إلى متى يستمر هذا النفاق؟!- د. عبدالباقي مایی

 

منذ هجوم حماس المفاجئ علی إسرائیل فی ٧ تشرین الأول سنة ٢٠٢٣، ونجاحها فی عبور الحدود الإسرائیلیة عسكریا بشكل لم یسبق له مثیل، نسمع ونری عبر المیدیا المدعومة من الجهتین المتحاربتین تصریحات لقیادات سیاسیة محلیة و أقلیمیة وعالمیة تنقسم بین طرفی نقیض یدعی كل منهما بوحشیة الطرف الآخر وأحقیة تبنی علی قوانین وأسس عالمیة تدفعه لممارسة جمیع الأعمال الوحشیة المحرمة دولیا إما بحجة الدفاع عن النفس و مكافحة الإرهاب من الجهة المتعاطفة لإسرائیل أوبتردید حقوق الشعب الفلسطینی فی التمتع بدولته المستقلة وفق إتفاقات ومعاهدات دولیة عدیدة لم یلتزم بها أحد. لا أحد من الطرفین یری عدالة فی هذه الحالة المفروضة من العالم المتحضر والمسیطرة علیها من قبل دول الڤیتو فی مجلس الأمن. كل من إسرائیل و فلسطین تتحكم فیها مبادئ مقدسة تمنعها دینیا و دنیویا أن یتنازل للطرف الآخر.

لم یحدث فی تأریخ دولة إسرائیل منذ تأسیسها أن وقعت فی هذه الحالة من الفشل والخسارة والذهول كما حدث فی الیوم الأول من هجوم حماس المفاجئ لها. نعم، هذا الهجوم یحوی جمیع وسائل الحرب المدمرة ضمن قابلیات حماس المحدودة كمنظمة “إرهابیة” كما تسمیها إسرائیل و شركاۆها. فقساوتها تعكس الإنتقام الذی تكون و تفاقم بمرور الزمن نتيجة للظلم والحرمان علی مدی سنین من الإحتلال المرفوض بمقاومة شعب “لا یستطیع أن یموت” كما وصفه شاعرهم الخالد محمود درویش. هذه القساوة المبنیة علی استمرار الاضطهاد و التعسف والطغیان قد إنفجر فی وجه العدو المتمثل بسلطة الاحتلال التی تعتبر كل محاولات الشعب الفلسطینی فی التمتع بالحرية والاستقلال عداوة ضدها دینا وعقیدة بشكل یذكرهم بالقتل الجماعی الذی مارسته النازیة ضد إباء وأجداد هؤلاء الأشخاص اللذين يسيطرون علی الجناح المتطرف فی السلطة فی إسرائیل . الحرب الضروس التی إندلعت فی غزة ضد إسرائیل لایمكن تجریدها من العمق التأریخی للحقد والكراهیة بین الطرفین نتیجة هذه المعاملة القاسیة من سلطة إحتلال لها تأريخ مؤلم من العذاب والمعاناة و خلاف تأریخی عمیق بین الدیانتین الیهودیة والإسلامیة حیث یدعی كلاهما بقدسیة مدینة “القدس” فی كتاباتها الدینیة المقدسة كل من وجهة نظره. هذه الحرب الضروس لست بنت النوم بل تكونت نتيجة لهذا الخلاف العميق المبني علی تعقيدات نفسیإجتماعیة تتطلب التأني والتحلي بالعلم والمعرفة لتحليلها بوسائل علمية وإيجاد الحلول و المعالجات النفسية الضرورية لها.

