طوفان الأقصى ودروسه البليغة- بيار روباري

 

بعيدآ عن الاصطفافات السياسية والإيدولوجية والمواقف المسبقة للأطراف جميعها، الدول منها والقوى السياسية، إضافة لمواقف الشعوب المنحازة للجانب الفلسطيني أو المنحازة للطرف الإسرائيلي. لن أخوض في تلك المواقف وأسبابها وخلفياتها ودوافعها. ليس جهلآ بها، وإنما ما يهمني في هذا الموضوع أشياء أخرى أهم بكثير من وجهة نظري. ولفهم ما حدث، ولماذا حدث، ومن المسؤول عما حدث، ولماذا لم ولا يحدث مثل ذلك عندنا في كوردستان بأجزائها الأربعة ضد محتلي وطننا.

من حيث المبدأ من حق أي شعب على وجه الكرة الأرضية محاربة محتلي بلده، بكل الطرق والسبل المتاحة، وطرد المحتلين من أرضه والعيش بحرية وكرامة، ومن ضمنهم الشعب الكوردي. المحتلين والغزاة لا يغزون البلدان الأخرى بالورد والقبل، بل يغزونها بالبارود والقتل والذبح والتهجير والإهانة والإعتداء على أعراض الناس ونهب ممتلكاتهم، وهذا ما فعله الإسرائليين عندما إحتلوا فلسطين، وذات الشيئ فعله المحتلين العرب عندما إحتلوا كوردستان والتتار ومخلفاتهم من العثمانيين والأتراك والفرس والرومان والبيزنطينيين الأوغاد. وخير دليل على ذلك هو الإحتلال العربي لشنگال وكركوك والإحتلال التركي لمنطقة أفرين وگريه سپي وسريه كانيه، وما حدث من مجازر وعمليات تهجير في هذه المدن الكوردية الأربعة معروفة للقاصي والداني. ولا يمكن إزلة هذه الإحتلالات إلا بالقوة لأنها أخذت بالقوة.

والأن دعونا أن نعود لما بدأنا به موضوعنا ونجيب على تلك التساؤلات، التي طرحناها في مقدمة هذا المقال.

1- ما الذي حدث؟

الذي حدث ببساطة، هو هجوم مسلح من قبل الشعب الفلسطيني على المواقع العسكرية للجيش الإسرائيلي

والمستوطنات اليهودية الغير شرعية في نظر الفلسطينيين. بالطبع هكذا هجوم هدف القتل والأسر وتدمير

ما يمكن تدميره. وهذا حق مشروح لأن إسرائيل دولة محتلة ولم تلتزم بقرارات الإمم المتحدة الخاصة بالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، ولا ببنود إتفاقية أوسلو التي وقعت بين الطرفين قبل (30) ثلاثين عامآ.

والمقاتلين الفلسطينيين تمكنوا من إختراق الحدود ومفاجئة الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية، وبقية القصة معروفة للجميع بالصوت والصور.

2- لماذا حدث طوفان القدس؟

حدث طوفان القدس لأسباب عديدة منها ما هو أني ومنها ما هو سياسي وقديم.

الأسباب الأنية:

الممارسات الإسرائيلية اليومية المهينة للفلسطينيين وخاصة في الضفة والقدس وعلى الحواجز. •

  • الدخول المتكرر للمسجد الأقصى والإعتداء على المصلين أمام عدسات الكاميرات.
  • منع الفلسطينيين من الوصول إلى القدس، إلا للذين يتجاوز أعمارهم (60) الستين سنة وما فوق!!

هدم بيوت الفلسطيين بشكل متعمد. •

  • سجن الفلسطينيين لمجرد أنه فلسطيني (نساء، أطفال، شباب، شيوخ)، إضافة للمقاومين.
  • حصار غزة بشكل خانق طوال مدة (17) سبعة عشر عامآ.

