير ما أكلوا” كما يصفهم الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد.

نعترف أن فسادهم وسرقاتهم قد هزمتنا مرات عديدة دون حياء أو إستحياء، بل إنهزمنا أمام شعاراتهم الخرقاء دون أن تكلفهم معركة واحدة حين إستسلمنا لحقيقة أن الوطن أصبح يُدار لحساب طغمة وليس لحساب شعب، أدركنا متأخرين أن الوطن قد بيع في سوق الجواري ونعرف من دفع الثمن.

أقسى حكمة تعلمناها من هؤلاء أن لا فرق بين الإستعمار والإستحمار سوى أن مفهوم الثاني يأتي من بين ثنايا عقولنا المتعبة التي إرتضت بهم وسوّلت لنا أن نغفر جرائمهم بحقنا، سكوتنا وإستسلامنا جعلهم يتمادون في سرقتنا ونهبنا وإستحمارنا.

ألا سُحقاً لكل شيطان أخرس، يوماً بعد يوم نعقد الأمل في مكافحة الفساد والتغيير حين أصبحت حكايا مكافحة الفساد قصص نرويها لأطفالنا حين ينامون.

من عمق اليأس الذي يعيشه المواطن بدأت تتصاعد في مخيلته فكرة أن يطالب بحصته من السرقة حتى لا يكون من سوء الأدب أن يأكل من خيرات السُرّاق واللصوص وهو يتحدث عنهم بسوء لننتهي إلى إتفاق يُرضي جميع الأطراف وهو أن يسرقوا ما يشاؤون مقابل السكوت عنهم ما دام الساكت قد قبض حصته من ميراث سرقة هذا الوطن.

دائماً مايحاول هذا الشعب على برهنة وجوده وإستحقاقاته الحياتية من أجل البقاء، غير إن الحمقى واللصوص العُتاة مصرون على قصوره وتقصيره، هؤلاء ونخبهم السياسية السبب في بلائنا وإنهزامنا في كل منازلة.. ألا تباً لهم.