إن زعماء العالم اللذین يهتمون بهذا الصراع حرصا علی حماية مصالحهم يصفون ضراوة الحرب ونتائجها المدمرة كجرائم حرب وفق قوانين وقواعد دولية لا تحترم لا فی إسرائيل ولا فی فلسطين وذلك لكون كل طرف منهما يری نفسه ضحية مسلوبة الحقوق ومعرضة للكراهية والمعادات بينما يعرف الطرف الآخربالمعتد العنید. إذا كنتم أيها الزعماء فعلا تۆمنون بما تصفونها من قوانين إنسانية عالمیة، فأنتم بحاجة إلى تقديم هذين الطرفين المتحاربین معا إلى المحاكم الدولية التي تتحدثون عنها. وإلا فإن التاريخ سوف يلعن نفاقكم. وسوف تتكرر هذه الجرائم فی أماكن أخرى من العالم مازالت هنالك شعوب تجبر علی مقاومة الاحتلال من أجل الحرية والاستقلال وفقا لتلك القوانين الدولية كما هو الحال فی كوردستان التي تعيش حالة مشابهة لما یجري بین غزة وإسرائیل الآن. أنتم تهينون بتصریحاتكم سكان العالم بأسره من خلال وصف الانتهاكات فی هذه الحرب دون العمل علی إيقافها. العالم كله يعرف عن هذه المؤسسات العالمية التي تصفونها ولا تلتزمون بقوانينها. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو من المعني بتقديم هذه الجرائم لتلك المحاكم الدولية التي تتبجحون بذكرها؟ ماذا تنتظرون؟!

ما یحدث فی غزة الآن ما هی إلا صورة واضحة من النفاق المنطلق من سیاسات دولیة تخالف فی جوهرها جميع القوانين الإنسانية من حماية المدنیین والدفاع عن حقوق الناس أفرادا و جماعات كما هو مدون فی مواثيق الأمم المتحدة. فهی تخالف هذه البنود بدفاعها عن أی طرف كان مادام یمارس التطرف فی دینه أو عقیدته أومبدئه السیاسی. ما دمتم جميعا تدعون بالالتزام بالقوانين الدولية فلماذا لاتنفذونها ما دمتم تشاهدون المخالفة العلنية من الطرفين المتحاربین. لماذا یمكنك إعتبار قتل الأطفال والنساء الأبریاء من جهة “جریمة لاتغتفر” و من الجهة الأخرى “مسألة فيها نظر”؟!

ما دامت هذه الإزدواجیة فی الاعتبارات والمقاییس والمواقف تجري دون هوادة فی مقابلات المسۆلین السیاسیین علنا وخلف الكواليس، وكلما صرح مسؤل بترديد قوانين الأمم المتحدة و حقوق الإنسان لیبرئ طرفا من جرائمه دون الآخر، وما دامت شعوب كاملة فی العالم تعيش فی حرمان من حقوقها تحت سلطة الاحتلال، فلیس من الممكن تفسییر ما تدعی به هذه القيادات إلا وجها قبیحا من أوجه النفاق، وعلينا أن نستعد لتكرار الصورة فی أنحاء أخرى من العالم الذي یعیش تحت الإحتلال.

2 Comments on “إلى متى يستمر هذا النفاق؟!- د. عبدالباقي مایی”

  1. ** من ألأخر …{ تقول (الحرب الضروس التی إندلعت فی غزة ضد إسرائیل لایمكن تجریدها من العمق التأریخی للحقد والكراهیة بین الطرفین } هذا عين العقل والصواب والسؤال من الذي بدأه أليس محمد نبي الاسلام الداعشي الاول والذي ورث هذا الطاعون لاتباعه من المسلمين الذين لازالوا قبل غيره أكثر ضحاياه ومنهم الكورد الذين لم يشفع لهم حتى إسلامهم ولليوم ، ويكفي ما قامت به داعش بحق الاخوة الايزيدين والمسيحيين لابل وحتى المسلمين في العراق وسوريا ، وهاهم دواعش حماس مكررين نفس المجازر والمأسي ، والتي دستورها هو نفس دستور الاخوان المجرمين الذين لا يؤمنون لا بدولة ولا بوطن ولا حدود ، والذي يقول بأن أي أرض غزاها المسلمين هى وقف إسلامي لا يجب التفريط بها تحت أي ضرف ، فالصراع في المنطقة هو صراع إسلامي ضد معتنقي بقية الاديان وليس صراعا على الارض كما يعتقد الكثيرون والبادي أظلم ، سلام ؟

    1. شكرا للتعلیق. جمیع الأدیان والمبادئ تصبح كالطاعون ضد المجتمع عندما تتجاوز حدود الفرد فی حریة الرأی وإعتناق مایشاء. وهی لا تصلح أبدا لأن تكون منهجا سیاسیا للحكم والسلطة لأنها تۆدی حتما إلی الدكتاتوریة والفاشیة.

Comments are closed.