الأسباب السياسية:

تهويد مدينة قدس الشرقية، بما فيها مقدسات الفلسطينيين. •

  • إستشراس عمليات الإستيطان اليهودية في الضفة الغربية.
  • إقامة الجدار في الضفة الغربية، وتقطيعها إلى جزر وغيتوهات حولت حياة الفلسطيين إلى جحيم.

إعتداءت المستوطنيين على المواطنيين الفلسطينيين بشكل قذر. •

  • فشال إتفاقية اوسلوا نتيجة التطرف الإسرائيلي وتحديدآ من قبل حكومات نتنياهو – رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي الوسخ.
  • تبخر حلم إقامة دولة فلسطينية على حدود عام (1967) وعاصمتها القدس الشرقية.
  • تخلي العربان تمامآ عن الشعب الفلسطيني.
  • تجاهل الدول الغربية وعلى رأسهم أمريكا للقضية الفلسطينية، ودعمها الأعمى لإسرائيل.
  • الصراع الفلسطيني – الفلسطيني.
  • دور إيران المغزي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لأهداف خاصة بها.
  • بحث حركة حماس عن دور سياسي لها، وترغب هي في أن تمثل الشعب الفلسطيني.

3- من المسؤول عما حدث:

المسؤال الأول عما حدث وسيحدث لاحقآ هو الطرف الإسرائيلي، الرافض للإقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها إقامة فلسطينية إلى جوار دولة إسرائيل.

الطرف الثاني المسؤول عن ما حدث هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تغاضت وتتغاضى دومآ عن جرائم إسرائيل وعدم إلتزامها بالقرارات الأممية والإتفاقيات التي أبرمتها مع الطرف الإسرائيلي.

الطرف الثالث، هي مجموعة الدول الأوروبية الداعمة لإسرائيل وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا والمانيا وإيطاليا وهولندا.

الطرف الرابع، هم القادة العرب، الذين ظلوا يتاجروا بالقضية الفلسطينية، وعلى رأسهم النظام السوري البعثي والأسدي على حدٍ سواء.

الطرف الخامس، هم الفلسطييون أنفسهم بسبب عدم توافقهم على حل واحل، وصراعاتهم على الكراسي والزعامة.

4- ماذا بعد هذا الهجوم:

بالمختصر مزيدآ من القتل والدمار على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وإنتظار الجولة الثانية من

القتال أو الطوفان، وستكون أقوى وأقصى وأشرس وأعنف بكثير، وبتقديري الفلسطيين سيقضمون من أراضيهم المحتلة ويطردون الإسرائليين منها، ولم يعد ممكنآ العيش في محيط غزة بأمان كالسابق من قبل المستوطنيين اليهود.

5- ما الحل:

الحل بسيط وسهل وبيد حكام إسرائيل وإيباك والإدارة الأمريكية الحالية أو القادمة، ويكمن في التالي:

  • سحب الجيش الإسرائيلي وكافة الأجهزة الأمنية إلى حدود عام (1967).
  • إخلاء كافة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وتسليمها سالمة للجانب الفلسطيني.
  • تقاسم القدس بين الطرفين، القدس الغربية لإسرائيل والشرقية للفسلطينين على غرار مدينة برلين ولكن تكون مفتحة أي بدون جدار.
  • الإعتراف الإسرائيلي الرسمي بالدولة الفلسطينية، وتبادل السفارات.
  • حل قضية اللاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم التي خرجوا منها.
  • إعتراف الدولة الفلسطينية بالدولة الإسرائيلية وحقها في الحياة.
  • دعم العالم لهذا التوجه ومحاربة العنصريين والغلاة من الطرفيين.
  • لا الأساطيل الأمريكية ولا الدعم الغربي سيحمون إسرائيل ولا إتفاق السلام المعتة والحقيرة التي أبرمتها إسرائيل مع قادة العربان الوسخين. الذي سيحمي إسرائيل هو الإعتراف بالحقوق الفلسطينية وإنهاء هذا الإحتلال القذر والهمجي والدموي للأراضي الفلسطينية وشعبها فقط. اليهود يعيشون وسط محيط عربي واسع وإسلامي، والغربيين كذابين يكرهون اليهود، ولهذا أخرجوهم من أوروبا وتخلصوا منهم من خلال توطينهم في فلسطين.

ونفس الشيئ ينطبق على المحتلين التركي والفارسي اللعينين لكوردستان، عليهم الإنسحاب من أرضنا وهوائنا وسمائنا، ويتعرفوا بكوردستان دولة موحدة، فلن يبقى لنا سببآ في مقاتلة الفرس والأتراك والسوريين الذين يشدون ظهرهم بالتركي والفارسي. النظام الأسدي يشهد ظهره بملالي الفرس الوسخين والمعارضة السوركية تشد ظهرها بالوغد التركي. ولكن سيأتي اليوم الذي يندمون فيه على عمالتهم هذه وعدائهم للشعب الكوردي في غرب كوردستان والأجزاء الأربعة الأخرى.

6- دروس عملية طوفان القدس:

  • لا يمكن هزيمة شعب يملك إرادة الحياة، ويتلطع للحرية والكرامة.
  • القوة العسكرية والعنجهية والغطرسة، لا يمكن لها أن تصمد أمام الحق وخلفه مٌطالبٍ به.
  • كل إحتلال زائل، ولو بعد (1000) الف عام.
  • قوة صغيرة منظمة ومؤمنة بقضيتها المشروعة وجادة وتملك إرادة وعزيمة، يمكنها هزيمة أي قوة عسكرية كانت. والدليل هزيمة حلف الناتو بقضه وقضيدده في أفغانستان، والجيش الإسرائيلي في لبنان عام (2000-2006). هزيمة الجيش الأمريكي في فيتنام.

7- لماذا لم يستطع الكورد القيام بطوفان كركوك وأفرين وآمد ومهاباد؟

  • التنظيمات والأحزاب الكوردية، دكاكين شخصية وعائلية، بعكس حركتي حماس والجهاد.
  • عبادة الشخص تعلوا على قضية أخرى.
  • الشعب الكوردي في خدمة التنظيم (الحزب، العشيرة، الجماعة) وهؤلاء في خدمة: الملا، الأغا، البك، الشيخ، الرفيق، السروك، .. ).
  • الفكر العقيم والبالي النضالي مازال سائدآ بين الكورد.
  • تشتت الكورد إلى مجموعات: حزبية قذرة، جماعات مذهبية، جماعات دينية، جماعات لهجوية، جماعات مناطقية، جماعات عشائرية حقيرة وبالية، جماعات عميلة، حماة القرى، الجحوش، جماعة المكنسة، الجماعات المفلسة، ..).
  • الكورد مختلفين على: العلم، الأبجدية، اللغة، العاصمة، الهدف السياسي (ربع دولة، نصف دولة، لا دولة، دولة كاملة).

في الختام، أدعو الطرفين التوقف عن هذا القتل والذبح والتدمير، لأن هذا الصراع يحل بطريقة واحدة فقط وهي: حصول الطرف المظلوم على حقوقه والتي تتلخص في دولة على حدود العام (1967) والقدس الشرقية. ولتحقيق ذلك يجب على الإسرائيليين إنتخاب قيادة عقلانية مث “إسحاق رابين” الذي قتله المتطرفين اليهود من جماعة “نتنياهو” الفاسد والعنصري البغيض. وعلى الطرف الفلسطيني قبول وجود إسرائيل بما فيها الحركات الإسلامية، وفي المستقبل يمكن للطرفين تكوين دولة كونفيدرالية وستكون لصالح الشعبين، هذا رأي وقناعتي ودعوتي.

وأخيرآ، أقول للقيادات الكوردية التي عفنت ونتنت في كراسيها، أن تتعلم الدروس والعبر من حركة حماس وحزب الله اللبناني، وأقصد بذلك تعلم بناء صناعة القوة، وليس تعلم المذهبية المقيتة ولا الفكر الإخواني الحمساوي.

 

10 – 10 – 2023